حسين الراوي / أبعاد السطور / نقابة الشؤون و(فضولي)

1 يناير 1970 01:02 م
تعتبر النقابات المهنية والعمالية هي الظهر والسند لكل من تهتم بهم ويشاركها الزمالة الوظيفية، ووجود النقابات المتعددة في الدول يعتبر احدى الصور على تقدم الوعي القانوني والإداري المتعلق بالوظائف والموظفين وشؤونهم على سائر اختلاف طبيعة أعمالهم. وللنقابة أدوار مهمة وأساسيات وواجبات لابد أن تقوم بها على أكمل وجه، حتى تكون نقابة فعالة وحيّة ذات وجود حقيقي، تستحق عليه أن تُمثل الكثير من أولئك الموظفين الذين أوصلوا أعضاء مجلس إدارتها إلى كراسيهم. في الكويت كل النقابات لها حركة وصوت وأخبار ومشاريع، ورزنامة بالأعمال المهمة التي ستقدمها لشريحة الموظفين المنتمين لها، إلا نقابة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل... ليس لها لا حس ولا خبر، ولا مشاريع ولا مطالبات ولا رزنامة، ولا أي شيء يفرح فيه الغلابة الذين تمثلهم! نقابة الشؤون كأنها من السارحين السائحين المارحين المنعزلين المتأملين في ملكوت الله! أو كأنها دب قطبي افترش كلتا يديه ثم غرق في بياته الشتوي «بدّل خامس وريّح»! فنقابة الشؤون لا تعرف من الدور النقابي إلا جمع الاشتراكات المالية بشكل مستمر، وأعظم خدمة تقدمها لزملائها الموظفين هي سفرات وقت الصيف بس هذا «طبلونهم»، رغم أن أسعار تذاكر الطيران الآن أصبحت أقل من سِعر الحذاء الصيني! والله إني لا أعرف أي دور قامت به هذه النقابة من أجل نشر العِلم والوعي والثقافة في وزارة الشؤون، بل كل الذي أعرفه عنها أنها تشبه الخيمة الكبيرة التي اجتمع فيها الشيخ طويل العمر مع عدد من أزلامه ليشربون فيها القهوة والشاي و«يقدعون» تمرا! وتمضي الأعوام والشيخ طويل العمر لوحده باق، أما أزلامه فبعضهم يبقى وبعضهم يذهب ليأتي آخرون نسخة كربونية عنهم، حيث لا تخطيط ولا دراسات ولا مشاريع ولا رزنامة ولا تواجد حقيقياً ولا حتى أي شيء يحسسنا فيهم أنهم مجلس إدارة أحياء يُرزقون! أين مطالبات النقابة في اقرار الكوادر المالية لبعض الموظفين في وزارة الشؤون، أين وقفة النقابة مع موظفين دور الرعاية الاجتماعية فيما يحتاجونه في مكانهم ذلك، أين دور النقابة في الوقوف ضد بعض المسؤولين المتعجرفين في وزارة الشؤون؟ وأين وأين وأين، «الظاهر الجماعة لاهين في جمع الدينارين وتضبيط رحلات الصيف»! بجد مللنا من هذا الصمت المطبق لنقابة وزارة الشؤون، وما هو السبب الحقيقي لهذا الصمت من الأساس، هل هي المصالح المشتركة بين مسؤولي الوزارة وأعضاء مجلس إدارة النقابة، هل السالفة سالفة باصيها لي وباصيها لك، أم الحكاية حكاية «من صادها عشاها عياله»؟! ملينا من هيك نقابة لا تهش ولا تنش، والله يكون في عون الغلابة موظفي وزارة الشؤون على هالنقابة وخيمتهم والشيخ طويل العمر!

* * *

في طفولتي، يوم كنت سعيداً لأني لا أفهم كثيراً، ويوم كانت الدنيا جميلة في عيناي وكل الأشياء من حولي جميلة، كنت أحرص على شراء مجلة «ماجد» للأطفال بشكل دوري، وكانت في تلك المجلة شخصية مشهورة اسمها (فضولي)، هي عبارة عن شخصية رُسمت ملامحها من الخيال، دائماً تختبئ في إحدى صفحات المجلة على الرغم من تعدد صفحاتها وأقسامها وأبوابها، وعلى من يجد (فضولي) أن يُراسل إدارة المجلة ليدخل السحب ويفوز بإحدى الجوائز. كنت مغرماً بـ (فضولي) والبحث عنه من صفحة إلى أخرى بكل جد ومثابرة وعزم، فلما أخذت أكبر شيئاً فشيئاً تركت (فضولي) ولم يعد يستهويني البحث عنه، لأني أخذت أنشغل شيئاً فشيئاً بأمور أخرى أهم، حتى كبرت وأصبحت أقل سعادة من ذي قبل لأني أصبحت أفهم كثيراً. فنسيت (فضولي) من أعوام بعيدة، ولم يطرأ على بالي في أي يوم من الأيام ولم أسمع بذكره نهائياً لا من هنا ولا من هناك. وبعد أعوام طويلة وبعيدة وقديمة ومغبرّة وجدت أن (فضولي) كبر مثلما كبرت! ولقد خط شاربه مثلما خط شاربي، وأخذ يلبس الغترة والعقال والدشداشة مثلي، وأصبح موظفاً في إحدى الوزارات مثلي! هل تعرفون كيف حصل كل هذا؟ (فضولي) هو ذلك المسؤول الذي يترك مكتبه وكرسيه وسكرتاريته ليختبئ في مكاتب أُخرى بعيدة عن مكتبه هرباً من المواطنين والمراجعين، وهرباً من المسؤولية والمهام والأمانة التي في عنقه! صدقوني إن قلت لكم إني وبعد أعوام طويلة لم يخطر في بالي ولو للحظة أني سأُعاود البحث عن (فضولي) من جديد بعد هذا العمر! لكن في إدارة الشؤون القانونية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أخذت أبحث عن المسؤول (فضولي) في أرجاء الوزارة من مكتب إلى مكتب بكل ألم وحزن وخيبة، فمرة أجده في غرفة صغيرة كأنها صندوق طماط، ومرة أجده في مكتب الأمن، ومرة أجده في غرفة جنب الدرج، دون أن يعطوني أي جائزة لعثوري عليه! واللي مو قد الكرسي لا يتصدّر له.





حسين الراوي

[email protected]