«القرم أبو ممدوح» ... في رحلته الأخيرة
كتب فرحان الفحيمان:
الجهراء والمسؤولية سارتا جنبا الى جنب في حياة الراحل طلال العيار، فنائب رئيس مجلس الامة السابق الذي رحل قبل بلوغه الخمسين من عمره اختزن في روحه حب نخيل الجهراء، وارتدى عباءة المسؤولية باكرا.
فقبل ان يبلغ الثامنة عشرة غيبّ الموت والده، وترك في ذمة اشقاء صغارا، نذر طلال نفسه من اجلهم، فنزع روحه، ووضعها في رحاب اشقائه الصغار، لم يعش تقلبات المراهقة، والكويت انذاك كانت تعيش مرحلة انتقالية فقد اوصد الابواب كافة، وفتح باب تحمل المسؤولية، وتربية الصغار، وانكب على العمل الشاق، الذي لم يمنعه من التزود بالعلم والمطالعة، فمن يعرف الراحل لا يستغرب شغفه بحب القراءة عندما كان في ا لسابعة من عمره شرع في قراءة رواية أنيس منصور «ادب الرحلات» فكانت حياته عبارة عن رحلات متسارعة، برهنت على قدرته على تحمل المشقة، فقبل ان يشتد عوده، طاف بلدانا عدة، مرافقا والده المريض الذي اطلق عليه لقب «القرم أبو ممدوح» ولم يكمل عامه الثامن عشر، عندما حصل على رخصة قيادة، كي يتسنى له قضاء حاجات اخوته الصغار.
وفي غمرة المسؤولية التي حمل وزرها باكرا، ولي العيار وجهه الى العلم، اذ التحق بكلية العلوم السياسية بجامعة الكويت، وانكب على قراءة الكتب التي تنمي ثقافته الحياتية والسياسية، وكان شغوفا بقراءة كتب محمد حسنين هيكل، وناصر النشاشيبي وابراهيم نافع وغسان ثويني بالاضافة الى ميله لكتب التاريخ والشعر والتراجم والسير الذاتية، فمكتبته زاخرة بأكثر من 7 الاف كتاب.
باكرا تقلد العيار امور السياسة فعندما انضم إلى مجالس المحافظات في عام 89 لم يكن وقتذاك قد بلغ الثلاثين من عمره، وتاليا كان اصغر نائب في المجلس الوطني عام 90، ومن ثم ممثلا للشعب في مجلس الامة عام 92، ورشح في عام 94 الى أمانة سر المجلس، وفي عام 96 بات نائبا لرئيس مجلس الامة، وفي مجلس 99 عندما عاد نائبا للدائرة العشرين وفق نظام الـ25 دائرة رشح لتسلم وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والكهرباء والماء، ولان العيار يحمل الجهراء على راحته، لم يبرح ترابها، ولم ينتقل إلى العيش داخل مدينة الكويت بالقرب من الوزارات التي اسندت اليه حقائبها، انما بقى متمسكا بمدينته،
لدرجة انه يدعو الوزراء والضيوف من الدول الشقيقة والصديقة في ديوانيته بالجهراء، ولا ينزعج عندما يذهب الى العاصمة ثم يعود الى مدينته ثلاث مرات يوميا، فارتباطه بالجهراء التصق في وجدانه، حتى في مماته دفن في مقبرة المدينة التي احبها، واحبته، فكل اهالي الجهراء يتغنون بدماثة خلقه وتواضعه.
والعيار الذي اطلق علي عائلته هذا اللقب احد ابناء الاسرة الحاكمة، وهو يعني الانسان صاحب النكتة الميال الى الدعابة، غاب ليلة الاول من امس عن الفانية، ولم يغب من ذاكرة الجهراء وابنائها، فمدينته خرجت عن بكرة ابيها لوادعه والدموع انهمرت على الجسد المسجى، وكأنها اشتهاء، ففي كل رحلة من حياته القصيرة، كانت هناك رحلات طويلة في خدمة الناس، والوقوف الى جانب اصحاب الحق.
العيار الذي قرأ «ادب الرحلات» لأنيس منصور وهو في الثامنة من عمره ... هل كان يشعر ان رحلته في هذه الحياة قصيرة.
ديرة أبوي وجدي وأعمامي وخوالي وأهلي
في 24 مارس من العام 2008، وخلال فترة التحضير لانتخابات مجلس الأمة التي لم يشارك فيها الفقيد الراحل طلال العيار، وصف العيار الحديث عن خوضه الانتخابات النيابية خارج دائرة الجهراء بأنه «اشاعة تافهة» مؤكداً انه لم يأت اليها «لمصلحة شخصية أو بغرض الانتخابات» فهي «ديرة ابوي وجدي واعمامي وخوالي وأهلي».
الراحل الذي كان يتحدث أمام حشد كبير من ابناء الجهراء قال ان الجهراء «ستظل في قلبي وعيوني ووجداني سواء ترشحت للانتخابات أم لم اترشح».
وقال: «عاجز ثم عاجز عن شكر أهالي الجهراء التي ستظل دائرتي وعزوتي فهي منبع الرجال الذين وقفوا معي طوال 20 عاماً حيث لم يصل الى هذا المنصب الا بدعمهم المتواصل».
الجهراء... حزن من العيار الثقيل
كتب سليمان السعيدي:
بهدوء يشابه هدوءه ومن دون مقدمات، ترجل نائب رئيس مجلس الامة الوزير السابق طلال مبارك العيار عن «صهوة الحياة» تاركا خلفه تاريخا سياسيا واجتماعيا حافلا بالانجازات والعطاءات التي ستبقى ذكراها إلى امد طويل كذكراه... العطرة.
منطقة الجهراء التي ارتبط اسم العيار بها لسنوات طويلة، كانت حزينة امس على فقدان ابنها البار، وما الحشود التي غصت بها مقبرة الجهراء خلال تشييعه امس، إلا دليل على مكانة «ابو مبارك» في قلوب محبيه.
وعلى الرغم من الفاجعة التي حلت بذويه ومحبيه، إلا انها اثبتت بما لايدع مجالا للشك ان المغفور له طلال العيار كان محل احترام الجميع سواء كانوا يختلفون او يتفقون معه، لما يتمتع به من دماثة خلق وطيب معشر وسعة صدر يشهد له بها كل من عرفه.
... حزن من العيار الثقيل لفّ المشيعين ظهر امس لحظة انزال جثمان الفقيد الى مثواه الاخير، وسط ذهول الجميع من الفاجعة التي أعبست الوجوه.
«رحمة الله عليك يابو مبارك»... دعاء ردده كل من حضر الى مقبرة الجهراء امس والتي ووري جثمان الفقيد في ثراها، وسط حضور شعبي حاشد تقدمه سمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وعدد من الوزراء والنواب والشخصيات العامة.
قالوا عن الراحل
محمد العبدالله: من أوائل مؤسسي
نهج عدم التصعيد بين السلطتين
أعرب رئيس جهاز متابعة الاداء الحكومي الشيخ محمد العبدالله المبارك عن حزنه الشديد بوفاة الفقيد الراحل طلال مبارك العيار.
وقال العبدالله ان العيار هو «من اوائل من اسسوا مبدأ عدم التصعيد بين اعضاء السلطتين وكان الرجل حكيما يتطلع دائما لمصلحة الوطن والمواطنين من خلال مد يد التعاون في شتى المجالات التي تجمع اعضاء السلطتين»، مؤكدا ان العيار «مثل الامة خير تمثيل وكانت اسهاماته كثيرة في رفعة اسم الكويت عاليا وتبنى المقترحات التي ترجع على المواطنين بالنفع العام وتصحيح ما يتطلب تصحيحه لما يصب في مصلحة المواطنين».
البصيري: أعزّ رجال الكويت
قال وزير المواصلات وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الدكتور محمد البصيري: «نحن حزينون ونحن نودع أعز رجال الكويت الذين قدموا اعمالاً مميزة في خدمة محافظة الجهراء وسطر اروع الأمثال والمواقف المشرفة وكان مخلصاً في عمله وتقلد العديد من المناصب وكرس حياته في خدمة الكويت».
وزاد البصيري أن الفقيد «كان على خلق رفيع وقدم من خلال مناصب مختلفة تقلدها في الدولة قرارات ومواقف تصب في مصلحة المواطنين».
البراك: تميّز بأخلاقه وصفاته
أعرب النائب مسلم البراك عن عميق حزنه لوفاة النائب والوزير السابق طلال العيار، مؤكداً ان الفقيد العيار «كان محباً لوطنه وكان يسعى في خدمة الناس ومتابعة احتياجاتهم في عافيته ومرضه».
وقال البراك: «لقد فجعنا كما فجع أهل الكويت بنبأ وفاة الأخ العزيز طلال العيار فهذا الرجل نتفق ونختلف معه سياسياً ولكن الجميع يجمع على تمتع هذا الإنسان بصفات راقية، فهو متميز بعلاقته مع الكل وخدم وطنه نائباً ووزيراً وكان محباً لعمل الخير وخدم الناس وسعى في قضاء حوائجهم في صحته وفي مرضه».
الملا: فرض احترامه على الجميع
اعتبر النائب صالح الملا أن «الراحل طلال العيار من النواب السابقين الذين فرضوا احترامهم على التيارات كافة، سواء اتفقوا معه سياسياً أو اختلفوا، فدماثة خلقه وتواضعه وحبه لوطنه صفات قربت المسافات بينه وبين الجميع».
وقال الملا ان العيار «دخل الحياة السياسية نائباً ووزيراً، وراهنا لا يسعنا الا ان نطلب له الرحمة، فقد أصبح في ذمة البارئ ونقدم احر التعازي لعائلة العيار، ولأهالي الجهراء كافة».
عسكر: تخليد ذكراه الطيبة
اعتبر النائب عسكر العنزي ان الكويت بشكل عام والجهراء على وجه الخصوص فقدت واحدا من رجالاتها الابرار الذين تركوا بصمات واضحة في الجانبين السياسي والاجتماعي والعمل البرلماني ونعزي انفسنا أولا بوفاة الفقيد الراحل ونسأل الله ان يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، ومن الواجب علينا إطلاق اسم المرحوم على أي منطقة أو شارع رئيس تخليدا لذكراه ليبقى ذكره الطيب خالدا بإذن الله.
الحريتي: كان مصدر اعتدال وتوازن
عبر النائب حسين الحريتي عن عميق حزنه وأسفه لوفاة المغفور له بإذن الله النائب السابق طلال العيار، مؤكدا ان الفقيد «كان أخاً للجميع وكان مصدر توازن واعتدال طوال حياته النيابية».
وقال الحريتي «لقد أحزننا نبأ وفاة النائب والوزير السابق طلال العيار فقد كان أخاً للجميع ومحباً لوطنه وكان - رحمه الله - يتسم بالعقلانية في الطرح ويعد مصدر توازن واعتدال وكان صادقا في تعامله مع الجميع».
الميع: نعم الرجال المخلصون للكويت
عزا النائب غانم الميع بوفاة النائب السابق طلال العيار قائلا : «بقلوب ملأى بالحزن والأسى ننعى بوفاة الفقيد بومبارك، فقد كان بحق نعم الرجال المخلصون الذين بذلوا الغالي والنفيس من اجل خدمة الكويت في جميع المجالات وفي جميع المواقع نائبا كان او وزيرا».
واضاف ان مصاب اهالي الجهراء «عظيم وجلل في فقيدهم»، مذكرا بأنهم كانوا «يختلفون على مرشحيهم في انتخابات مجلس الامة الا انهم كانوا لا يختلفون على الراحل لما له من صفات قويمة كدماثة الخلق وتواضعه الجم الذي لا يختلف عليه اثنان».
الشريعان: مثال للإخلاص والتفاني
بين النائب السابق احمد الشريعان ان الفقيد طلال العيار «قدم الكثير لوطنه ولأهله وكان مخلصا في عمله وتلمست هذا عن قرب خلال عملي معه في البرلمان»، لافتا الى ان الموت «سنة الحياة ودرب كلنا سائرون اليه».
وأفاد الشريعان ان «الكويت والجهراء على وجه الخصوص حزينة برحيل ابنها البار الفقيد طلال العيار الذي كان مثالا يحتذى به في الاخلاص والتفاني والاحترام والجميع يحبه وله مكانة كبيرة في قلوبنا نسأل الله العزيز القدير ان يرحمه بواسع رحمته انه على كل شيء قدير».
الخليفة: محضر خير دائماً
قال النائب السابق محمد الخليفة ان الراحل طلال العيار كان رمزاً للعطاء وساهم بشكل فاعل في بناء بلده الكويت محلياً واقليمياً ودولياً. ومن خلال مزاملتي له في البرلمان وجدت فيه صدق القول وسلامة الطوية. وعمل باخلاص من أجل حل القضايا التي يشكو منها المواطنون، وكان حاضراً في مختلف الحوادث التي ألمت ببلده وبالمواطنين وكان دائماً «محضر خير» من أجل اصلاح ذات البين.
وأضاف ان المواقف والافعال التي جسدها الفقيد «لا يمكن حصرها على عجالة، فقد كان - رحمة الله عليه - حريصاً على تحقيق الانجازات سواء في البرلمان أو حينما كان وزيراً في الحكومة، فمن ينسى الهدوء والعقلانية والحكمة التي كان يتمتع بها الفقيد؟».
خورشيد: الصدمة مهولة
ذكر النائب السابق صلاح خورشيد أن «الفقيد الكبير طلال العيار لم يكن زميلاً في العمل البرلماني بل كان أخاً عزيزاً وأكن له كل محبة وشعرت بالحزن الكبير عندما بُلغت بخبر وفاته، ولم أتمالك نفسي من هول الصدمة ولا أملك في هذه اللحظات الحزينة إلا أن أتوجه بالدعاء الخالص الى الله العلي القدير أن يرحم «أبومبارك» ويلهم ذويه الصبر والسلوان».
الفارسي: شخص لا يُنسى
أعرب النائب السابق بدر شيخان الفارسي عن «حزنه الشديد على فقد أحد رجالات الكويت الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الأمة ومثّل الأمة عن أهالي الجهراء وعمل وزيراً للكهرباء والماء ووزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل زميله الراحل المغفور له طلال العيار».
وقال الفارسي: «لقد كان العيار مثالاً للأخلاق وحب الوطن ولقد عمل على تكريس مبدأ العدل والمساواة في جميع القوانين التي كنا نناقشها في مجلس الأمة»، مشيراً الى ان العيار «شخص لا ينسى خصوصاً انه كان صمام أمان دائماً في علاقته مع أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية».
< p>< p>< p>