سافر إلى ذاتك

الحسد التبرير المقبول دائماً

21 أكتوبر 2020 10:00 م
،

«إحنا محسودين، كل الناس حاطة عينها علينا، ما نترقع، كل الناس يسوون كل شيء إلا إحنا إن سوينا صكونا عين مو قلنا لكم لا تحطون صور عيالكم يحسدونهم؟... كرهت روحي فجأة لأني حسدوني».

كم مرة سمعت هذه العبارات في حياتك؟

كم مرة ناقشت عقلاً يؤمن أن كل ما حصل له بسبب الحسد؟

كم شخصاً فشل بزواج أو وظيفة أو مشروع وبرر الأمر بالحسد؟

أفضل مبرر وأكثره إقناعاً هو مبرر الحسد!

أنا لا أنفي وجوده، نعم، الحسد أمر موجود ومذكور في القرآن ونعرفه جميعنا ونراه حولنا من دون الحاجة إلى نظارة نفسية أو تركيز عقلي، إلا أنه موجود كصفة مذمومة وليس كقوة خارقة، تعطل حياتنا وتوقف نشاطاتنا وتؤخر زواجاتنا وتقف أمام نجاحاتنا، فنقف مستسلمين له خائفين منه، متجاهلين أو متناسين أن الحسد لا يقتلك بل يقتل صاحبه ولا يؤذيك بل يؤذي صاحبه، ولا يحطمك ولا يعرقل حياتك إنما يعرقل حياة صاحبه.

وبينما هو يؤذي صاحبه ما علاقتك أنت بالأذية؟! لماذا تدخل القصة مع الحاسد وتعيش دور الضحية ؟

لماذا تؤمن بنظرية المؤامرة عليك؟

لماذا تشك في كل من حولك، أو تسيء الظن بالكثير؟

يذكر لي بعض المؤمنين بالحسد، بأن حسد الآخرين لهم سيهدم حياتهم بأعراض اضطراب «البانورايا»، التي بعض منها: (كل البشر يكرهونني - يتجسسون عليّ - يراقبونني - يستخدمون معلومات عني ضدي - ينوون لي الشر)، تخيلات وهمية وتفسيرات غير منطقية للمواقف والأحداث والأشخاص، يعانيها المصاب بهذا الاضطراب وتتشابه كثيراً مع من يعانون من الحسد وعمق رسالة هذه المشاعر هو: أنت مهم، أنت الأفضل!، وسبب حدوث هذه المشاعر هو الشعور بالنقص وعدم الحصول على الاهتمام الكافي في الطفولة.

نمت وكبرت وصارت لديك رغبة شريرة في زوال النعم من أصحابها، كما أن صاحب هذه الرغبة يعتقد ويؤمن أنه هو الأحق بالنعم من غيره.

هذا الحاسد، أما المحسود فحكايته مختلفة، فهو يظن أنه امتلك بعد وقوعه بالحسد صك الإعفاء من مسؤولياته، ومن قدرته على تصليح الأخطاء، أو من وعيه بحاجته إلى المساعدة من مختص، أو من قدرته على اتخاذ القرار، وبين الحاسد والمحسود جمهور يضخم قوة الحسد للمحسود، ليسلب إرادته في التغيير، أو تضخيم الأنا عند الحاسد، لزيادة غله وحسده أكثر.

كل ذلك تحت مفهوم (الوعي الجمعي)، مع تجاهل قوة الحمد والشكر والإيمان في تنظيف القلوب وتنقية المشاعر، فوصفة زوال الحسد تكمن في الحمد والشكر واستشعار النِعم.

فلو جربت كل يوم - وانصحك بهذه التحربة - أن تكتب 10 نِعم تحمد الله عليها يومياً، لارتفع مفهوم استشعار النعم لديك، ثم اكتب ما ترغبه وتحسد الآخرين عليه، ثم قدّم لنفسك حلولاً: كيف تصل لما هم وصلوا إليه، وتتعلم منهم مع التمني لهم بحياة سعيدة ونِعم متزايدة.

هذا التمرين ليس سهلاً في التطبيق لكنه فعال، جرّب تطبيقه لمدة شهر، سيتغير فيك الكثير.

وأخيراً، عزيزي، اقرأ هذه المقالة جيداً، لأنك ستعرف بها أنه لا شيء عندك أفضل من الآخرين، فالناقص عندك زائد عند الناس والزائد عندهم ناقص.

امتن بما عندك، تقرّب من الله، عدّد نعمك واشكر الله عليها يومياً.

وإن اشتهيت نعمة موجودة عند غيرك، اجتهد واجعلها دافعاً للوصول، مع دعاء لله سبحانه بأن يهيئ لك الظروف لتسخيرها وتجلّيها في حياتك، وإياك إياك ثم إياك أن تصدق أن الحسد سيجعلك ضحية.

‏Twitter &instgram:@drnadiaalkhaldi