رواق

بئر الحرمان

19 أكتوبر 2020 10:05 م

قبل نحو شهر، فازت المدعوة لويز ليك بجائزة نوبل، فاكتشفت أن الشعب كله عن بكرة أبيه يعرف الست لويز بنت الأستاذ ليك إلا أنا، لم أسمع عنها لا من قريب ولا من بعيد، اعذروا جهلي يا أيها الشعب المثقف!

قبل أيام انتقل إلى رحمة الله الفنان محمود ياسين، فاكتشفت أن الشعب كله، وعن بكرة أبيه أيضاً، مغرم بهذا الفنان العظيم ويدوب في دباديبه إلا أنا، لا أذكر له إلا ثقل الطينة، أو الملاقة بالكويتي، مهما بلغت عظمة فنه وروعة أدائه، لي ذوقي ولكم ذائقتكم، واعتذروا سوء اختياراتي يا أيها الشعب الفنان!

زمان، أيام ما قبل السوشال ميديا، كنا نشاهد في نشرات الأخبار تبادل الرؤساء لبرقيات التهاني في الأعياد الوطنية، لدول لم نقرأ عنها، والتعازي لمتوفين لم نسمع عنهم!

واليوم، بعد السوشال ميديا، نافس الشعب حكامه، والمرؤوسون رؤساءهم، وصارت تهانيهم وتعازيهم على الهواء مباشرة من دون استفادة للمعزي أو المهنئ إن كان يعرفه، ولست أفهم معنى استفادة شخص من تهنئة شخص أو تعزيته على الملأ مهما بلغت أهميته إن كان لا يعرفه، أما إن كان يعرفه فالأولى تعزيته وتهنئته مباشرة، لا شيء يعادل التواجد إلى جانب الأشخاص في أفراحهم وأحزانهم، ولا شيء أسوأ من الاستعراض بالمشاعر سواء في تقديمها أو في تلقيها!

جميعنا سقطنا في بئر الحرمان، من المشاعر فصرنا نستعرضها، وفاقد الشيء يدّعيه، ويتحدث عنه كثيراً، وانحرمنا من الثقافة فتعمدنا اللقافة (الفضول وحشر الأنف في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل)، ومن الفن صرنا نحب جميع الفنانين، اختيار المرء قطعة من عقله، إن فقد عقله اختار كل شيء، ومن أراد كل شيء خسر كل شيء!

هل يمكن لنفس الشخص أن يفرح بالست التي أخذت نوبل، ولا أعرف حتى اسمها ويحزن على محمود ياسين، ويهنئ جمهورية بوتان بعيدها الوطني، ويعزي ضحايا فيضان السودان في الوقت نفسه، ما لم يكن مسؤولاً ولديه فريق عمل ومكتب يتابع كل هذه المهام، لعل وعسى يفي بالتزاماته، لكن الشعب كله ملتزم أن يشبه بعضه فيما يحب أو يكره.

صدقوني عندما قلت لا أعرف بنت ليك إياها هبّ حولي الكثير من المثقفين يقولون ونحن كذلك، بعد إن كانوا يخجلون من ذكر ذلك في العلن، وعندما قلت إني لا أطيق محمود ياسين هتف حولي كثيرون: مش طايقينوا... مش طايقينوا بعد أن كانوا يكتمون أنفاسهم أمام لهث معجبيه ومريديه وما أكثرهم ومعظمهم لا يعرفونه!

لذا... أن تكون تابعاً أسهل بكثير من أن تكون متبوعاً، فالذين في المقدمة وحدهم يتلقون الصدمات!