إيران تردّ باستهداف العرب

29 نوفمبر 2020 10:00 م

ليس مستبعداً أن تكون إسرائيل وراء اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في إحدى ضواحي طهران حديثاً. مثل هذا الاحتمال أكثر من وارد.

يعود ذلك إلى أن في الإمكان إدراج اغتيال العالم البارز الذي يلعب دوراً محورياً في تطوير البرنامج النووي الإيراني في سياق حرب مستمرّة منذ سنوات عدّة بين إسرائيل وايران في مجالين.

الاوّل الوجود العسكري الإيراني في سورية، خصوصاً في جنوبها، والآخر احتمال امتلاك ايران في يوم من الأيّام للسلاح النووي. ليس في استطاعة إسرائيل تصوّر مثل هذا الاحتمال.

لذلك تركّز في جهودها على قطع كلّ الطرق التي يمكن لإيران سلوكها من أجل الحصول على القنبلة النووية في يوم من الايّام.

مثل هذا الموقف الإسرائيلي معروف ولا ينطبق على ايران وحدها.

سبق لإسرائيل في العام 1981، أن هاجمت المفاعل النووي العراقي الفرنسي الصنع «اوزيراك» ودمّرته. كان ذلك في عهد حكومة مناحيم بيغن الذي لم يأبه الى أيّ رد فعل دولي أو فرنسي على وجه التحديد.

لم تأبه الحكومة الإسرائيلية وقتذاك الى تطمينات من باريس فحواها ان المفاعل الذي تبنيه فرنسا في العراق للأغراض السلميّة فقط...

في المرحلة الراهنة، يبدو مهمّاً بالنسبة الى إسرائيل، في ضوء فوز جو بايدن على دونالد ترامب، التأكيد للإدارة الجديدة انّ هناك أموراً ثابتة لا يمكن ان تتراجع عنها بغض النظر عن المقيم في البيت الأبيض.

أكثر من ذلك، يوجد حالياً همّ إسرائيلي كبير يتمثّل في إمكان حصول تغيّر نوعي في الطريقة الأميركية للتعاطي مع طهران.

الأكيد أنّ لا انقلاب جذرياً في واشنطن على السياسات الإيرانية لترامب، لكنّه ليس مستبعداً ان تباشر الإدارة الأميركية الجديدة في بحر هذا الأسبوع اتصالات، عبر أحد مبعوثيها، مع وفد إيراني.

يتوقع حصول اللقاء الأميركي – الإيراني في عاصمة أوروبية وسيكون الهدف منه وضع إطار عام يتضمن شروطاً محدّدة تسمح لاميركا بإعادة التفكير في إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني للعام 2015، وهو الاتفاق الذي مزّقه ترامب في العام 2018.

ليس مستبعدا ان يكون في مقدّم الشروط الأميركية تغيير كبير في السياسة الإيرانية في اليمن وليس في أيّ مكان آخر. تعتقد إدارة بايدن، من خلال فرض مثل هذا التغيير، أنّ ذلك سيريح المملكة العربيّة السعودية الى حد كبير، كما سيساهم في البحث عن مخرج يعيد الحوثيين الى حجمهم الحقيقي، ولا يلغيهم، بعدما كشفوا عن وجههم العدواني.

هذا الوجه العدواني هو الوجه الحقيقي للحوثيين الذين يسمّون أنفسهم «أنصار الله» والذين لا يتردّدون في إطلاق صواريخ باليستية إيرانية الصنع في اتجاه الأراضي السعودية.

استهدف آخر هذه الصواريخ منشأة نفطية قرب مدينة جدّة المطلة على البحر الأحمر.

من الواضح انّ إسرائيل لن تتأثّر بردود الفعل الإيرانية.

ستعتبر، من دون شكّ، أنّ ليس ما يثبت، اقلّه الى الآن، انّها وراء الجريمة التي قد يكون نفّذها معارضون إيرانيون يعملون لمصلحتها.

لكنّ الأكيد ان مقتل فخري زاده خسارة كبيرة لـ«الجمهورية الإسلامية».

يدل على ذلك كلام «المرشد» الإيراني علي خامنئي الذي توعد بالثأر لمقتل العالم الايراني، مضيفا أن ما يقوم به سيستمر.

أمّا الرئيس حسن روحاني، فقد اتّهم إسرائيل بقتل العالم، قائلاً إنّ «اغتيال فخري زاده يظهر يأس الأعداء وشدة كراهيتهم»، معتبراً أنّ العملية «لن تبطئ مسار إيران النووي».

سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وصف فخري زاده بأنه «أب البرنامج النووي العسكري الإيراني». هذا يعني بكلّ بساطة انّه سيكون هدفا إسرائيلياً في يوم من الايّام. هذا ما حصل بالفعل.

يظلّ السؤال كيف ستردّ ايران؟ الأكيد انّها لن تردّ على إسرائيل.

لن تردّ على اميركا. اكتشفت في طبيعة الحال انّ ليس في استطاعتها الاقدام على أيّ عمل عسكري ذي شأن، لا مع الولايات المتّحدة ولا مع إسرائيل.

يدل ذلك العجز الإيراني عن الردّ على اغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» في الثالث من يناير الماضي بعيد مغادرته مطار بغداد مع مسؤؤل كبير في «الحشد الشعبي» العراقي، الذي ليس مجموعة ميليشيات عراقية تابعة لإيران، هو أبو مهدي المهندس.

مرّة أخرى، ستتجه ايران الى الرد في العراق او سورية او لبنان أو اليمن.

ستستهدف العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين.

ربّما وجدت نفسها مضطرة الى التهدئة في اليمن لاسباب أميركية، لكنّ الأكيد ان خياراتها في الرد محدودة من جهة ومحصورة بإحدى الدول العربية. قد تردّ أيضاً من قطاع غزّة الفلسطيني حيث لديها ميليشياتها.

سيعنى الردّ الإيراني المتوقّع أنّ ايران ترفض الاعتراف بانّ العالم تغيّر، كذلك المنطقة، وان ليس في استطاعتها متابعة سياسة لا أفق لها، سياسة قائمة على مشروع توسّعي يعتمد إثارة الغرائز المذهبيّة.

كان مفترضاً في ايران الاستفادة من تجربة تصفية الإدارة الأميركية لسليماني كي تتأكّد من أنّها ليست قوة إقليمية قادرة على ممارسة دور المهيمن على المنطقة.

كلّ ما في الامر أنّها دولة من دول العالم الثالث يعيش نصف شعبها تحت خط الفقر.

تستطيع ايران التدمير، لكنّها لا تستطيع البناء. هذا ما تكشّف في كلّ مكان تدخّلت فيه.

ففي العراق، لعبت الدور المطلوب منها كي لا يلتقط البلد أنفاسه في مرحلة ما بعد الاجتياح الأميركي في 2003.

في لبنان، عملت كلّ ما تستطيع عمله كي لا تقوم للبلد قيامة بعد الآن.

وفي سورية كانت، ولا تزال، شريكا فعّالا في الحرب التي يشنّها النظام الاقلّوي على شعبه منذ ما يزيد على تسعة أعوام.

وفي اليمن زادت بؤس اليمنيين بؤساً.

وفي غزّة دعمت الإمارة الإسلامية للاخوان المسلمين التي أقيمت على الطريقة الطالبانية (نسبة الى طالبان).

يمكن أن توفّر جريمة اغتيال العالم النووي، رغم طابعها المأسوي، فرصة لإيران كي تكتشف حجمها الحقيقي وتتعّظ. كي تكتشف قبل أيّ شيء آخر ان ليس لديها نموذج حضاري قابل للحياة يستهوي الآخر، بما في ذلك العرب، تستطيع تصديره الى محيطها والعالم.

كانت مجموعة من العقوبات الأميركية كافية كي ينهار اقتصادها.

تستطيع القيادة في ايران أن تسأل نفسها سؤالاً واحداً: ما الذي فعلته كلّ الصواريخ والقنابل النوويّة للاتحاد السوفياتي؟ هل منعت انهياره مطلع العام 1991؟