د. وائل الحساوي / نسمات / قصتنا طويلة... محورها الأمانة

1 يناير 1970 10:06 م

مهما اختلفنا في تحليل أسباب الأزمات السياسية التي نعيشها اليوم ومن يتحمل مسؤوليتها: السلطة أم الحكومة أم المجلس؟ فإن القضية الجوهرية التي يجب ألا تفارق أذهاننا وألا نختلف عليها هي أن مشكلتنا تكمن في ضياع الأمانة التي عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان. إن الحاكم الذي يريد الخير لقومه يجب أن يختار لهم القوي الأمين وبغير ذلك لن تصلح أمور البلد وستعم الفوضى حتى في ظل أفضل الأنظمة التي اخترعها البشر.

وقد تحدث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن زمن قادم ترفع فيه الأمانة من قلوب الرجال، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.

فهل نكون مخطئين إذا قلنا بأننا قد اقتربنا من ذلك الزمن، وان كثيرا ممن نتولاهم للأمور العامة يخونون أماناتهم إما بالسطو على المال العام أو بالغش والتدليس أو بتولية الخائنين وإبعاد المخلصين، ولئن كانت الدول المتقدمة لا تخلو من تلك النوعيات من الناس إلا أنها قد وضعت أنظمة للرقابة والحزم والعقوبة تمنع ضعاف النفوس من كسر القوانين وتخريب البلد، وربطت العمل بالانتاج والربح فلذا راقبت الجميع لضمان سير العمل.

أما في بلادنا فللأسف ان العقد قد انفرط وأصبح الكل في مأمن من المراقبة ومن العقوبة، بل وقد أصبحنا نضع المبررات الكثيرة لكسر القوانين والسرقة والتسيب تحت مسميات متنوعة، للأسف اننا في الكويت قد تمالأنا على تخريب نظامنا الديموقراطي الذي كتبناه بأيدينا - بالرغم مما فيه من العيوب - فبدأنا بالمجلس التشريعي الذي هو واجهة الرقابة على جميع أعمال السلطة التنفيذية فأعملنا فيه خرابا من تغيير للدوائر الانتخابية، إلى شراء الأصوات ونقلها إلى تشجيع الانتخابات الفرعية إلى محاربة المخلصين، فأوصلنا إلى ذلك المجلس المهم كثيرا من النماذج الفاسدة، ولم نكتف بذلك حتى بدأنا بتسيير الشنط المملوءة بالأموال للتأثير على هؤلاء النواب وتوجيه أصواتهم لتخدم أسيادهم داخل المجلس.

أما على الجانب الآخر، فقد قمنا باختيار وزراء عليهم شبهات مالية كثيرة أو لهم مصالح من وراء مناصبهم، أو ضعفاء لا يدرون ما يحدث تحت أيديهم أو... أو...، وسرعان ما ينكشف المستور وتطفو الفضائح، وقد لا نحتاج أكثر من قراءة تقارير ديوان المحاسبة!!

ولكنني أؤكد بأنه بالرغم من كل ذلك فيصل الى المجلس الكثير من النواب النظيفين الأمينين الاقوياء, وكذلك الوزراء المخلصون الأمناء الذين لا يخافون في الله لومة لائم، لكن كما قيل فان الشر يعم والخير يخص، وتجد أغلب الاستجوابات القائمة من نواب مخلصين إلى وزراء مفسدين أو من نواب مفسدين إلى وزراء مخلصين، وما على اللبيب إلا أن يبحث ويتفحص لكي يتبين له الحق من الباطل.

إن السلطة مطالبة بإصلاح تلك الأوضاع المقلوبة عن طريق البعد عن التأثير في اختيار النواب واصلاح النظام الانتخابي، ثم عن طريق حسن اختيار التشكيلة الحكومية لكي تكون منسجمة مع رغبة الشعب واختياره، وعدم تحدي الناخبين في اختيار الفاشلين والمفسدين من الوزراء، وبغير ذلك سنظل نتخبط في مشاكلنا السياسية وندور في حلقة مفرغة لا نخرج منها.


د. وائل الحساوي

[email protected]