جعفر رجب / تحت الحزام / أيام خضراء

1 يناير 1970 09:48 م
من بلاد تتسلى باللعب الطائفي، انتقلت عبر السماء الى بلاد تنهض، مزيلة عن جسدها عرق الحروب الطائفية! من بلاد سنة وشيعة، الى بلاد بروتستانت وكاثوليك! من بلاد يستمر الاطراف في حفر الحفر لبعضهم البعض، ويعمقون حفرهم بهمة ونشاط، الى بلاد يردمون حفرهم القديمة، رغم انهم لم يسمعوا بالحكمة الشرقية», عندما تحفر حفرة لا تجعلها عميقة جدا، لعلك تسقط فيها»، هم لم يسمعوا بها ولكن فعلوا، ونحن... نحن نحن، لن نتغير ابدا!

***

في «دبلن»، الاخضر هو سيد الموقف، هناك الاخضر اخضر، ولا يعني لونا آخر، ونحن تعودنا على مسميات وهمية، فعندنا تونس الخضراء، واليمن السعيد، وليبيا العظمى... والقافلة تسير، هناك لم اقرأ عبارة مرحبا في ايرلندا الخضراء، ولكني شاهدت الاخضر من فوق السحابات، نزلت وكان الاخضر يلف كل شيء، الشعارات والقمصان والشوارع والاشارات والمباني، ولم ينقصهم الا مقام الخضر... شيء واحد لم يكن اخضر هو «بلوفري» الذي كنت البسه!

***

عندما تقرر شراء سيارة، مجرد قرار وقبل ان تشتريها، تكتشف فجأة ان كل الناس يملكون السيارة، ويقودونها في الشوارع، لو اشتريت «موبايلا» جديدا متميزا، لتتفلسف فيها على ربعك، تكتشف فجأة ان كل من تعرفهم ومن لا تعرفهم يملكونها... اما انا فكان وضعي معكوسا، في دبلن كنت كالغراب بين سرب النوارس، اكتشفت انني الوحيد في ايرلندا من شمالها الى جنوبها يلبس «بلوفر» اصفر، ولا تسألوني من «وين» اشتريت هذا البلوفر! وقد لاحظت ان عيون الشرطة الايرلندية كانت تراقبني كلما أمر عند احدهم، وكانوا يتصلون ببعضهم البعض «هناك رجل ببلوفر اصفر في السوق انتبهوا»... فبعدا عن الشبهات اذا اردت الذهاب الى ايرلندا لا تلبس اصفر!

***

قبل عودتي بساعات الى ارض الوطن سالما غانما محملا بالحلوى الايرلندية، كنت في جلسة مع تجمع للطلبة الكويتيين في دبلن، واغلبهم يدرسون الطب، متلهفين لسماع اخبار البلاد والعباد، ولكن الحوار انتقل من السياسة الى الدين الى كل شيء، كنت استمتع بالحوار، واستمتع بالخلاف، فقد كنت احمل هم المجاملة، وحمدت الله انهم تركوا هذه الصفة الكويتية والاصيلة، لم يجاملوني، خاصة بعد ان شاهدوني بـ «بلوفري» الاصفر! تناقشنا بحرية، وحمدت الله مرة اخرى ان طلبتنا ليسوا خرافا «توديهم كلمة وتييبهم كلمة»، وحمدت الله ان رؤيتهم واراءهم، ليس «كطباخ عيشهم»... تركتهم وانا احمل أملا بان هذا البلد مازال به خير كثير بهؤلاء، وحملت ألما متخيلا عودتهم بعد التخرج، ليكتشفوا ان رئيسهم في العمل قد اصبح طبيبا في ثمانين يوما، بعدما اشترى شهادته من جامعة في السيراليون..!

***

ارتفع البساط السحري، نظرت الى الاسفل، تأكدت وانا انظر الى روعة الجزيرة، ان رب السماء خلق جناته في الارض حبا لمخلوقاته، وتأكدت ان المؤمن من يزين جناته، والكافر من يجعلها قاحلة كقلبه، قبيحة كصورته!





جعفر رجب

[email protected]