ممدوح إسماعيل / من أغرق بنازير في بحر الدم الباكستاني؟

1 يناير 1970 06:24 ص

لم يكن غروب يوم السابع والعشرين من شهر ديسمبر 2007، غروبا عاديا، فقد حمل الغروب في باكستان، وبالتحديد في مدينة روالبندي، غروبا لبنازير بوتو زعيمة «حزب الشعب»، فبعد انتهائها من إلقاء خطاب ناري في حشد من أنصارها وأثناء مغادرتها المكان كان الموت في انتظارها، إذ قام شخص مجهول بإطلاق الرصاص عليها، ثم فجر نفسه ليتحول المشهد الانتخابي إلى بحر من الدم غرقت فيه بنازير بوتو وعشرون من أتباعها.

وهنا انشغل العالم كله بالحادثة التي هزت باكستان وهزت أماكن أخرى خارج باكستان، منها البيت الأبيض، والذي سارع فيه الرئيس الأميركي إلى إلقاء بيان مقتضب يدين هذه الحادثة البشعة، وتوالت بيانات الإدانة من كل مكان في العالم، وتوالت التحليلات في كل مكان تتساءل من القاتل؟ ومن المستفيد؟.

بداية، ما كان ينبغي أن يكون حل الخلاف السياسي مهما كان بالاغتيال، ولكن مع تحليل الواقع، فالإجابة تقول إن دم بنازير تفرق بين أعدائها، لأنه توافرت في بوتو أسباب كثيرة ترشح الكثيرين للاتهام أنه القاتل والمستفيد منها.

أولا: علاقة بنازير بالولايات المتحدة الأميركية التي لم تخفها هي مطلقا وطريقة عودتها إلى باكستان بتنسيق أميركي، فالشكل الأميركي الذي جاءت به إلى باكستان، أوغر صدور الكثيرين في باكستان بسبب تزايد التدخل الأميركي في سيادة باكستان، وموقع الغاضبين من التدخل الأميركي في باكستان «هو الصعب» وتوزعت مواقعهم مابين قطاعات في كل من الجيش والسياسيين والجماعات الإسلامية والقبائل الباكستانية، ثم القضاة والمحامين.

وتتفرع سلسلة المعادين لتشمل شرائح كثيرة من الشعب الباكستاني غاضبة من التدخل الأميركي في استقلال وسيادة باكستان، وكانت تصب غضبها على الرئيس برويز، فجاءت بنازير كي يزداد الغضب.

ولا يخفى هنا ثقافة بنازير الغربية التي تصطدم بثقافة شعب مسلم متمسك بهويته محافظ، وإصرار بنازير على تحدي ثقافة الشعب الباكستاني.

ثانيا: لسان بوتو، فقد حرصت على كثرة التصريحات النارية التي تهدد فيها وتتوعد كل من يخالفها ويعترض رؤيتها السياسية، وكان مفهوما أن تهدد الإرهاب أو التطرف في باكستان، ولكن امتد لسانها ليشمل تهديدا للجيش بوضوح وبألفاظ واضحة مكتوبة.

 كما جاء في مقال لها بجريدة «الشرق الأوسط» في شهر سبتمبر قبل عودتها إلى باكستان، ثم لسانها الناري امتد لهبه في آخر خطبة لها قبل مقتلها بساعة ليهدد المدارس الدينية كلها في باكستان وينعتها بالإرهاب والتدمير، وأنها تربي الأطفال على القتل في بلد يدين بالإسلام وتنتشر فيه المدارس الدينية.

لذلك سارع كثير من المحللين باتهام الجماعات الدينية أنها ردت على تصريحات بنازير النارية بكرة لهب دموية وأغرقتها في بحر من الدم، وهو تسرع يفتقد إلى الدقة، وإن صح الاتهام يصدق فيه المثل العامي «لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك»، ولسان بنازير لم يكتف بالإهانة فقط.

ثالثا: لا يخفى على أي مراقب أن بنازير لم يرحب بها الرئيس مشرف سريعا، إنما جاءت بضغط أميركي استشعر منه الرئيس برويز الخطر على كرسي الحكم منها، رغم التنسيق معها إلا أنه سارع إلى تعديل دستوري كي يبعدها عن رئاسة الوزراء، إذ نص التعديل على عدم جواز تولي رئاسة الوزراء أكثر من مرتين، وهو يشملها.

 ولايفوتني الإشارة إلى معارضة بنازير للطوارئ وتنديدها بسياسة الرئيس مشرف بقوة، ويبقى أن أشير إلى نقاط مهمة عدة في ذلك الاغتيال المروع:

 1 - إن عملية الاغتيال نفذت بدقة احترافية عالية تتطلب دعم ومعلومات لوجستية لايقدر عليها ميليشيا أو تنظيم من الهواة.

2 -إنه لم تعلن أي جهة عن مسؤوليتها حتى كتابة المقال وأن ما نشر إلى أن «القاعدة» هي المسؤولة، وإن كان لا يستبعد إلا أنه يفتقر إلى الدقة، إذ اعتمد على خبر أذاعته «وكالة إيطالية» لمن يدعى مصطفى أبواليزيد مسؤول «القاعدة» أعلن مسؤولية جماعته.

وهذا الخبر يذكرني بتمثيلية اغتيال الحريري، عندما اذيع شريط فيديو لشاب ملتح يعلن مسؤولية «تنظيم وهمي» عن الاغتيال، وتبين عكس ذلك تماما.

 3 - سبق لبوتو أن اتهمت مسؤولين في الدولة بالعمل على اغتيالها، عقب محاولة اغتيالها عند وصولها إلى باكستان، والتي قتل فيها ما يقرب من 140 شخصا، ولم يحدد من المتهم.

وأرسلت بنازير رسالة بذلك إلى الرئيس مشرف، واتهمت الدولة بالتقصير في التحقيق.

وأخيرا من المعلوم أن باكستان لم تجف فيها الدماء الباكستانية من بعد الحادي عشر من سبتمبر، وكثير من أجهزة المخابرات تعمل في باكستان بسبب موقعها الجغرافي من أفغانستان وإشكاليات «القاعدة»، وعلى رأس هؤلاء المخابرات الأميركية المتهمة بأنها تنفذ سياسة الفوضى الخلاقة في كثير من بلاد العرب والمسلمين.

 لذلك، السؤال هنا: هل دفعت الولايات المتحدة الأميركيةبوتو إلى باكستان بهذا الزخم الإعلامي الذي أظهرها بموالاتها للأميركيين كي تغرق في بحر الدم الباكستاني، وتضطرب أحوال البلاد ويبقى مستساغا القبول بانفصال أقاليم وتقسيم باكستان والتدخل من أجل السيطرة على النووي الباكستاني؟ سؤال أظن أن فيه إجابة عن القاتل والمستفيد.


ممدوح إسماعيل

 محام وكاتب كويتي

 [email protected]