ترى الكاتبة والروائية البحرينية دلال عبدالله يوسف، أن الخليج العربي يحتضن قامات فكرية عملاقة تقود حكومات ودولاً، وبعضهم كانوا سفراء لأوطانهم، لافتة في حوار مع «الراي» أن تلك القامات حرّكت ضمائر الشعوب وخرّجت أمماً تتمتع بضخامة ثقافية تفوق التخيل على جميع الأصعدة الأدبية والسياسية والتاريخية.
يوسف، التي شاركت أخيراً في جلسة ثقافية ضمن فعاليات الشارقة الدولي للكتاب 39 بعنوان «حكايا الشعوب»، اعتبرت أن سياسة تكميم الأقلام تحد من تميز وتطور الحركة الأدبية، مشيرة إلى أن أعمالاً كثيرة كانت تحمل 200 صفحة وبعضها تقلّص إلى 100 صفحة، وأعمالاً أخرى تم نفيها وهكذا، مضيفة «عندما أكتب عملاً للنشر أحاسب ألف مرة وأقلص أفكاري قدر المستطاع بما يتوافق مع المزاج الرقابي، وأحياناً أشعر بأن قلمي يستنجد بي (أنا أختنق أنقذوني)، ولكن دون جدوى... الاختناق أم نسف العمل بالكامل؟!».
شاركتِ أخيراً في معرض الشارقة الدولي للكتاب من خلال جلسة ثقافية افتراضية، فما طبيعة هذه المشاركة؟
- نعم، شاركت في جلسة ثقافية عقدت عن بُعد ضمن فعاليات الشارقة الدولي للكتاب 39 بعنوان «حكايا الشعوب» مع زميلي الروائي الأميركي تيم ويستوافر وأدارها الإعلامي حسين الشيخ، وكانت حول أثر المجتمعات على بناء شخصية الكاتب وإثراء موهبته، والانعكاسات التي تسببها البيئة المحيطة به على طبيعة الأعمال الإبداعية التي يقدمها. وأكدنا على أن مكان الكاتب ومجتمعه يشاركانه صياغة أعماله الأدبية، خصوصاً أن الكاتب جزء من هذا النسيج، يجب أن يختبر عادات وثقافات مجتمعه، ويتأثر بها وينقل خصوصيتها للقارئ.
«حرية مطلقة»
هل تعتقدين أن المعارض الثقافية الافتراضية بدأت تستقطب الجمهور أم إلى الآن تحتاج المزيد من الوقت؟
- إلى حد ما، وبشكل كبير، وهذا مؤشر جيد جداً أن العالم بدأ يستجيب مع العالم الافتراضي واستخدام التكنولوجيا بالشكل الصحيح الذي يلائم مستوى المجتمعات المتحضرة.
والدليل هنا مثال حيّ على نجاح معرض الشارقة الدولي للكتاب 39 في دورته الاستثنائية.
بصراحة، هل تكتبين في «السوشيال ميديا» ما لا تستطيعين كتابته من خلال إصداراتك أو كتاباتك الصحافية؟
- بصراحة تامة نعم، أشعر بالحرية المطلقة على «السوشيال ميديا»، لذلك أكتب كثيراً حتى لا أكون تحت مجهر الصحافة وأهرب أيضاً من أعين الرقابة التي تقيّد أفكارنا في بعض الأوقات.
نحن، الحمد لله في مملكة البحرين، التي منحتنا حرية التعبير والرأي في حدود المعقول من دون المساس بالدين أو الدولة والسياسة، وهذا بالنسبة إليّ أمر طبيعي غير مؤذٍ إنما بعض الصحف تقيّم كتاباتك على أنها سيئة ولا تستحق النشر مثلاً، ولا تحظى حتى بفرصة النقد أو التصحيح، وبعضها لا يقدم لك الدعم «خير شر» في النشر وغيرها.
نسمع من الكثير من المثقفين أن إعلامنا العربي يحتاج إلى الحريات.
برأيك، هل هذا شيء جديد أم هذا وضع إعلامنا منذ زمن؟
- احترت في الإجابة حقيقة، لأنني أرى أن صُنّاع إعلامنا العربي حققوا مكاسب مهمة وفروقات واضحة في السنوات الأخيرة، ولكن في الوقت ذاته، يعاني من ضعف تركيزه على الجانب الثقافي خصوصاً، لذلك تجد أكثر الانتقادات من مثقفينا هي وجهات نظر قد تكون واقعية، ولكنها أيضاً تحمل نوعاً من التوبيخ أو العتب على إعلامنا لإهماله لمثقفيه.
كيف ترين علاقة الحرية بتفعيل الحركة الأدبية الثقافية؟
- لا توجد حريّة أدبية طالما هناك رقابة.
الرقابة كالسجن الفكري الذي يقمع الأفكار الواقعية والمتمردة خلف القضبان، سياسة تكميم الأقلام تحد من تميز وتطور الحركة الأدبية في المجتمعات بشكل عام.
هل التحديات التي تواجه الكتّاب الشباب في الخليج متشابهة؟
- طبعاً، تختلف من مجتمع إلى آخر.
لا أستطيع أن أحكم برأيي على مجتمعات لم أعايشها قط، ولكن أستطيع أن أشعر بمدى الاختلاف بيني ككاتبة بحرينية وبينهم.
أخبرينا عن التحديات التي تواجهك ككاتبة شابة في البحرين؟
- أكبر وأسوأ تحد قد يواجهه الكاتب من فئة الشباب، أنه يعاني إعلامياً حتى يثبت نفسه وتواجده في المجتمع.
صحيح العالم الافتراضي قام بواجبه وساعدنا كثيراً في الظهور وإيصالنا إلى قلوب الجمهور، ولكن أيضاً نفتقد المؤسسات والجهات الرسمية والإعلامية التي تقدم دعمها لنا، والتي تحتضن إبداعاتنا وتقدّر مشاركاتنا الثقافية، خصوصاً خارج النطاق المحلي، وأيضاً الأقلام المتميزة قد تجدها مُهملة وبحاجة إلى التفاتة صريحة لأنها ما زالت مُحبطة لعدم تقديرها وتوظيفها بالشكل الصحيح في المجال الثقافي.
في رصيدك 4 إصدارت، فما أبرز القضايا التي تحرصين على تسليط الضوء عليها في كتاباتك؟
- كتابي الأول كان «دلال المشاعر»، الثاني «قفص مريم»، الثالث «ترانيم دلال»... أما الأخير فهو «دلاليات». تتميز كتاباتي بأنها سلسة ومفرداتها تخاطب جميع الفئات في المجتمع، وأهم قضية بالنسبة إليّ هي الإنسان ومشاعره وأفكاره.
أكتب بضمير واع من أجلهم وأبتعد تماماً عن المثالية والبهجة الكلامية حتى أخبرهم بأنني أسمع وأشعر بهم وأواسيهم، الكاتب هو صوت الوطن وأبناؤه.
هل على الكاتب أن يكون قريباً من الناس ويشعر بمعاناتهم حتى يكون ناجحاً ومميزاً؟
- طبعا بلا شك، فأنت تشعر بلذة النجاح متى؟ عندما يخبرك الناس بأن كتاباتك قد أبكتهم أو أضحكتهم أو حتى استفزتهم وأثارت غضبهم.
فبالنسبة إليّ، التميز يتحقّق عندما تلامس قلوب القراء.
«التعايش مع الشعوب»
هل هناك عوامل أخرى يكتسب منها الكاتب ثقافته غير القراءة؟
- القراءة كالماء، لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بشيء.
إلى جانب ذلك، احتكاكه وتعمقه في معاناة الناس وقضايا المجتمع والسفر أيضاً يستفز الأقلام بشكل كبير، وكلما تعايش الكاتب مع الشعوب الأخرى، استطاع أن يكتسب ثقافات جديدة.
بصراحة، هل نحن في الخليج متأخرون في صناعة الثقافة مقارنة بين الدول؟
- بالعكس، نحن تفوقنا عليهم بامتياز، خليجنا يحتضن قامات فكرية عملاقة تقود حكومات ودولاً، وبعضهم كانوا سفراء لأوطانهم.
تلك القامات حرّكت ضمائر الشعوب وخرّجت أمماً تتمتع بضخامة ثقافية تفوق التخيل على جميع الأصعدة الأدبية والسياسية والتاريخية. على مستوى البحرين كمثال، المفكر د. محمد جابر الأنصاري أطال الله في عمره، وعلى مستوى الخليج د. سعاد الصباح حفظها الله، وأيضاً د. غازي القصيبي والشاعر عبدالرحمن رفيع رحمهما الله وأيضاً الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الذي يكتب حتى الآن وقد ألّف الكثير من الكتب وأثرى الساحة الخليجية والعالمية بمؤلفاته، وغيرهم من القامات حتى اليوم إصداراتهم وكلماتهم تؤثر في نفوس الناس.
هناك من يرى أن الوعي الأدبي عند الكاتب الشاب قليل، فما تعليقك؟
- الكاتب الشاب مكسب للمجتمع، ولكن الوعي الأدبي يضعف عند الكاتب عندما يهمل الجانب المعرفي والتنويع والقراءة والاكتفاء بالكتابة فقط دون تغذية فكره بالاطلاع.
وقد يتأثر الوعي الأدبي بمدى قوة الهدف المراد تحقيقه.
مثلاً، في الآونة الأخيرة، اتجه بعض الشباب إلى النشر كتاباتهم معتقدين أن هذا هو الطريق الأمثل والأقرب إلى الشهرة التي لن تحقق مبتغاه الفكري أبداً، بل تزيد من خيباته من دون تحقيق أهدافه.
كما أقول دائماً إن الهمجية الفكرية أساسها الجهل، ولكي نقضي على الجهل، يجب ألا نشتت الهدف، فهناك فئات قليلة طبعاً وعيها الأدبي ليس ضعيفاً، بل معدوم.
هؤلاء قد يكونون دخلاء على المجتمع الثقافي، وأنا شخصياً أحاربهم ولا أترك مجالاً لمجاملتهم حفاظاً على سلامة العالم الثقافي الذي يجب أن نحميه من المتسلقين الذين قد يكونون أيضاً سراقاً أدبيين، بكل وقاحة يسرقون المقالات وينسبونها إليهم من أجل المسميات «كاتب، روائي، شاعر... إلخ».
ما رأيك بما يقوله بعض القراء والنقاد ان ما يكتبه بعض الشباب من الروايات لا تليق بالذوق العام؟
- أسميها فوضى أدبية، وقد تنتهي إذا توقفنا عن المجاملات، والقراء أصبحوا هم النقاد في زمننا هذا لأن للأسف غياب النقاد الحقيقيين يعتبر سبب سقوط هيبة العمل الأدبي والمثقفين، وعتبي أيضاً على الرقابة لماذا لا تضيف إلى مهامها تسليط الضوء على جودة الأعمال قبل منحها شهادة ميلاد لطبعها، ولماذا لا تتم محاسبة سرّاق الأدب وتفعيل العقوبات على من لا يحترم قانون حماية الحقوق الفكرية للمؤلفين!
نعم بعض الأعمال لا تليق بالذوق العام هذا واقع مرير للأسف.
هل ترين أن الرقابة تقف عائقاً أمام توثيق الكاتب لخياله وفكره عبر كتاباته؟
- أعمال كثيرة كانت تحمل 200 صفحة وبعضها تقلّص إلى 100 صفحة، وأعمال أخرى تم نفيها وهكذا. في وسط تلك المعمعة، بالنسبة إليّ، عندما أكتب عملاً للنشر أحاسب ألف مرة وأقلص أفكاري قدر المستطاع بما يتوافق مع المزاج الرقابي، وأحياناً أشعر بأن قلمي يستنجد بي«أنا أختنق أنقذوني»، ولكن دون جدوى... الاختناق أم نسف العمل بالكامل؟! نضطر أن نرضى بذلك لنواصل مسيرتنا.
في الواقع، أرى أن ندرة وجود النقاد في مجتمعاتنا الثقافية هي سبب أزمة مواجهة الكتاب والروائيين مع حركة الرقابة.