رؤية ورأي

الطبطبائي ومشّاية الأربعينية

14 أكتوبر 2020 10:00 م

جرياً على عادتهم السنوية في إقامة وإدارة مضايف حسينية لخدمة مشّاية أربعينية الإمام الحسين - عليه السلام - بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وبعد أن أغلقت السلطات العراقية حدودها البرية أمام المشّاية، كإجراء احترازي لاحتواء الجائحة، نظّمت مجموعة من المضايف عدداً من أنشطة عزاء محلّية، كان من بينها مسيرة أربعينية جزئية في العبدلي مساء الأربعاء من الأسبوع الماضي.

المسيرة كانت في الهواء الطلق، واتبعت فيها إجراءات احترازية ووقائية، وشوهدت فيها دوريات وزارة الداخلية.

ولكن بعد يومين من المسيرة - في يوم الجمعة - استدعت الوزارة اثنين من منظمي المسيرة للتحقيق معهما بدعوى إقامة تجمّع مخالف للاشتراطات الصحية.

رغم تقديرنا للدور الحضاري لوزارة الداخلية في تنظيم مسيرات الأربعينية على مدى السنوات الأخيرة، إلا أننا نسجّل استغرابنا من حجز اثنين من المنظّمين على ذمة التحقيق من الساعة 11:00 من مساء الجمعة إلى الساعة 2:00 من ظهر السبت.

وعليه ندعو الوزارة إلى التحقق من صحة الخبر والتحقيق في وجود أو عدم وجود شبهة التعسّف معهما بحجزهما.

فالمسيرة وإن كانت غير مرخصة رسمياً، إلا أنها كانت سِلمية وبمرأى الوزارة، وكلا المحتجزين حضرا التحقيق بمحض إرادتهما فور استدعائهما في يوم عطلة - الجمعة.

من جانب آخر، استغرب مراقبون من «تسونامي» التصريحات السياسية في شأن الاستدعاء في اليوم التالي - السبت، التي تشابهت فيها تصريحات عدد من الوطنيّين والليبراليين مع تصريحات بعض الطائفيين.

أول التصريحات السياسية في شأن المسيرة كان من النائب السابق الدكتور وليد الطبطبائي عبر أربع تغريدات، بعد ما يزيد على الساعتين من استدعاء المنظمين.

وهذا ينفي الإشاعة التي مفادها أن الاستدعاء كان استجابة لتغريداته.

الأمر الآخر اللافت في تغريداته هو صبغتها البراغماتية، حيث إنه تبنى ثلاثة مبررات في المطالبة بمنع مشاية الأربعين: دستوري وشرعي وصحّي.

ورغم كون مبانيها هزيلة، إلا أنها تظهر تحوّلاً جوهرياً في منهجيته - وليس غاياته - السياسية خصوصاً إذا استذكرنا غلاظة منهجيته السابقة، التي كان من بين مظاهرها تنظيم ندوة في ديوانه بعنوان «صدق النفيسي وكذّب الصفويون».

تغريدات الطبطبائي كانت محوراً للكثير من التصريحات اللاحقة في «التسونامي» الإعلامي.

ولكنني سأكتفي بعرض اثنين منها، لارتباطهما الوثيق بالحريات الدستورية.

التصريح الأول من النائب السابق الدكتور عبيد الوسمي، الذي حذّر عبر تغريدة من الأطراف الذين بدأوا «باستحضار الخطابات التحريضية»، وهو تحذير وإن كان مستحقاً في مضمونه وتوقيته، إلا أنه - في نظري - مبتور وسلبي في نتيجته.

فالوسمي، ومَن في حكمه من السياسيين، رغم شجاعتهم الفائقة في خطاباتهم مع الحكومة، إلا أنهم متورّعون عن التصدّي لأصحاب الخطابات القمعية الطائفية والعنصرية.

ولذلك أدعو الوسمي ونظراءه إلى تقويم منهجيتهم تجاه الفئويين، والارتقاء بأدائهم من مستوى الخطابات الانتخابية إلى مستوى المواقف الوطنية.

وأما التصريح الثاني فمصدره النائب خالد الشطّي، الذي حرص على دحض وتفنيد التكييف المغلوط للمادة (35) من الدستور الذي تبناه الطبطبائي في مطالبته بحظر المشّاية، حيث تواصل الشطّي مع معالي وزير الداخلية للتأكد من أن سبب الاستدعاء لا يتعارض مع المادة الدستورية ذاتها، التي توجب على الدولة حماية «حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية».

المراد أن مستوى الحريّات مرتبط بهوية المجتمع، التي تغييرها عادة شديد البطء والتعقيد.

فهي لا تتغير بتصريحات انتخابية أو مواقف غاضبة انفعالية.

بل من خلال عمل متواصل ضمن خطة متكاملة وفق منهجية دستورية من محورين: التصدي الصريح لخصوم مدنية الدولة، والتبني العملي لمشاريع تعزيز ثقافة التعددية والحوكمة الرشيدة... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com