كتاب «المدخل لشرح قانون مكافحة الفساد في التشريعات الجزائية الكويتية» يقدم دراسة أكاديمية لتشخيص القوانين المعنية بالقضية

الفساد المالي والإداري في الدولة... خطرٌ يضعف ثقة الشعب بالحكومة ومؤسساتها

19 ديسمبر 2020 10:00 م

- من أهم أسباب الفساد انتشار ثقافة المحسوبية شبه المتأصلة في المجتمعات العربية
- يعتبر معوقاً حقيقياً لتحقيق خطة التنمية المستدامة ويقلب المفاهيم ويهبط بالقيم والذمم ويضيّع الحقوق
- بناء أنظمة ومجتمعات تتمتع بالنزاهة حاجة ملحّة لتعزيز ثقافتها والوعي بممارسات الفساد ومكافحتها
- المشرع اكتفى في قانون «هيئة مكافحة الفساد» بتحديد الجرائم من دون وضع تعريف واضح لمعنى الفساد
- توصية بتبني فكرة مصادرة الأموال من دون إدانة ثم تتولّى النيابة إثبات أنها غير مشروعة

يكشف كتاب «المدخل لشرح قانون مكافحة الفساد في التشريعات الجزائية الكويتية» أنه مع تطور أساليب الفساد وتفشيه في المجتمعات، لم تعد الأساليب التقليدية في مكافحة الجريمة وحدها كافية لتحقيق مكافحة فعلية للفساد، وخاصة أن من أهم أسباب الفساد هو انتشار ثقافة المحسوبية التي يمكن القول إنها شبه متأصلة في المجتمعات العربية، مبينا أن هذا الأمر ترتب عليه وجود فجوة بين الأطر القانونية لمكافحة الفساد والسلوكيات اليومية، وعليه فإن للمساهمة في بناء أنظمة ومجتمعات تتمتع بالنزاهة، كانت الحاجة لتعزيز ثقافة النزاهة والوعي بممارسات الفساد والإجراءات القانونية لمكافحتها من خلال التعليم.

الكتاب من تأليف عضوتين في هيئة التدريس بقسم القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت، الدكتورة إيمان خالد القطان، والدكتورة نورة طه العومي، ويتألف من أربعة أبواب تناولت العديد من الموضوعات المهمة في القانون، ومن أبرزها مقدمة عن الفساد والأجهزة المعنية بنظام النزاهة في الدولة، والأحكام الموضوعية لجرائم الفساد، والعقوبات في التشريع الجزائي الكويتي، والأحكام الخاصة بالإجراءات الجزائية لجرائم الفساد، وتدابير وقائية لمكافحة الفساد وأحكام الكشف عن الذمة المالية.

ويتميز الكتاب في كونه أول مؤلف يضم بين دفتيه الأحكام الموضوعية والإجرائية المتعلقة بجرائم الفساد في التشريعات الجزائية الكويتية، وهو حصيلة دراسات وأبحاث وتحليل عميق لأحكام مكافحة الفساد في القوانين الجزائية الكويتية، حيث يتناول شرحاً تفصيلياً لأحكام جرائم الفساد في القانون، مثل جريمة غسل الأموال، والكسب غير المشروع، وجرائم التهرب الضريبي، وعدم الكشف عن العمولات، وجرائم الاعتداء على الأموال العامة، وجريمة الرشوة، واستغلال النفوذ، وغيرها من جرائم الفساد، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بإجراءات التبليغ والتحري والتحقيق في جرائم الفساد، وجميع الأحكام ذات الصلة بإجراءات فحص إقرارات الذمة المالية.

وبيّن أن للفساد المالي والإداري خطورة كبيرة على مجالات ونواحٍ عدة في الدولة، ولا يقتصر تأثيره السلبي على حاضر المجتمع، بل يمتد إلى مستقبله، وعبر أجيال متعاقبة. فإلى جانب خطورته على مؤسسات السلطة في الدولة، فهو يعد معوقاً حقيقياً للجهود المبذولة لتحقيق خطة التنمية المستدامة، فضلاً عن أنه يقلب المفاهيم ويهبط بالقيم والذمم ويضيع الحقوق ويفقد العدالة وتكافؤ الفرص بين الأفراد ويضعف ثقة الشعب في الحكومة ومؤسساتها.

وأشار إلى التنظيم التشريعي لمكافحة الفساد في الكويت، حيث نصت الاتفاقيات الدولية على ضرورة وجود هيئة مستقلة تتولى مكافحة الفساد واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منه، حيث صدر القانون 24 لسنة 2012 في شأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، ويعد هذا أول قانون معني بالفساد في الكويت، وبعد إلغائه من قبل المحكمة الدستورية صدر القانون 2 لسنة 2016 بذات الشأن، حيث اكتفى المشرع في هذا القانون بتحديد جرائم الفساد دون وضع تعريف واضح لمعنى الفساد.

وأوضح الكتاب أنه على الرغم من عدم قلة التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد، وبخاصة تلك التي تعنى بحماية الوظيفة العامة والحداثة النسبية لقانون إنشاء الهيئة، فإن هناك بعض المسائل مازالت عالقة ومنها، خلو التشريع الكويتي من الصيغة العقابية لمعالجة جريمة تعارض المصالح، وهي تلك المتمثلة في حظر تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وأنه ما زال موضوع الانتفاع، ولا سيما الانتفاع السياسي أو الاداري المتمثل في تضخم حسابات بعض المسؤولين الحكوميين، بسبب قبول الهدايا والمزايا غير المجرمة بطريقة واضحة في التشريع الحالي في الكويت.

وبهذا الصدد وجب أن يتدخل المشرع الجنائي ليضيف نصاً يجرم فيه قبول الهدايا أو الوعد بها، ويكون غير مشروط بالقيام بالعمل اللاحق كجريمة المكافأة اللاحقة، ولا بوقت سابق كالتي تقتضيها جريمة الرشوة.

وشدد الكتاب في خاتمته على أنه بعد تحليل قانون الجزاء الكويتي وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في شأن تطبيق أحكام المصادرة النائية على متحصلات الجريمة، يتضح أن تلك القواعد العامة لا تكفي لمصادرة الأموال، وعليه توصي الدراسة بتبني فكرة المصادرة من دون إدانة جنائية بحيث يسمح للسلطات المختصة المتمثلة في النيابة العامة برفع دعوى أمام القضاء المدني تطلب مصادرة أموال وأصول موجودة داخل الإقليم المحلي، وعلى سلطة الاتهام أن تثبت ما يفيد أن تلك الأموال غير مشروعة ومتحصلة من جريمة.

مفهوم الفساد

وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تعريفاً للفساد بأنه «استغلال الموظف العام وظيفته للحصول على مكاسب شخصية»، كما تبنى صندوق النقد الدولي ذات المفهوم حين عرف الفساد بأنه «إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص»، فيما اختارت الأمم المتحدة تعريفاً للفساد يشتمل على جرائم عدة صنفت على أنها فساد ومنها الرشوة والاختلاس، والمتاجرة وإساءة استغلال نفوذ الموظفين العامين، والإثراء غير المشروع، وجريمة غسيل الأموال، وجريمة إخفاء الجرائم وإعاقة سير العدالة.

تعريفات

الحكم الصالح: نسق من المؤسسات المجتمعية المعبرة عن الناس تعبيراً سلمياً، وتربط بينهم شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة المؤسسات، وفي النهاية بواسطة الناس.

النزاهة: مجموعة من المبادئ الإيجابية التي تعزز السلوك الشريف الأخلاقي وتشجع ممارسات العمل الإيجابي.

الشفافية: الوصول غير المقيد إلى معلومات موثقة وآنية حول القرارات المتخذة والأداء.

توصيات الدراسة

القانون وحده لا يكفي لمكافحة الفساد، بل يجب أن تنهض بهذه المسؤولية المؤسسات التعليمية والجامعة وتشارك فيه منظمات المجتمع المدني.

توظيف الثروة المعلوماتية والعولمة، واستخدام التكنولوجيا والتحول الى الحكومة الإلكترونية للارتقاء في مستوى التنافسية والشفافية.

تطبيق الحوكمة المؤسسية في الجهاز الإداري الحكومي على أن يكون منهجاً فعالاً في الدولة من خلال تطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية وروح المساءلة.

تعزيز القيم، إذ إن مكارم الأخلاق سبيلنا لمكافحة الفساد في المجتمع والحياة ومن ثم لابد من إعادة النظر في مؤسساتنا التعليمية والتربوية والسعي نحو الجودة التعليمية والجدارة العلمية والكفاءة لاستئصال كل جذور الفساد وإنشاء جيل ممنهج على المساواة ومكارم الأخلاق.