علي الرز / آه... بني!

1 يناير 1970 10:57 ص
| علي الرز |
ايه بني... ما انت سوى صدى الخلافات والاتفاقات. لا رأى لك. لا موقف. لا مشاعر صادقة. لا ألم. لا دمع. اثبتت الايام ان كل ما فيك مبرمج على ساعة الضبط الخارجية، فان هتفت كوندوليسا هتفت معها وان صمتت بحثت عن مكان آمن او مظلة حماية. وان تخاصم العرب فجرت في الخصومة وان تصالح العرب بحثت في القاموس عن عبارات التهدئة او الجمل المحورية الكفيلة نقل صراخك الى خانة اخرى. وان تعرض خصومك الى مشاكل اخرى من جبهات اخرى فرحت وشمت وتأملت خيرا من التصعيد وان حلَّوا هذه المشاكل فتشت عن مخرج يحفظ ماء الوجه واعتصمت بحبل الحياد على قاعدة «التداخل لا يعني التدخل».
ايه بني... ما انت سوى صدى الخلافات والاتفاقات. كل شعاراتك عن الحرية والسيادة والاستقلال هي في الواقع رصاصات في بنادق آخرين. هم يقررون متى يطلقونها ومتى يهددون بها ومتى يساومون عليها وعليك. لا رأى لك ولا موقف ولا مشاعر. دمية تحركت مع مئات الآلاف بالريموت كونترول في لحظة تقاطع المشروع الاميركي مع مشاريع انظمة في المنطقة ثم استكانت مع فشل هذا المشروع واتفاق العرب على ترتيب بيتهم للحد من الخسائر ما امكن.
ايه بني... لا ألم ولا دمع، فما شعرت به لحظة الاغتيالات الاجرامية انما برمجته وسائل الاعلام الموجهة، وما ذرفته من عينيك انما ذرفته الغرائز الطائفية والسياسية التي جرفتك معها كونك جزءا من جمهور يقاد ولا يقود. يعبأ باليد كما تعبأ القنابل تماما، ويتم تحضير احاسيسه وسلوكياته كما تحضر الاسلاك والشرائط، ويجهز للانطلاق في الساحات والشوارع والجنازات كما تجهز الصواعق للانفجار. هذه اليد التي حركتك هي التي توقفت عن تعبئتك موقتا تماما مثلما ان اليد التي حضرت القنابل والمتفجرات توقفت عن تحضيرها موقتا. صفقة بين يدين لان اليد الواحدة لا تصفق.
وصدق يا بني انك، بقصد او بغير قصد، شاركت في اضعاف صمود الامة ومنعتها، وان الانتصارات التي كان يمكن ان يجنيها بعضهم على مختلف الجبهات انما أخرت حصولها بنزولك الى الشارع وتوجيه اصابع الاتهام اليه في الاغتيالات التي حصلت وبالتالي اخراجه من لبنان. بل صدق يا بني ان الاغتيالات لم تحصل اساسا وان الوفيات واردة في كل زمان ومكان. ثم صدق ان الاخطاء التي أدت الى هذه الوفيات يمكن ان تحصل لان البشر ليسوا ملائكة ولكن هل يجوز ان ترد على الخطأ بخطيئة؟ وان تنسى ان الامة اهم من الاشخاص او ان تفقد فضيلة التسامح؟
سامحك الله يا بني، عشت سعيدا آمنا لسنوات في ظل بلد سلم قراره للخارج مقابل ان يحفظ الخارج امنه الداخلي. ادرك الخارج ان ما تعتقده انت بلدا انما هو مجموعة عصبيات متنافرة وميليشيات متناحرة. ارسى صيغة نموذجية خلاقة تغذي هذه العصبيات وتعبيراتها الميليشيوية من جهة وانشأ مجلس ادارة اسمه «نظام» لتنظيم العلاقات بينها وتدجين الخلافات من جهة اخرى. كان الخارج هو ضابط الايقاع الفعلي لمسار البلد يساعده ضباط محليون اصغر رتبة، الى ان حاول بعض من في الداخل ترجمة حلمي وحلمك وحلم اولادك بتحويل لبنان الى دولة... وكأنه جزيرة معزولة عن مسارات المساومة والصفقات او كأن الحجم العربي والدولي الذي اكتسبه ضلله فاعتقد ان قبضة الهيمنة ارتخت!
حصل ما حصل. انها لعبة الامم يا بني. فمثلما خرجت دامعا متألما حانقا على اغتيال الشهيد بتوجيه خارجي ومن دون دراية، فخخ «الافراد الخطاؤون» موكب الرئيس بتوجيه خارجي ومن دون دراية ايضا، فالملائكة في الشرق والشياطين في الغرب. علمتك ذلك بناء على خبرة طويلة لكنك انتفضت وما سمعت. اسمع لمن هو اكبر منك سنا و«متعودة دايما». افهمتك، بلا جدوى، ان الناس في المشرق عندما يحصل اغتيال، يقفون مع القاتل لا مع الضحية. يقولون: «يا حرام كان آدمي بس لسانو طويل» او: «رجل جريء لكنه ليس بقوتهم» او: «نظيف اليد والقلب انما متهور... ما له ولهم» او: «رحمة الله عليه ولكن ما قتلوه الا لانه فعل شيئا لهم» او: «يا ضيعانو بس شو بدو بهالشغلي شو هوي قدهم»... وقس على ذلك يا بني، فهل ستأتي انت واقرانك لتغيير ثابت تاريخي من ثوابت مجدنا وعزتنا وعروبتنا وتسأل عن الحقيقة؟ يا حبيبي صدام حسين قتل نصف مليون عراقي في الجنوب بدم بارد ولم تخرج تظاهرة واحدة منددة او بيان عروبي يستنكر. الاميركيون عذبوا عشرات السجناء في ابوغريب قامت الدنيا ولم تقعد. الم اقل لك ان الملائكة في الشرق والشياطين في الغرب؟ الم افهمك ان العربي والمسلم حين يقتل عربيا ومسلما انما يفعل ذلك من اجل مناعة الامة وصمودها وان الآخر حين يقتل عربيا ومسلما فهذه مجزرة؟
ايه بني... علموني بالاغتيالات والاعتصامات والصدامات و7 ايار والثلث المعطل ان اقول ما انت سوى صدى الخلافات والاتفاقات. لا رأى لك. لا موقف. لا مشاعر صادقة. لا ألم. لا دمع. لكنك علمتني، بثباتك على رأيك وموقفك ومشاعرك الصادقة وألمك ودمعك، انك على صواب وانا على خطأ.
اعذرني، فكل ما قلته لك نابع من خوفي عليك. عد الى العروبة التي عرفتها انا لا العروبة التي تطمح اليها. «امش جنب الحيط وقول يا ربي اوصل عالبيت» وتذكر دائما المظلة القومية الحامية: «ما متت ما شفت مين مات!».
سامحني يا بني لاني مضطر الى التوقف خوفا من ان تأخذني العزة بما فعلته انت واقرانك الى كشف افتخاري بك امام الناس فاتأذى، خصوصا اننا في زمن المصالحات العربية. انت في مقام القلب والروح... ولكن «يا روح ما بعدك روح».


[email protected]