مشاهــد / ليلى مراد
1 يناير 1970
06:04 م
| يوسف القعيد |
في الجولة التي دعا فيها الدكتور جابر عصفور... بصفته مثقفاً عدداً من المثقفين المصريين في الصيف الماضي، وهي الجولة التي بدأت من أمام جامع الحاكم بأمر الله. وانتهت عند بيت السحيمي، وبعد تعب التجوال... كنا نبحث عن مقاعد لكي نجلس عليها.
جاءت جلستي بين الدكتورة لطيفة سالم. وعلي أبو شادي. وكنت قد لاحظت على لطيفة خلال الجولة أنها طلبت من أسامة سرايا «رئيس تحرير الأهرام» إعادة الباب الذي كان يونان لبيب رزق مسؤولاً عنه على صفحات الأهرام.
وكان هذا الباب عنوانه: الأهرام ديوان الحياة المعاصرة. وقد وعدها أسامة بعودة الباب بعد فترة. وقد أعجبني في لطيفة سالم كل هذا الوفاء لأستاذها يونان لبيب رزق، وهذا الوفاء أصبح عملة أكثر من نادرة، ولطيفة سالم لم تخف مفاجآتها ودهشتها بانضمام الدكتور عاصم الدسوقي للحزب العربي الناصري.
ثم بدأنا الكلام عن مسلسل ليلى مراد... استغربت من كل هذا الحضور لليلى مراد في الواقع المصري... كان يجلس على المنضدة المجاورة... حلمي سالم صاحب القصيدة الشهيرة التي تحولت لمعركة كبيرة في الواقع الثقافي المصري. وعنوانها: شرفة ليلى مراد التي رأيناها وتابعناها وقرأناها... بعد أن وقفت في ساحات القضاء، ووصل الموقف من القصيدة لطلب مصادرة الديوان واللجوء إلى القضاء لسحب جائزة الدولة للتفوق التي حصل عليها الشاعر حلمي سالم. باعتبار أن هذه الجائزة ممولة من أموال الشعب المصري. واستمرت المطاردة حتى ديوان حلمي سالم... الذي صدر بعد شرفة ليلى مراد. وعنوانه: الشاعر والشيخ. وقد وصلت المواجهة أن حلمي سالم دعا أصدقاءه من المثقفين والنقاد للاستماع إلى الديوان كاملاً في جلسة واحدة.
لكن لطيفة سالم كانت تكلم عن مسلسل ليلى مراد الذي كتبه مجدي صابر... عن رواية كان قد كتبها صالح مرسي عن ليلى مراد. وليلى مراد صدر عنها أكثر من كتاب، علاوة على رواية صالح مرسي، كتاب على حسنين، وفيه صور أكثر من نادرة لليلى مراد... لدرجة أن الصور لا تقل أهمية عن الكتابة. ثم كتاب أخير صدر فجأة في الأسواق. لحنان مفيد فوزي. وهي صحافية نشطة في مجلة «نص الدنيا» - وأمها هي الإذاعية الراحلة آمال العمدة. وإن كانت حنان مفيد فوزي تحب أن تقدم نفسها باعتبارها شاعرة. ولا تتكلم عن كتبها الصحافية... ومن ضمنها كتابها عن ليلى مراد.
أعود إلى الدكتورة لطيفة سالم التي كانت تراجع المسلسل من الناحية التاريخية. قالت لنا إن التواريخ العامة لا مشكلة فيها، ولكن هناك بعض القضايا التي أتوقف أمامها الآن وأولاها قضية إسلام ليلى مراد. والشكوك التي أثيرت حول إسلامها. وسبب هذه الشكوك ما ادعاه البعض من أنهم شاهدوها في الخمسينات تتردد على بعض المعابد اليهودية... أيضا هناك قضية علاقة ليلى مراد بإسرائيل. قالت لي الدكتورة لطيفة سالم ان الرئيس عبد الناصر أجّل الوحدة مع سورية لبعض الوقت حتى يسقط السوريون التهم التي كانت موجهة لليلى مراد من قبل السوريين.
قلت إن كل هذه الحكايات كان السبب فيها هو أنور وجدي. وقد كان إنساناً كما يتضح من روايات من عاصروه. أنه كان ذرائعياً ميكيافيلياً وبعد انفصالها عنه. ثم بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 واتضاح موقفها المعادي لإسرائيل. أشاع أنور وجدي عن ليلى مراد الكثير من الاشاعات. خصوصا أنها كانت قد انفصلت عنه انفصالاً نهائياً. بعد أن ثبت لها استحالة معاشرته والاستمرار معه. فقد كانت محبة صادقة في حبها. وكان هو شخصاً لا تحركه سوى مصالحه. تزوج منها ليضعها في قفص من الذهب الخالص. ليحولها إلى مشروع استثماري له. وهكذا أشاع أنور وجدي أن ليلى مراد زارت إسرائيل وتبرعت لها بمبلغ من المال. حدده يومها بخمسة آلاف جنيه مصري. وهو مبلغ أكثر من ضخم في ذلك الوقت. واختار إذاعة دمشق ليعلن منها الخبر. وهو اختيار خطير. لأن دمشق كانت ولاتزال حتى الآن مقر مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل. وقد أدرجت ليلى مراد على قوائم المقاطعة.
في ذلك الوقت تقدم سراج منير وكان نقيب الفنانين بطلب إلى الضابط محمد وجيه أباظة - الذي كان مسؤولاً عن الشؤون العامة في القوات المسلحة... حتى يتحرى الجيش الحقيقة في مسألة سفر ليلى مراد لإسرائيل وتبرعها بأموال لها.
وكان الجيش يشكل مرجعية... لا مرجعية غيرها في الواقع المصري في ذلك الوقت. وقد أولى وجيه أباظة الموضوع اهتمامه الكامل. وأعلن براءتها من هذه التهمة.
وكانت تلك القصة بداية علاقة خاصة بين ليلى مراد ووجيه أباظة. انتهت بالزواج. فمن المعروف أن في حياة ليلى مراد ثلاثة رجال تزوجوا منها. أنور وجدي، فطين عبد الوهاب، ووجيه أباظة. لم تنجب من أنور وجدي، لكنها أنجبت من فطين عبد الوهاب ابنها زكي. الذي حمل اسم والدها. ثم أنجبت من وجيه أباظة ابنها أشرف... الذي لم يدون في أوراق رسمية سوى في نعي وجيه أباظة بعد رحيله عن عالمنا.
المهم أن وجيه أباظة تولى نفي زيارتها السرية لإسرائيل وتبرعها المالي لها وبالفعل فإن القصة لم تحدث إلا في خيال أنور وجدي المريض، أيضاً فإن القضية التي تتوقف أمامها لطيفة سالم... هي ما يقال عن إدمان ليلى مراد للمخدرات في أيام اعتزالها الفن... هناك الكثير من الحكايات ولكنها لا ترقى إلى اليقين ولا يوجد ما ينفي أو يؤكد هذا الكلام.
حاول على أبو شادي أن يتذكر الكتب الصادرة عن ليلى مراد... كتاب صالح مرسي. وكتاب عادل حسنين. لكن لطيفة سالم قالت إنها عرفت أن دار الوثائق فيها ملف قضية علاقة ليلى مراد بإسرائيل وصمتت. تصورت أنها حاولت الاطلاع على الملف ولم تستطع. قالت انها لم تفعل. وأعتقد أن الدكتور صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق لن يمانع في ذلك. ما دام الهدف أن تظهر كل الحقائق عن ليلى مراد.
مؤرخو الفن يكتبون عن أسمهان باعتبارها منافسة أم كلثوم. وفي تصوري أن ليلى مراد الصوت والصورة والأداء هي المنافسة الحقيقية لأم كلثوم. وإن كان من تابعوا قصة حياتها لم يتوقفوا أبداً أمام هذه المنافسة. التي ربما كانت منافسة حقيقية. رغم الاعتزال المبكر والمفاجئ وغير المفهوم لليلى مراد وهي في قمة مجدها الفني.