رؤية ورأي

صوّت للإصلاح والاستقرار السياسي

25 نوفمبر 2020 10:00 م

الكويتيون متفقون في شأن استشراء الفساد في الحكومة، ونزاهة المعارضة الرشيدة (التي كان المرحوم حمد الجوعان أحد نماذجها)، ولكنهم مختلفون في شأن فساد أو نزاهة المعارضة الشعبوية.

فهناك من يعقد آمال الإصلاح عليها، وفي المقابل هناك من يعتقد أنها أحد أركان منظومة الفساد، وتعاني من مظاهر فساد مناظرة لما تعاني منها الحكومة.

فعلى سبيل المثال، من حيث التطاول على المال العام، نجد أن المعارضة الإصلاحية الرشيدة استجوبت وزير العدل في عام 1985 على خلفية صرف الوزير سندات لولده القاصر من صندوق صغار المستثمرين بمبلغ يزيد على المليون و400 ألف دينار كويتي.

وفي المجلس الحالي، تمكن عدد من النوّاب الإصلاحيين (المعارضين للفسادين الحكومي والنيابي) من إحالة ملف شبهة تطاول أحد نوّاب المعارضة الشعبوية إلى النيابة، على خلفية مخالفة للمادة (121) من الدستور، رصدها ديوان المحاسبة، وتكشف حيثياتها تطاول هذا النائب على المال العام من خلال اكتتاب مباشر باسمه وباسم والدته في إحدى الشركات المملوكة للحكومة، بمبلغ مقداره أضعاف قيمة سندات ابن الوزير الذي استجوب في 1985.

وفي محور قمع الحريّات، فحدث ولا حرج. فالقوانين المكبّلة للحريات تم تشريعها من خلال شراكة استراتيجية بين الحكومة والمعارضة الشعبوية.

وتكفي الإشارة هنا إلى تناغمهما في إعداد وإقرار قانون المطبوعات والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع، بما يشوبهما من عقوبات حبس في قضايا التعبير عن الرأي، فضلاً عن تضمّنهما فقرات تُجوّز استيراد عقوبات حبس من قوانين أخرى ليتم تطبيقها في قضايا المطبوعات والنشر والإعلام.

بل إن المعارضة الشعبوية تفوّقت على الحكومة في نزعتها القمعية، حيث كانت هي الطرف الذي فرض عقوبة حبس إضافية في هذين القانونين.

كما أن المعارضة الشعبوية، وعلى مدى سنوات من المطالبة بتعزيز الحريات، لم تُلغِ أو تُخفف عقوبات الحبس في قضايا الرأي، بل إنها شاركت وسارعت خلال الأشهر القليلة من عمر المجلس المبطل الأول إلى إقرار قانون، شدد إحدى عقوبات الحبس إلى عقوبة إعدام.

في مقابل هذه المعارضة القمعية، تبنّت مجموعة من النوّاب الإصلاحيين في المجلس الحالي (المعارضون للنزعة القمعية لدى الحكومة والمعارضة الشعبوية)، إلغاء مجموعة من عقوبات الحبس في قانون المطبوعات والنشر، ولكن الحكومة وشريكتها المعارضة الشعبوية كانتا بالمرصاد، فأجهضتا تلك التحركات الإصلاحية المعززة للحريات.

وبالنسبة للفساد في الممارسات البرلمانية، نجد أن نوّاب المعارضة الشعبوية الذين يعيبون على الحكومة لجوءها المتكرر إلى خيار حل مجلس الأمة، كوسيلة لإعادة تشكيله، هم أنفسهم يعانون من الإفراط في اللجوء إلى الخيار ذاته وللغاية نفسها.

وأحدث شاهد على ذلك، نهجهم في المجلس الحالي الذي شهد 32 استجواباً، 8 منها كانت موجهة إلى رئيس الوزراء، ومحاولاتهم المتكرّرة لتعطيل وشل الجلسات بالمشاغبة الصاخبة.

المراد أن المعارضة الشعبوية التي تفوقت على الحكومة في إعداد وتسويق خرائط الطرق وبرامج العمل (الانتخابية)، لم ولا ولن تتبنى عملياً أي مشروع متكامل للإصلاح.

ومساعيها لمعاقبة سرّاق المال العام، لم تتجاوز حدود تمثيل وإنتاج مقاطع فيديو مسرحية متناقضة، مع حقيقة تستّرها وتحصينها وتحالفها مع عدد منهم.

لذلك عندما تُشيع المعارضة الشعبية أن المجلس الحالي هو الأسوأ - رغم إنجازاته الموثقة وفق المؤشرات العددية والنوعية - فالسبب ليس مرتبطاً بقصور في مكافحة الفساد أو تعزيز الحريات أو ترسيخ الديموقراطية، بل لكونه الأصعب عليها، ولنجاحه في صد واحتواء مساعيها الرامية لشل وحل المجلس وزعزعة الاستقرار السياسي، ولتمكنه من تعطيل أدواتها التي كانت توظفها عادة للضغط على الدولة وابتزازها. أي أنه الأسوأ لأنها خرجت منه بخفي حنين، من دون أن تحقق أياً من مطالباتها التي من أجلها قرّرت العودة إلى المشاركة في الحياة البرلمانية.

لذلك ليس مستغرباً استمرار حملاتها الإعلامية المضللة ضد النوّاب الإصلاحيين، الذين حصّنوا الاستقرار السياسي، بل لم تكن مفاجئة مساعيها المبكرة لإبعاد بعضهم من السباق الانتخابي... «اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com