لغة الأشياء / ضيق طريق الواقع
1 يناير 1970
11:50 م
| باسمة العنزي |
تعود فوزية شويش من غيابها الصيفي الطويل، بإصدارين حديثين أحدهما مسرحي «آدم و حواء»، و الآخر شعري «موسيقى الحجر
والموسيقى ماء أيضا».
عاشقة «كارلو فيفاري»... كانت تدون ملاحظاتها الشعرية المختزلة والملتقطة بعين السائحة الوحيدة... المبدعة النرجسية... المرأة المخملية... الرسامة بعيدة عن مرسمها.
مع فنجان القهوة
وصباح البحر المتوسط...
قلبي يتوهج...
بقطرات البيانو...
شمس أوائل النهار
وذاكرة على الكرسي...
ستمحى...
بعد قليل*
رغم أن كل مقطع شعري صغير حمل تاريخ ميلاده، ومكانه إلا أن جوا عاما من الحنين والحزن الشفيف يطوق العمل بذراعيه، وكأن القصائد كلها كتبت في زمن واحد و مكان واحد.
أنا الوحيدة الملتصقة...
في شق... في جدار
أخاف أن تغطيني
خيوط العنكبوت...
قبل أن يراني أحد*
ورغم أن اللغة العذبة كانت هادئة ومحلقة كفراشة، وهي تتجول بين الكاتدرائيات والقلاع والمتاحف والحدائق والشواطئ، إلا أن جسرا من الكلمات المخفية غير المعلن عنها يمد طرفيه بين الشاعرة والقارئ، لينتاب المتلقي إحساس عميق أن المبدعة كانت تسافر لتبتعد عن شيء ما... لكنها تضطر لحمله معها طـــوال الرحـــلة كهـــاجـــس أبدي!
أينما أكون
أجد وحدتي
سبقتني*
حتى صخب الكرنفالات والموسيقى وأنغام السالسا والتانجو ودقات الطبول وقرع الأجراس في أماكن مجهولة، لم تعل على نداء مبهم ينبعث من أقبية سرية مثيرا التساؤلات، ولم تطغ على حزن فريد يستمد إيقاعاته من لذة تدميرية.
تجلس في الساحة
تغزل...
ذاكرة الزمن...
غرزة في الصوف...
غرزة...
في الحنين*.
ولأن الخيال لا يستطيع المرور عبر طريق الواقع الضيق كما تدون فوزية، و صعب تجفيف دموع الروح ذات الدهاليز المظلمة، وبوابة الأحزان تفتح فقط ليستقبلنا الوهم، لذلك لا يسع المتلقي سوى الحلم بشرفة بحرية زرقاء.
كانت السماء مخملية
احترت بين ثيابي
أخيرا...
ارتديت الكون
وخرجت*.
و مثلما هناك أدب الرحلات بدا إصدار فوزية شويش، وكأنه من شعر الرحلات، نصوص تجولت مع صاحبتها عبر المطارات وروح تركت آثارها في كل مكان، أوحى بفكره وقدم زهر التوليب ومناديل تجفيف الدموع، ولوح بالوداع لسيدة تبتعد عن قفصها!
* المقاطع من ديوان «موسيقى الحجر و الموسيقى ماء أيضا»، لفوزية شويش السالم عن دار مجد 2010.