علي محمد الفيروز / إطلالة / مستقبل باكستان بعد اغتيال بوتو

1 يناير 1970 07:22 م

تناولت في مقالات سابقة حالة باكستان التي تعيش حاليا حالة من الانفلات الأمني والاضطراب السياسي منذ بداية تطبيق حال الطوارئ في البلاد الذي جاء به الرئيس الباكستاني برويز مشرف على أمل السيطرة على أمن واستقرار بلاده، الا ان الأمر ازداد سوءا واضطرابا، فقد ازداد عدد المعارضين من الشعب والتهب الشارع الباكستاني وهناك توجه نحو مقاطعة موعد الانتخابات العامة المرتقبة يوم 8 يناير الشهر الجاري، وازدادت الحال سوءا حينما اغتيلت زعيمة المعارضة الباكستانية رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو التي كان أمل المعارضة محاطا بها حتى تمسك زمام الأمور السياسية في باكستان، بعدما جعل الرئيس مشرف البلاد تعيش في بيئة معيشية عسكرية أي بعيدا عن سمعة الديموقراطية الباكستانية المطلوبة، فباكستان حاليا تشهد سجالا حادا حول سبب وفاة زعيمة المعارضة بوتو وعن كيفية مقتلها في هجوم انتحاري لدى مغادرتها التجمع الانتخابي يوم الخميس الماضي ما ادى الى ازدياد حدة التوتر في الشارع الباكستاني وما زال يهدد مصير موعد الانتخابات، بيد ان هناك شكوكا تحوم حول ضلوع تنظيم القاعدة في اغتيال الزعيمة بوتو بعد ان حصلت الحكومة الباكستانية على أدلة تشير الى مسؤولية «القاعدة» في اغتيالها، وهناك اطراف اخرى معارضة تحمل الحكومة الباكستانية مسؤولية اغتيالها في الوقت الذي تقاعست فيه أجهزة الحكومة وبالاخص جهاز أمن الرئيس مشرف عن أداء مهماته الاشرافية في الأمن، ففشل السلطات في توفير الأمن للشعب الباكستاني قد أدى الى رحيل الزعيمة بوتو التي لقبت بضحية جهاز أمن الرئيس مشرف! وربما يأتي رحيلها نتيجة تجاهلها للتحذيرات الحكومية وعدم اهتمامها بمستقبل الأحداث التي سوف تواجهها مع الارهابيين على اعتبار ان الحكومة سبق وان حذرت من عودتها الى الساحة السياسية في أكتوبر الماضي عندما كانت في المنفى الاختياري الذي قضت فيه ثمانية أعوام بعيدة عن حب بلادها، الا انها لم تعر ذلك اهتماما كونها من مناضلي أسرة «بوتو» العريقة وتريد ان تكمل مسيرة والدها الراحل «ذو الفقار بوتو» التاريخية من خلال المشاركة في تنمية باكستان بطريقة ديموقراطية، وقد حملت بوتو، قبل عودتها، الرئيس مشرف المسؤولية عن اغتيالها وذلك لعدم توفير الحماية الامنية الكافية لها، رغم مطالبتها بذلك مرات عدة. الرئيس الباكستاني مشرف لم يبال بهذه المطالب كونها أحد أركان المعارضة الموجودة في باكستان، والتي تنوي الاطاحة به شعبيا، ولكن يبقى السؤال هنا: هل قُتلت الزعيمة بوتو بسبب رصاصة واحدة استهدفت رأسها من أحد الرجال الارهابيين أم انها قُتلت بسبب اصطدام رأسها بمقبض فتحة سقف سيارتها وهي تحاول الاحتماء بداخلها عند وقوع الانفجار، وهل باكستان بحاجة الى المجتمع الدولي أو مشاركة الجهات الخارجية للتحقيق في ملابسات مصرع بنازير بوتو المأسوي؟، وهل الحقائق والدلائل التي قدمتها الحكومة الباكستانية بشأن الاغتيال تعتبر كافية؟ بأي حال من الاحوال فان أيا من الطريقتين اللتين ادتا الى وفاتها المفاجئ أمام أنصارها تعتبر «خسارة واحدة» في ظل فقدان المعارضة أعز ما تملك، فهي صوت مناضل ومكافح من أجل باكستان ونظرية الحكومة عن سبب وفاتها واستعدادها لنبش جثتها وتشريحها في حال طلب حزبها ذلك قد وضعها في موقف خلاف وسخرية قد تصل الى حد المؤامرة!

إن ظاهرة المعارضة بنازير بوتو لن تتكرر ولكن ظاهرة اغتيال أسرتها قد تتكرر حتى وان كان بأشخاص معارضين غيرها!، لذلك ليس من صالح الحكومة الحالية أن تستمر بسياستها الأمنية الحالية، والتي تفتقر الى توفير الاجراءات الأمنية الكافية للشارع الباكستاني مع قدوم موعد الانتخابات العامة المرتقبة، فأعمال العنف والانفلات الأمني التي اندلعت بعد اغتيال الزعيمة بوتو تشير الى خطورة الأوضاع هناك خصوصا ما يحدث في حي «لياري» وهو من الأحياء التي تتمتع الراحلة بنازير بوتو فيه بشعبية كبيرة لا تضاهى، واستمرار المظاهرات الشعبية واندلاع النيران في كل مكان قد تأتي بما لا يحمد عقباه.

ما زال الزعيم الباكستاني المعارض رئيس الوزراء السابق نواز شريف يطالب باستقالة الرئيس الحالي برويز مشرف من منصبه، ويتساءل عن كيفية بقاءه في ظل الانفلات الأمني وحالة عدم الاستقرار والفوضى لبلاده، معتبرا ان بقائه في السلطة سوف يسبب دمارا كاملا لباكستان، فكيف الحال عند اجراء انتخابات حرة وعادلة!، نعم ان الحكومة مسؤولة عن فشل الانتخابات المقبلة في حال عدم تشاورها مع جميع الأقطاب السياسية وسيظل وضع المعارض نواز شريف في خطر وغير آمن طالما ان الحكومة لم تتخذ الاجراءات الاحترازية لحماية المعارضين، فالظروف الخاصة التي تمر بها باكستان تفرض على الحكومة اجراء حماية كافية لجميع الاحزاب السياسية أثناء فترة الانتخابات، وسيزيد مقتل بنازير بوتو على الأرجح من حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في باكستان ان لم تكن لدى حكومة مشرف نظرة مستقبلية تنهي الصراع السياسي في البلاد، فباكستان تقترب نحو نفق سياسي مظلم، وتحتاج إلى سواعد وطنية صادقة تنقذها من وحل الاغتيالات.

 قبل مقتل المعارضة بنازير بوتو كان المعارض نواز شريف يقول امام حشد من مؤيديه ضم حوالي 3000 شخص في بلدة سوكور المطلة على نهر الاندرس، «ان الرئيس مشرف قد جعل باكستان أضحوكة العالم حينما اجرى عملية تطهير في قطاع القضاة بعد ان فرض حال الطوارئ في نوفمبر الماضي... بينما لا يعلم المعارض شريف ان السيدة بوتو قد جعلت العالم يبكي من فاجعة اغتيالها في باكستان!!

«ولكل حادث حديث»


علي محمد الفيروز


كاتب وناشط سياسي كويتي

[email protected]