إنّ تصوّراتنا عن شخص ما قد تجعلنا نُحبّه ونحترمه ونتعاطف معه، كما أنّها قد تجعلنا نكرهه ونزدريه، ونقف ضده، ونحن حين نحب شيئاً نبحث عن ميزاته وفضائله، وحين نبغض شيئاً نبحث عن عيوبه وسلبياته.
والنفوس المريضة المأزومة تدفع الدماغ في اتجاه إنتاج الأفكار السوداوية المتشائمة، كما تدفعه في اتجاه إنتاج أفكار الثأر والانتقام، وأن الانحراف الفكري الموجود لدى أولئك الناس ذوي النفوس المريضة يولّد لديهم الكثير من مشاعر الضيق والغضب والتعصب والقلق، وهذا كله يعني أنّ أي تحسن يطرأ على عمليات التفكير سينعكس على الحالة النفسية والشعورية لديهم، وتحسن الحالة النفسية والشعورية يحفز الدماغ على إنتاج الأفكار الإيجابية ولكنّهم يقاومون ذلك التحفز الدماغي حتى لا تُنتج الأفكار الإيجابية.
بعض المتخصّصين في التنمية البشرية والصحة النفسية يقولون إنّ هؤلاء الأشخاص عيونهم عين ذبابة، لأنّهم يرون السلبيات والعيوب والأخطاء، يركّزون على النقطة السوداء ولا يرون جمال البياض الذي يكون في الأشخاص من حولهم سواء كانوا أبناءً أو أزواجاً أو أقارب أو أصدقاء أو زملاء أو أو أو...، غالباً يكونون متأهبين للشجار والخلاف والهجوم على غيرهم، شخصياتهم متطرّفة، والتطرف منهج فكري أكثر من أن يكون حاجة نفسية، لكنهم يتعاملون مع تطرّفهم وكأنّه حاجة نفسية كلما احتاجوا لها سدوها بأنواع التصرفات والسلوكيات اللامسؤولة السيئة مع كل من حولهم، كذلك هم منغلقون على مجموعة من التصورات والأفكار السوداوية المتشائمة عن غيرهم، ويتعصبون لها إلى درجة أنّهم لا يقبلون أي مناقشة أو نقد لها، النقد البنّاء الذي قد يساعدهم على تصحيح أو تغيير أفكارهم السيئة السلبية السوداوية، فهم ينفعلون بسرعة ويميلون للعدوانية.
عندما تجالس أحدهم في حضر أو سفر وتحاوره في أي موضوع، إنه لا يسمع لحديثك ولا يستمتع بأفكارك بل يكون مشدود الأعصاب متأهباً للهجوم ينتظر الزلة والسقطة والخطيئة منك، عينه عين ذبابة لا ترى إلا القذى والقذارة، فهم متسرّعون عجلون في إصدار الأحكام على الأشخاص والمواقف والأحداث، عقليتهم سطحية، دائماً يشكّون في الآخرين ويتهمونهم بما ليس فيهم، بعدما تنتهي مصلحتهم.
نحن لا نعيب على من لديه مصلحة مع من يختلف معه، ولكن العيب كل العيب عندما تنقضي هذه المصلحة يجحدون وينكرون الجميل.
وتضيق لديهم دائرة الانتماء لدى أي إنسان، لأنّهم حرموا أنفسهم من النقد الذاتي والتفكير النسبي، وذلك لانخفاض درجة وعيهم في تنظيم علاقاتهم وحسن التعامل مع غيرهم، لا فائدة من حوارهم، ولا يمكن الوصول معهم إلى شيء، لذا، لتجنّب أذاهم وقذاهم لا يوجد أنجع ولا أنجح من دواء التجاهل، والقول لهم سلاماً تحقيقاً للآية الكريمة: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، فلنقل لهم سلاماً لنسلم من أفكارهم التشاؤمية وثأرهم وانتقامهم على شيء لم يبدر منّا.
وإن كانوا أرحاماً علينا أن نتعامل معهم بالحقوق الشرعية الخمسة، وهي حق المسلم على المسلم أياً كان هذا المسلم، فهم من اختار أن نتعامل معهم بهذه الحقوق فقط لسوء أطباعهم وتعاملهم، ولن تكون عيونهم عيون النحلة التي ترى الشهد والعسل وكلَّ شيء جميلاً، إلا إذا اختاروا أن يغيروا أفكارهم وتصوّراتهم عن كلّ من حولهم.
[email protected] @mona_alwohaib