فيلم لبناني «ع مفرق طريق» العالمية

16 نوفمبر 2020 09:36 م

كل شيء في لبنان يدور ببطء، كفيلم سينمائي قديم تمرّ مَشاهدُه بتَثاقُلٍ وتعْلق صوره بين الفينة والأخرى، لكنه يجهد للوصول الى لوحة النهاية. هكذا تستمر الحياة في بيروت بطيئة متعثّرة إنما مع إصرار على بلوغ خواتيم، سعيدة او تعيسة، لكل واحدة من قصصها.

طوال هذه السنة كانت السينما الشاهدَ الصامت على تخبّط القصص في بيروت وتأرجحها بين الصمت والصراخ. لكن يبدو أنها نفضت عنها أخيراً ثوبَ الجمود والضياع لتستلّ كاميراتها من جديد وتعيد الى القصص صوتَها المخنوق وصورَها الغارقة تحت أكوام الهمّ وحال القرف.

«ع مفرق طريق» فيلم يعيد عجلة السينما اللبنانية الى الدوران ويطلق صفارة العودة الى سباق الحياة.

في يوم ما، كلنا نقف على مفترق طريق، نتساءل أي اتجاه نسلك وأي طريق نختار. نعيد النظر في أولوياتنا لنحدد خياراتنا، وقد نمحو بلحظةٍ قرارات اتخذناها سابقاً، ويمكن أن تتغير حياتُنا بمجرد انحرافٍ بسيط عن مسارِنا المرسوم.

هذه الفكرة هي التي أرادت الإعلاميةُ والناقدة السينمائية جوزفين حبشي العمل عليها لتحويلها الى فيلم سينمائي يحمل توقيع المُخْرِجة لارا سابا ومن إنتاج شركتي ART وWakanda Film.

وتجربة كتابة السيناريو والحوار ليست الأولى لـ جوزفين صاحبة التجارب الناجحة في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، لكنها المرة الأولى يتخذّ فيها السيناريو جسداً على الشاشة الكبيرة. فهي التي احترفت النقد السينمائي لمدة 25 عاماً ونمّت نظرةً ثاقبة تجاه المشهدية السينمائية وأساليب معالجة المواضيع من خلالها، وجدت نفسها منجذبةً الى الفكرة التي اقترحها كل من شادي حداد وأنطوان خليفة. فكرةٌ طريفة تجمع بين الكوميديا والعمق الإنساني عبر مجموعةٍ من الشخصيات تتقاطع طرقاتهم فيلتقون في مكان ما ليعيشوا معاً على مدى أربعة أيام مغامرةً تشهد عودةً الى الجذور تتغيّر معها أولوياتهم ومسار حياتهم.

بعد ثلاث سنوات من التحضير، وعثرات عدة أرجأتْ المشروع بدأ التصوير، رغم كل ما يمرّ به لبنان من ظروف صعبة، في منطقة جبلية رائعة استطاعت عدسة المخرجة لارا سابا ومدير التصوير جوني أبي فارس التقاطَ تفاصيلها الجمالية المُدْهِشة وأحاسيس شخصياتها الإنسانية الصادقة لتجعل من الفيلم تجربةً مميزة تتخطى مفهوم الكوميديا الشعبية لتدخل الى خفايا الرسالة الإنسانية التي يطرحها الفيلم.

عودة إلى الجذور... عودة إلى الحياة

في حديث أجرتْه معها «الراي» تقول جوزفين حبشي «إن الفيلم كامل متكامل من حيث الفكرة والسيناريو والإخراج والتصوير، ومن حيث الممثلين الذين أضافوا من خلال خبرتهم وما يتمتعون به من كاريزما على الشاشة، الكثير الى الشخصيات المرسومة. شادي حداد وربى زعرور هما الشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم اللذين تتمحور حولهما القصة الرومنسية ومعهما مجموعة من الممثلين المخضرمين مثل جوليا قصار، بتي توتل، ميرنا مكرزل، سينتيا كرم، مع إطلالات خاصة لهيام ابو شديد، نقولا دانيال، رفعت طربيه، عماد فغالي وجوزيان بولس. وقد استطاعت هذه النخبة من الممثلين بإدارة لارا سابا أن تغوص في أعماق كل شخصية لتجسد ما تتخبط به من مشاعر حين تقف»ع مفرق طريق«عبر مواقف كوميدية تُرْضي الجمهور العريض وتلميحات تحاكي الجمهور النخبوي»

لا تُخْفي حبشي كما كل فريق العمل أملَها في أن يصل الفيلم الى المهرجانات العالمية ولا سيما أن المُنْتِج والمستشار الفني أنطوان خليفة صاحب خبرة طويلة في عالم السينما والمهرجانات وقد عمل في شركة UniFrance لتوزيع الأفلام لمدة 20 عاماً كان خلالها على تماسٍ مع أهم المهرجانات العالمية ثم تولى مهمة اختيار الأفلام في مهرجان دبي الدولي السينمائي ومهرجان البحر الأحمر للسينما الذي يجري الإعداد لإطلاقه، وله اليد الطولى في مساعدة الأفلام اللبنانية على بلوغ المهرجانات العالمية.

بين الحب والعائلة والطموح والسلام الداخلي، تتقلّب الشخصيات ضمن إطار مستوحى كلياً من البيئة اللبنانية لكنه يفتح في الوقت نفسه نافذةً على الخارج، فالمشاعر لا تتبدل في اي مكان أو زمان. فيلمٌ بعيد عن السياسة التي طغت على كل شيء في لبنان لكنه ملتصق بالجذور ليؤكد مرة جديدة على تشبُّث اللبناني بأرضه وبيئته. تصويره ضخّ نفحةً من الأوكسجين في صدور كل العاملين فيه وأعادهم الى الحياة بعد فترة الحجر الطويل، فعادوا ليتنشقوا شغفَ العمل المُحْيي ويساهموا في دفْع عجلة السينما اللبنانية بفيلم مُشَرِّف يُتوقّع له الكثير.