«صحارى» خضراء / كرة «الغولف» في ملعب رجال الأعمال

1 يناير 1970 05:54 ص
| كتب محمد الجاموس |

يحتاج كتاب الجغرافيا إلى بعض التعديل. بات لدى الكويت ثلاث بحيرات عذبة، محاطة بمساحات شاسعة من العشب الأخضر. يمكن تخيل صعوبة توفير المياه لري كل تلك الميادين الشاسعة الخضراء، كرمي لعيني طابة بيضاء صغيرة، تتقاذفها مضارب رجال الأعمال بهدوء إلى أن تقع في الحفرة.

بات في الكويت أخيراً ملعب للغولف، وشيئاً فشيئاً يختزن الأثير هنا المزيد من أسرار الأعمال والصفقات، لكن ملعب الغولف ليس وحده ما يجعل «صحارى» مقصداً سياحياً مرموقاً. فالمكان هنا تتزايد أهميته كموقع يحوي ملاعب تنس واسكواش ومجموعة من الشاليهات على اعلى درجات الرقي من حيث نوعية ومستوى التأثيث والتوضيب والمساحات الكبيرة من الحدائق او المسطحات الخضراء، كما تحتوي على حمامات سباحة خاصة واخرى عامة، وكلها حمامات مخصصة لممارسة السباحة والتعليم. كما ويشمل المشروع ناديا صحيا يقدم خدمات المساج والعناية بالبشرة والجسم والتخسيس. فضلاً عن العديد من المطاعم، وصالة متعددة الاغراض ايضا تقدم خدماتها للراغبين في اقامة حفلات زواج او ندوات او مؤتمرات وهي مجهزة بكافة الوسائل اللازمة والحديثة بما يلبي متطلبات اقامة الندوات او الحفلات.

لكن ذلك لا ينفي أن ملعب الغولف يشكل الوجه الأهم من هوية «صحارى». فما حاجة الكويت إلى ضخ كل هذا الاستثمار في ملعب غولف؟



تفكر المدير العام في شركة الجزيرة للتنمية العقارية، المطورة للمشروع، نبيلة مبارك العنجري بذهنية لا تبتعد عن موقعها السابق كوكيل مساعد للسياحة في وزارة الإعلام. تقول إن «فكرة المشروع انطلقت من خلال افكار راودت ثلاثة او اربعة رجال كويتيين، وكان ذلك في العام 1998، حيث اتفق هؤلاء في الرأي على ان دولة الكويت مقبلة على نهضة اقتصادية كبيرة، ورأوا انه ما لم يكن هناك ملعب للغولف لن يكتمل المشهد الاقتصادي الحضاري».

لكن إنشاء ملعب للغولف في الكويت يختلف عن إنشاء ملعب مماثل في بريطانيا. من أين للكويت ببحيرات وميادين خضراء؟ انطلق رجال الأعمال أصحاب الفكرة بالبحث، ووجدوا ضالتهم في نادي الصيد والفروسية. من حسن حظهم أن النادي كان يرأسه حينئذ سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح قبل توليه الإمارة. أعطى سموه الدعم اللازم للفكرة، فتم توقيع العقد مع الشركة المستثمرة بنظام الـ«بي.أو. تي.»، وأعطيت الضوء الأخضر لتنفيذ الرقعة الخضراء التي تتميز بها ملاعب الغولف العالمية، بعقد لمدة 25 سنة مضى منها نحو سبع سنوات من بدء التشغيل حتى الآن.

حظي أصحاب المشروع بمساحة اجماليها 650 الف متر مربع لتطويرها ضمن المشروع، وكانت الخطة أن يقسم المشروع العملاق إلى ثلاث مراحل؛ المرحلة الاولى هي القائمة حاليا تتضمن أبرز ما يميز المشروع؛ ملاعب الغولف، وبلغت التكاليف الاجمالية لهذه المرحلة اكثر من 10 ملايين دينار، وقد بدأت الشركة بالفعل بحصد ثمار تشغيلها، بما يسمح لها بالانتقال إلى المرحلة الثانية التي ينتظر أن يبدأ تنفيذها خلال الاسابيع القليلة المقبلة.

تتضمن المرحلة الثانية «مول» تجاريا مع مرفقاته ويقام على مساحة 40 الف متر مربع بتكلفة تبلغ نحو خمسة ملايين دينار، وتم الانتهاء من اصدار التراخيص اللازمة لهذا الجزء من المشروع علما بانه تأخر عن التنفيذ لمدة ثلاث سنوات، اما المرحلة الثالثة فسيتم تنفيذها بالتزامن مع المرحلة الثانية تقريبا وتبلغ تكاليفها نحو ثلاثة ملايين دينار.

وتشير إلى أن «كثيرا من الشخصيات الرفيعة تفضل دائما العمل او التواجد في الاماكن التي تحوي ملاعب غولف، لانها اللعبة المحببة من قبل كبار الشخصيات ورجال الاعمال والمديرين والمسؤولين في الشركات العالمية، إذ ان هؤلاء يجدون في هذه اللعبة فرصة للاسترخاء والتحدي، كما ان هذه اللعبة معروفة بانها لعبة عقد الصفقات، لذلك رأينا وجودها في الكويت حلقة من حلقات النشاط السياحي ضمن الهدف الاسمى القاضي بتحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري في المنطقة».

إلا أن مشروعاً بهذه الضخامة يستوجب السؤال عن العائد، خصوصاً وأن زراعة كل هذا العشب في ظروف مناخية قاسية تتطلب استثماراً مستمراً، وكذلك بحيرات المياه ومختلف المرافق الأخرى. فهل أثبت المشروع جدواه؟

تشير العنجري إلى أن «العائد المتوقع وفق دراسة الجدوى للمشروع بكامله كان يشير الى تحقيق ما بين 15 و20 في المئة، لكن العائد المحقق من المرحلة الاولى كان بين 7 و8 في المئة»، لكنها تستدرك بأن «هدف المشروع ليس تجاريا بالدرجة الاولى بل ان الهدف الاساس هو وضع اسم الكويت ضمن قائمة الدول المتقدمة في هذا النوع من المشاريع، وهي تواكب ايضا رؤية سمو الامير بجعل الكويت مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة».

غير أن المشروع في النهاية يبتغي الربح وإلا لما تمكن رجال الأعمال من تمويله. فكيف يتم تمويل المشروع؟ تشير العنجري إلى ان جزءاً من تمويل المشروع تم من خلال رأسمال الشركة البالغ 7.85 مليون دينار والجزء الاخر البالغ 9.475 مليون دينار كان قرضاً من بيت التمويل الكويتي.

خطة تسويقية

بإمكان الشركة المطورة أن تعول على «المول» التجاري في المرحلة الثانية للفت الأنظار بشكل أكبر إلى المشروع، بعد أن أعطى ملعب الغولف هوية فريدة للمشروع، لا يقاسمه إياها أي مشروع آخر في الكويت. لكن تلك «الفرادة» تفرض على إدارة المشروع من التحدي بقدر ما تتيح من الفرص. فحداثة الفكرة تجعلها بحاجة إلى جهد مضاعف في التسويق لإدخال «عادة» جديدة إلى نمط حياة الشريحة المستهدفة.

وتقر العنجري أن افتتاح المشروع لم يواكبه اقبال واسع لعدم وجود خطة تسويقية واضحة في البداية، لكنها تؤكد «أننا الان بصدد تنفيذ خطة تسويقية كبيرة للتعريف اكثر بالمشروع، وابراز اهمية وجود ملعب غولف في الكويت، لاستقطاب الاشخاص الذين يستهويهم هذا النوع من الرياضات، فضلاً عن أن المشروع لا يقتصر على ملعلب الغولف، فهناك الشاليهات وحمامات السباحة وملاعب التنس والإسكواش والحدائق الشاسعة وغيرها، وكل ذلك يؤهله ليكون مقصداً سياحياً فريداً في الكويت».

تسعى العنجري إذاً لجعل «صحارى» ريفاً بجوار المدينة، بمنأى عن صخبها، «لذلك نرى ان هذا المنتجع يناسب الباحثين عن الراحة والاستجمام في مكان هادئ فيه كل متطلبات الرفاهية بعيدا عن ضجيج المدينة».

قد تبدو الجملة غريبة. استجمام في الكويت؟ لكن «صحارى» أخذت التحدي على عاتقها، ويصادفها الكثير من النجاح، فإن العنجري لا تغفل الصعوبات؛ «فمشروع بهذه المساحة يحتاج الى مياه بشكل كبير والى صيانة مستمرة»، تقول العنجري، «فكما تعلمون فإن ظروف الجو في الكويت قاسية حيث الحرارة مرتفعة جدا والغبار والصحراء كل هذا يؤثر على اداء المشروع من حيث احجام الناس عن القدوم الى هنا في مثل هذه الظروف الجوية الصعبة، اضف الى ذلك أن تكلفة تشغيل المشروع عالية جدا». من ناحية اقتصاديات المشروع، تعتقد العنجري أن «مثل هذه المشاريع لا تحتاج الى ان يكون الاعضاء من البلد فقط بل الامر يحتاج الى استقطاب سياح واعضاء من الخارج خصوصا من شريحة رجال الاعمال الذين يفضلون تمضية بعض الوقت في مثل هذه الاماكن». وهنا مشكلة أخرى، فالكويت، كما ترى العنجري «بدأت تفقد شريحة كبيرة من رجال الاعمال الذين باتوا يفضلون جهات اخرى في المنطقة مثل دبي والدوحة لعقد اجتماعاتهم وترتيب صفقاتهم».

هي إذاً شبكة متكاملة، فكما أن وجود منتجع بهذا المستوى يدعم حضور الكويت كمركز للأعمال، فإن نجاح المشروع يتطلب أن تكون الكويت بالفعل ناجحة كمركز للأعمال، وإلا فمن أيا يأتي الزبائن؟

هنا تقول العنجري بخبرة المسؤول الحكومي السابق « ان الروتين والبيروقراطية في الكويت دفعت كثيرا من الشركات لنقل نشاطها واستثماراتها من الكويت الى دول خليجية اخرى حيث يجدون هناك كل التسهيلات التي يرغبون في الحصول عليها لتنفيذ مشاريعهم، لذلك فإن مشروع مثل صحارى يفتقدالى المرتادين المهمين، إذ ان كثيرا من الدول التي لديها مثل مشروع صحارى تعتمد على السياح اكثر ما تعتمد على ابناء البلد وحدهم».

إلا ان لدى الشركة المطورة ما يكفي من الإصرار، فتنفيذ مثل هذا المشروع يعكس قوة الشركة رغم الظروف، ولولا ذلك لما استوعبت الشركة تداعيات الازمة المالية التي عرضت كثيرا من الشركات المحلية الى مصاعب كبيرة، ونهضت سريعاً لبدء تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة.

الأزمة والتمويل

تشير العنجري إلى أنه «في بداية الازمة العام الماضي كانت الشركة في طور الاستعداد لتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع وبناء المجمع التجاري الترفيهي والذي يعتبر قلب المشروع النابض، ولكون البنوك المحلية تأثرت وتوقف التمويل لهذه المرحلة فقد مررنا بفترة كانت عصيبة ولكن الحمد لله خرجنا من عنق الزجاجة والآن الشركة بصدد البدء بهذا المشروع (المرحلة الثانية) والذي سيضيف الى منتجع صحارى قيمة مضافة ويعزز من الربحية للشركة وبالتالي ستؤثر ايجابا على سعر السهم».

ومن جانب اخر، تقول العنجري «تأثرنا بعدد الاعضاء المفترضين حيث انه بعد التوقف عن تنفيذ المشاريع الكبرى مثل مشروع «داو كيميكال» ومشروع المصفاة الرابعة وغيرها من المشاريع الحيوية، زالت امالنا باستقطاب اعضاء جدد من تلك المشاريع حيث اننا كنا نعول كثيرا على تلك المشاريع في جذب اعضاء منتسبين في صحارى الغولف وكان العدد الاكبر من العاملين في هذه المشاريع هم من القياديين في شركات كبرى تعتبر لعبة الغولف من الاساسيات لها، لذلك كانت نسبة العضوية في صحارى قليلة في الفترة السابقة ولكننا الان نرى تباشير الدعوة لبعض المشاريع الكبرى والتي بالتالي ستؤثر علينا ايجابيا».

كما ان تأثر الشركات الكويتية بالازمة اثر على اقامة المناسبات والرعايات التي كانت تقيمها الشركات في صالة الحفلات والمناسبات داخل المنتجع وهي ازمة طالت جميع القطاعات بشكل او اخر. تختم العنجري بشيء من التحدي «حالنا كغيرنا، سنة 2009 تعتبر من السنوات الصعبة التي مرت على جميع القطاعات والشركات، لكننا نبقى متفائلين في السنة المقبلة».



حقائق عن منتجع

«صحارى»




- تأسست شركة الجزيرة للتنمية العقارية، المطورة للمشروع، في اكتوبر 2002 وتمت زيادة رأسمالها إلى ان وصل الى 7.85 مليون دينار.

- تم توقيع عقد الاستغلال مع نادي الصيد والفروسية في 27 /10/1997.

- الشركات العالمية التي صممت المشروع: تشكيل التضاريس شركة «HARADINE INTERNATIONAL» التصميم الداخلي JOHN DAVID EDISON بالاضافة الى مشاركة كبرى الشركات المحلية في مجال البناء.



من مكونات المشروع



يتضمن المشروع ملعب غولف ومبنى خاصا بالاعضاء، وناديا اجتماعيا، و«كوفي شوب»، فضلاً عن ناد صحي للرجال والنساء، تضمن خدمات السونا والمساج ومعهد تجميل.

ويتضمن المشروع مطعما فاخرا (تامريند) وشاليهات ومجمعا تجارياً يتضمن محلات استثمار ومطاعم متنوعة وخدمات ترفيهية. كما يتضمن صالة متعددة الاغراض للأفراح والمؤتمرات والمناسبات.

وإلى جانب ملعب الغولف هناك اكاديمية لتعليم مبادئ اللعبة. وفي المبنى الرياضي ملعبان للاسكواش وملعبان للتنس وحوضا سباحة.