العمل الدولي لا يقوم على أساس الاستفراد بالقرار بل على التعاون المشترك

سيادة الدول لفضاءاتها الجوية ليست مُطلقة... عملياً

2 ديسمبر 2020 10:00 م

- «اتفاقية شيكاغو» للطيران المدني لم تغفل موضوع انتشار الأمراض والأوبئة
- ديباجة الاتفاقية قيّدت مبدأ السيادة المطلقة بتكافؤ الفرص في النقل الجوي بين الدول
- الكويت أودعت وثيقة قبولها اتفاقية الطيران المدني الدولي في 17 مايو 1960
- «شيكاغو 1944» تعتبر من أنجح الاتفاقيات ذات الأطراف المتعددة

سجَل قانون الجو الدولي العام، العديد من الأسباب التي دعت الدول الى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الأجنبية، المسجلة لدى الدول الأخرى، سواء كانت حربية أم مدنية، ومن هذه الأسباب تلك التي تتعلق بمسائل أمن وسلامة الطيران، والبيئة، والشؤون السياسية أو الحروب، إلا أن ظهور وانتشار عدوى فيروس «كورونا» المستجد (19 COVID) حول العالم في الآونة الأخيرة، أضاف سبباً جديداً لإغلاق الدول مجالها الجوي حماية للصحة العامة للأفراد، ومنعاً لانتشار الفيروس عبر وسائل الملاحة الجوية (الطائرات - المطارات)، وبذلك فقد سجّل قانون الجو الدولي العام للمرة الأولى هذا السبب الجديد، وهو عدوى «كورونا»، وأضافه إلى قائمة الأسباب الأخرى.

اتفاقيتا باريس 1919 وشيكاغو 1944 وبما أن الفضاء الجوي يخلو من العوائق أو المصدات المادية، التي تحول دون اختراق المجال الجوي المحدد لكل دولة، فقد سارع المجتمع الدولي للطيران المدني، بالتوقيع على اتفاقية باريس 1919 في شأن أنظمة الملاحة الجوية، والتي تنص في المادة الأولى «لكل دولة سيادة كاملة وحصرية على المجال الجوي فوق أراضيها»، والتي حل محلها اتفاقية شيكاغو 1944 في شأن الطيران المدني الدولي، حسب المادة 80 من الأخيرة، والتي تنص على ذات المبدأ في مادتها الأولى «تعترف الدول المتعاقدة بأن لكل دولة السيادة الكاملة والمطلقة على الفضاء الجوي الذي يعلو إقليمها»، وتنص على تعريف الإقليم في المادة 2 «لأغراض هذه الاتفاقية، يعتبر إقليم الدولة الأراضي البرية والمياه الإقليمية المتاخمة لها الخاضعة لسيادة تلك الدولة أو سلطتها أو حمايتها أو انتدابها».

الطيران الحربي والمدني وذكرت الرئيسة الفخرية للمعهد الدولي للقانون الفضائي IISL الدكتورة Isabella Diederiks-Verschoor، في كتابها An Introduction To Air Law، أن الحرب العالمية الثانية أكدت أهمية صناعة الطائرات الحربية العسكرية لأغراض دفاعية،خصوصاً بين الفترة 1919 و1940، كما ظهرت ذات الأهمية لصناعة الطائرات للطيران المدني الدولي لأغراض اقتصادية وسياسية، حيث تم إنشاء شبكة تشغيلية للخدمات الجوية الدولية حول العالم تربط بين أميركا الشمالية ودول أوروبا الغربية وكذلك تربط بين الدول الأوربية الغربية بريطانيا العظمى، فرنسا، هولندا، ألمانيا وإيطاليا.

وعندما انعقد مؤتمر شيكاغو لاعتماد اتفاقية الطيران المدني الدولي، خلص إلى الموافقة على مبدأ سيادة الدولة للفضاء الجوي لحماية أمنها الوطني، ومبدأ التشغيل الاقتصادي للخدمات الجوية الدولية، مع تقييده بمبدأ المنافسة بين الناقلات الجوية الوطنية والأجنبية، وبذلك تم التوقيع على اتفاقية شيكاغو في 7 ديسمبر 1944 من ممثلي 52 دولة مع اتفاقين ملحقين بها، هما: اتفاقية النقل الجوي الدولي لخدمات الترانزيت، واتفاقية النقل الجوي الدولي.

مبدأ المشاركة وتكافؤ الفرص بحلول ديسمبر 2011، بلغ عدد الدول المصدقة على الاتفاقية 191 دولة، ومنها الكويت التي أودعت وثيقة قبولها للاتفاقية في 17 مايو 1960، حسب ما أشار إلى ذلك القانون رقم 30 لسنة 1960 بإصدار أنظمة الملاحة الجوية. ونتيجة للتنصيص على مبدأ السيادة للمجال الجوي للدولة في الاتفاقية، نصت مادتها 3-ج «لا يجوز لأي طائرة من طائرات الدولة التابعة لدولة متعاقدة، أن تطير فوق إقليم دولة أخرى أو تهبط فيه، إلا إذا حصلت على ترخيص بذلك، من خلال اتفاق خاص أو غيره، وطبقاً لشروط ذلك الترخيص».

إن تمتع الدول بالسيادة المطلقة والكاملة لمجالها الجوي، بموجب اتفاقية شيكاغو 1944، لا يعني استفراد الدولة في التصرف في مجالها الجوي بلا قيود، كما يبدو من المادة الأولى للاتفاقية لمن قرأها للوهلة الأولى والنظرة العجلى، ذلك أن ذات الاتفاقية قيدت حكم المادة المذكورة بمبدأ المشاركة وتكافؤ الفرص في استخدام النقل الجوي الدولي بين الدول، والمنصوص عليه في ديباجة الاتفاقية، حيث تنص على أن «... الحكومات الموقعة أدناه، اتفقت على مبادئ وترتيبات معينة تضمن للطيران المدني الدولي التطور على نحو آمن ومنظم، وتحقق إنشاء خطوط دولية للنقل الجوي، على أساس تكافؤ الفرص واستثمارها بطريقة اقتصادية سليمة».

وأيضاً بالمادة 7 من ذات الاتفاقية «يكون لكل دولة الحق في أن ترفض السماح لطائرات الدول الأخرى بأن تأخذ في إقليمها أي ركاب أو بريد أو بضائع، لنقلهم لقاء أجر أو بموجب عقد تأجير الى نقطة أخرى داخل إقليمها. وتتعهد كل دولة متعاقدة بألا تعقد أي ترتيبات تمنح بالتحديد مثل هذا الامتياز، على أساس مطلق لدولة أخرى أو مؤسسة نقل جوي تابعة لدولة أخرى أو أن تحصل لنفسها على مثل هذا الامتياز المطلق من أي دولة أخرى».

وكذلك بالمادة 9-ب من الاتفاقية «تحتفظ كل دولة متعاقدة أيضا بالحق في ظروف استثنائية، أو في أثناء الحالات الطارئة أو لصالح السلامة العامة، في أن تقيد أو أن تحظر موقتاً وبأثر فوري، الطيران فوق إقليمها بأكمله، أو فوق جزء منه، بشرط أن يطبق هذا التقييد أو الحظر من دون تمييز، بسبب الجنسية على طائرات جميع الدول الأخرى».

انتشار الأمراض والأوبئة بالرغم من أن اتفاقية شيكاغو 1944 جاءت على أنقاض الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تغفل تناول موضوع انتشار الأمراض والأوبئة، حيث تنص في المادة 14- منع انتشار الأمراض «توافق كل دولة متعاقدة على اتخاذ التدابير الفعالة لمنع انتشار الأمراض الآتية بواسطة الملاحة الجوية: الكوليرا، حمى النشمية الوبائي، والجدري، والحمى الصفراء، والطاعون، وغيرها من الأمراض المعدية التي تقرر الدول تحديدها من وقت لآخر، وتحقيقاً لهذا الغرض، تحافظ الدول المتعاقدة على الاستمرار في التشاور الوثيق مع الهيئات المعنية بالأنظمة الدولية المتعلقة بالإجراءات الصحية التي تطبق على الطائرات. ويجري هذا التشاور دون مساس بتطبيق أي اتفاقية دولية قائمة في هذا الخصوص، وتكون الدول المتعاقدة أطرافا فيها».

إذا تأملنا في نص المادة لوجدنا أن عدوى فيروس «كورونا» المستجد، يقع ضمن عبارة «وغيرها من الأمراض المعدية» لأنه يعتبر من الأمراض المعدية.

خاتمة... وتهنئة إن العمل الدولي لا يقوم على أساس الاستفراد بالقرار والسيادة المطلقة للدولة، وإنما على التعاون المشترك وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول، للوصول الى مبادئ وترتيبات معينة حول أي مجال يتعلق به العمل الدولي، ومن هذه المجالات الطيران المدني الدولي والتي تضمن له التطور المستدام على نحو آمن ومنظم، وقد تجسد العمل الدولي في مجال الطيران المدني الدولي باتفاقية شيكاغو 1944 في شأن الطيران المدني الدولي، والتي تعتبر من أنجح الاتفاقيات الدولية ذات الأطراف المتعددة حتى يومنا، حسب ما ذكره Paul Stephen في كتابه PUPLIC INTERNATIONAL AIR LAW.

وبمناسبة ذكر الاتفاقية، أتقدم لكافة العاملين في قطاع الطيران المدني الدولي خصوصاً في إقليم الشرق الأوسط، بأجمل التهاني بمناسبة قرب حلول اليوم العالمي للطيران المدني العالمي 7 ديسمبر 2020، والذي تم فيه اعتماد الاتفاقية.

* النائب الرابع لرئيس اللجنة القانونية

ـ إيكاو نماذج من الإغلاق الكامل للمجال الجوي

• في بداية شهر مارس 2020، وبسبب انتشار «كورونا»، تم إغلاق جميع المطارات وحظر الرحلات الجوية الدولية لنقل المسافرين، باستثناء: - الرحلات الإنسانية والإغاثة.

- رحلات إعادة مواطني الدول العالقين الى بلادهم.

- رحلات الشحن الجوي لنقل المستلزمات الطبية الضرورية.

• في 20 مارس 2020 أجبرت وحدة مراقبة الحركة الجوية الهندية طائرة تابعة لشركة الطيران الهولندية، بالعودة الى أمستردام عندما كانت متجهة إلى مدينة نيودلهي، وأبلغتها أنه لن يتم السماح للطائرة بدخول المجال الهندي، بالرغم من أنها كانت تقل مسافرين من الجنسية الهندية للعودة بهم الى بلادهم، وبعد تدخل وزراء الشؤون الخارجية للبلدين سمح للطائرة بدخول المجال الهندي.

• اتسمت الإجراءات التي طبقتها الصين في إغلاق مجالها الجوي خلال الجائحة بالمرونة. في 12 مارس 2020، أصدرت هيئة الطيران المدني الصيني بيانا تضمن السماح لشركات الطيران الأجنبية بتشغيل رحلة واحدة كل أسبوع من وإلى نقطة محددة في الصين.

• إغلاق الدول الأوروبية مجالها الجوي في 15 أبريل 2010، بسبب الرماد البركاني الناتج عن انفجار البركان الأيسلندي، حماية للسلامة العامة وسلامة تشغيل الطائرات.

• إغلاق الولايات المتحدة الأميركية مجالها الجوي لمدة 10 أيام أمام جميع الرحلات الدولية، بعد الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001.

• إغلاق باكستان مجالها الجوي بالكامل بعد ازدياد التوتر بينها وبين الهند على أثر اسقاط طائرتين حربيتين هنديتين من الأجواء الباكستانية في شهر فبراير 2019. وفي شهر مايو من نفس السنة فتحت باكستان مجالها الجوي تدريجيا لطائرات الدول الأخرى عدا الهند، وفي شهر يونيو من ذات السنة تم السماح للطائرات الهندية بعبور الأجواء.

مبدأ السيادة

جاءت فكرة إغلاق المجال الجوي من مبدأ دولي، هو مبدأ سيادة الدول على المجال الجوي فوق أراضيها، والمنصوص عليه في المواثيق الدولية للطيران المدني الدولي، التي لعبت دوراً محورياً في إضفاء الحماية الدولية، وتأمين الفضاء الجوي الذي يعلو إقليم الدول، من خطر اختراق الطائرات الحربية، أو المناطيد المحملة بالقنابل، مجالها الجوي لتدمير بناها التحتية، وذلك بعد أن تزايدت صناعة الطائرات الحربية، وتحول الغرض من صناعة المناطيد من نقل الركاب الى نقل قنابل مدمرة لإسقاطها على أراضي الدول المستهدفة، وكان ذلك في أوائل القرن الماضي خلال الحرب العالمية الأولى.

10 مبادئ رئيسية لعودة التشغيل وتعافي قطاع الطيران المدني

بادرت منظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو» التي أنشئت بموجب اتفاقية شيكاغو، بنشر بيان عبر موقعها الإلكتروني في 18 مارس 2020 تدعو فيه الدول المتعاقدة بالاتفاقية، إلى الالتزام بالمتطلبات الدولية المنصوص عليها في الاتفاقية.

ونظراً للتأثيرات الخطيرة غير المسبوقة للجائحة على قطاع الطيران المدني الدولي، والتي دعت الى الحاجة الى تنسيق واسع النطاق بين حكومات دول المتعاقدة لدى منظمة الطيران المدني الدولي، وممثلي صناعة الطيران ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى، كمنظمة الصحة العالمية، لمعالجة تعافي قطاع الطيران المدني الدولي وانعاش الشبكة العالمية للنقل الجوي الدولي مرة أخرى، اجتمع مجلس «ايكاو» في 29 ابريل 2020، وأنشأ فريق عمل جديدا لإنعاش الطيران المدني في مجال كوفيد CART.

ويهدف عمل الفريق إلى تحديد الأولويات والسياسات الإستراتيجية للدول والعاملين في صناعة الطيران، والتوصية بها من أجل الحد من انتشار الفيروس بين المسافرين والعاملين، وتعزيز الثقة بين جمهور المسافرين بالسفر عبر النقل الجوي.

وخلص فريق العمل في تقريره إلى أن عودة التشغيل وتعافي قطاع الطيران المدني، سيكونان من خلال نهج دولي يعتمد على 10 مبادئ رئيسية:

1 حماية الأفراد من خلال إجراءات منسقة ومرنة تتم في المطارات والطائرات.

2 العمل كفريق متضامن.

3 ضمان التواصل الفعال بين قطاعات الطيران المدني الدولية.

4 الإدارة الفعالة للمخاطر والمتعلقة بالسلامة والأمن والصحة.

5 جعل إجراءات الصحة العامة للطيران تعمل مع أنظمة سلامة وأمن الطيران.

6 تعزيز ثقة جمهور المسافرين.

7 التمييز بين إعادة التشغيل وتعافي قطاع الطيران.

8 ضمان استدامة تشغيل قطاع الطيران.

9 دعم استراتيجيات الإغاثة المالية لمساعدة صناعة الطيران.10 التعلم من الخبرات التي تزيد من مرونة التشغيل.

المناطيد القاتلة ذكر البرنامج الوثائقي CASTLES SECRETS OF GREAT BRITISH، أنه في الثاني من أبريل 1916، شنت غارات جوية للمرة الأولى على مدينة أدنبره في إسكتلندا البريطانية، قبل منتصف الليل بواسطة منطادين تابعين للقوات الألمانية آنذاك، محملين بالقنابل، نتج عنهما تدمير مبان وبنى تحتية، وراح ضحيتهما 13 قتيلاً و24 جريحاً.