رؤية

رأينا... أم أمر الله؟

5 نوفمبر 2020 10:00 م

بأبي أنت وأمي ومالي وولدي ياحبيبي ومولاي يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

ستستمر غضبتنا السلمية لك سيدي، بالأسلوب الذي أمرنا المولى به وعلمتنا إياه، جدال بالتي هي أحسن وتمسك بمبادئك سيدي وبخلقك العظيم.

مقاطعتنا المنتجات الفرنسية، التي استجاب لها مسلمو العالم ليست نصرة للقتلة، الذين أزهقوا أنفساً بغير أنفس، بل هي انتصار لرسول الرحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم، ضد الصلف الرسمي الفرنسي، والإصرار على استمرار تعليق الصور المسيئة، الأمر الذي أصبح مثالاً على ازدواجية معايير فرنسا في ممارستها للحرية الشخصية وحرية النشر، فهي تقيد هذه الحرية وتعاقب من ينتقدها عندما يتعلق الأمر بالهولوكوست اليهودي والعداء للسامية، وتتشدد في الانتصار لها وقد استغلت كوسيلة لإيذاء نبي 1.6 مليار مسلم.

يقول تيب أونيل - السياسي الشهير ورئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق - إن السياسة الخارجية هي وليدة السياسة المحلية، فسلوك الدول خارجها مرتبط بأوضاعها الداخلية، فعيَن الساسة في الدول الديموقراطية مركزة على فرصهم في الاستمرار في مواقعهم، وبالتالي فإن على السياسي الانسجام مع الرأي العام في بلاده، وصنع سياسة خارجية تهدف في المقام الأول إلى تلبية طموحاتها ومصالحها محلياً.

يواجه الرئيس ماكرون انتخابات مقبلة في 2022 وحظوظ منافسته مارين لوبان في تصاعد مستمر، ولكي يستطيع سحب البساط من تحت أقدامها فإن عليه استمالة أقل مؤيديها حماسة لها، وذلك بالظهور بمظهر المتفهم لخصومتهم للاجئين والإسلام المتطرف، فجاءت أحداث «تشارلي أبيدو» لتضعه تحت المجهر، فقد اهتم عموم الفرنسيين بموقف رئيسهم تجاه أهم قيمهم الاجتماعية وهي الحريات، بما فيها حرية النشر، وهل سيتنازل عنها للإسلام المتطرف أم سيصطف إلى جانب فرنسا، ووقف ماكرون، كما أريد منه، وكما شعر بأن واجبه يملي عليه ليس مع الرسومات المسيئة، التي اعتادت «تشارلي أبيدو» نشرها، ولكن مع حق المجلة في النشر، إلا أنه وقع في المحظور عندما اختار هذا الموقف تحديداً ليحقق به مكاسبه وكان خطأه لا يغتفر عندما استخدم عبارات مستفزة، يعتبرها عوام المسلمين حراماً يلزمهم الشرع بالرد عليه وبالوقوف ضده ومن ذلك عبارة «أزمة الإسلام»، ثم موقفه الذي لم يحسن تفسيره، رغم أنه كرر خلال لقائه مع قناة الجزيرة - قبيل أيام - أنه يعني أن الإسلام المتطرف خطر على المسلمين بالدرجة الأولى، لكن الترجمة إلى العربية كانت خاطئة، وأكمل بأن قوله إنه ملتزم بالوقوف إلى جانب حرية النشر، ترجم ليوحي بأنه وقوف مع الرسوم المسيئة، لا مع القيم الفرنسية الاجتماعية الرفيعة.

كان أول الزعماء الذين انبروا للهجوم على ماكرون بعنف شديد الزعيم التركي أردوغان، والذي تمر بلاده بحال من التوتر الشديد مع فرنسا، بعد ما اسمته فرنسا والغرب بالاستفزازات التركية الخارجة على القانون الدولي، التي تقوم بها تركيا للاستيلاء على نفط وغاز شرق البحر المتوسط، على حساب اليونان صاحبة الحق فيه.

استفاد أردوغان - الساعي إلى استرضاء الرأي العام في بلاده تمهيداً للانتخابات المقبلة - من شبهة الانحياز الفرنسي المساء فهمها ضد الإسلام، لاستقطاب الرأي العام التركي وكسب تأييده، وكان من نتائج هجوم أردوغان ومهاتير محمد في ماليزيا على فرنسا، ونتيجة لسطحية فهم بعض العامة للقرآن الكريم وبعض فتاوى العلماء وحقيقة الموقف الفرنسي، هو ما نشهده من قتل الأبرياء في فرنسا وخارجها.

قال تعالى: (إنّا كفيناك المستهزئين) الحِجر 95.

وقال عز من قائل: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

فأين الصواب أهو رأينا أم أمره تعالى، بالعفو والإعراض والهجر الجميل؟