محاكمات شهيرة... شغلت الرأي العام
مجزرة «بني مزار»... الفاعل لايزال مجهولا / الأخيرة
1 يناير 1970
01:13 م
|القاهرة - من حنان عبد الهادي|
كثيرة جدا... هي المحاكمات التي شغلت الرأي العام - محليا وعالميا - واهتمت وسائل الإعلام بجميع أطيافها بنقل تفاصيلها ووقائعها لحظة بلحظة، ولا تزال باقية في الذاكرة حتى الآن... بسبب ملابساتها المعقدة، أو أسماء المتهمين المتورطين في ارتكابها، أو نتائجها الصعبة والمؤثرة.
وهذه النوعية من المحاكمات تتعلق بقضايا ساخنة وغير مألوفة، وتتشابك فيها التفاصيل، وتتوه معها الحقائق، وتضل العدالة أحيانا طريقها في البداية، ولكن بعد قيام الأجهزة المعنية بأدوارها... تظهر الحقيقة في النهاية، وينال المجرم جزاءه ويجني ثمار ما اقترفت يداه.
والقضايا التي تشغل الرأي العام... هي القضايا التي يروح ضحيتها أعداد كبيرة من البشر «حادث العبارة السلام - 98 في مصر... نموذجا»، ويكتنف تفاصيلها غموض يستغرق جهودا مضنية لفك شفرته، أو التي تشهد وحشية غير مقبولة من الجناة، أو التي توصف بأنها سياسية «محاكمة المقبور صدام حسين»، أو التي تتعلق بإهدار مبالغ هائلة من المال العام «محاكمة نواب القروض في البرلمان... نموذجا»، أو تخص مسؤولا مرموقا «محاكمة محافظ الجيزة الأسبق في مصر أيضا».
وعبر 15 حلقة... نرصد أشهر 15 قضية شغلت الرأي العام محليا وعربيا ودوليا، وننشر أهم تفاصيل محاكماتها من واقع ملفات القضايا أو من أرشيف المطبوعات والإصدارات التي تابعت تلك القضايا، أو عبر المواقع الألكترونية، وبقيت شاهدا عليها حتى تعاقبت السنون.
وتتنوع هذه المحاكمات بين ما هو محلي مثل: قضايا العبارة السلام - 98، التي راح ضحيتها أكثر من 1000 مصري فقير... أو سياسي مثل «محاكمة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام»، أو دولية مثل: «محاكمة المقبور صدام حسين» على جريمة الإبادة البشرية في قرية الدجيل، أو المحاكمة الخاصة بالطائرة البريطانية التي اتهم ليبيان بإسقاطها فوق بلدة لوكيربي الأسكتلندية.
وسنعرض تلك المحاكمات بدءا من أول جلسة مرورا بجميع التفاصيل الدقيقة، وصولا إلى إصدار الأحكام النهائية، بكل حيادية وموضوعية، ومن واقع أوراق تلك القضايا والمحاكمات.
في 31 ديسمبر من العام 2005 استيقظت قرية «شمس الدين» بمركز بني مزار بمحافظة المنيا «300 كيلو متر جنوب القاهرة»... على جريمة بشعة راح ضحيتها 10 أشخاص من 3 أسر بالقربة.
وأوقفت الشرطة شابا عشرينيا يدعى «محمد عبداللطيف» - أحد سكان القرية - وتداولت محكمة جنايات المنيا القضية على مدى 7 جلسات قبل أن تبرئ ساحة المتهم، كما أيدت محكمة النقض المصرية الحكم ببراءة المتهم.
وكانت تلك المحاكمة من المحاكمات التي شغلت الرأي العام المصري بدرجة كبيرة، ولايزال يتذكرها بين الحين والآخر، خاصة أن الفاعل الحقيقي لايزال غامضا ومجهولا حتى الآن.
الحكاية بدأت عندما استيقظت قرية «شمس الدين» على أصوات عويل ونحيب من أسر الضحايا، وهم السيد محمود وزوجته صباح علي وولداهما بطونهم مبقورة، وأعضاؤهم التناسلية مقطوعة، وتبين أن الأسر الثلاث تقطن في شارع واحد بالعزبة، وفي 3 منازل متفرقة.
ذعر وهلع
وبحسب الصحف المصرية التي تابعت فصول الجريمة... فقد انتابت أهالي العزبة حالة من الذعر والخوف والقلق، لكن بعد 5 أيام من المذبحة الوحشية، أوقفت شابا من أهل القرية يدعى محمد أحمد محمد عبداللطيف 27 سنة، وتبين بأنه مصاب بانفصام في الشخصية، كما أكدوا أن المتهم أدلى باعترافات مثيرة دون أن يبرر جريمته الشنعاء. حيث تسلل ليلا ، وأثناء استغراق الجميع في النوم إلى منازل ضحاياه مستخدما سلما خشبيا ثم انهال عليهم بساطور وهم نيام، وقد اشتبهت الشرطة فيه من خلال جلبابه الملوث بالدماء، الذي حاولت أسرته إخفاءه، وبعد إعادة مناقشته واستجوابه عدة مرات، اعترف بارتكاب الجريمة تفصيليا، واصطحبت النيابة القاتل لتمثيل كيفية تنفيذه الحادث.
أجهزة الأمن... قالت: إن المتهم محمد عبداللطيف اعترف تفصيليا في تحقيقات النيابة المصرية بعد أن تمت مواجهته بالأدلة، التي كانت أجهزة الأمن توصلت إليها ومنها فردة الحذاء وجلبابه الذي كان يرتديه أثناء ارتكابه الجريمة، حيث قامت إحدى قريباته بغسله وتنظيفه من الدماء، لكن بعض أهالي القرية لم يصدقوا ذلك حيث استنكروا أن يكون أحد أبناء القرية هو القاتل، خاصة أن الأخير من عائلة تربطها علاقات مصاهرة وقرابة مع عائلات الضحايا، وازدادت التساؤلات هل يمكن لشخص أن يفعل كل هذا في مدة زمنية لا تزيد على ساعتين ولا يشعر به أحد؟
التحقيقات الأولية مع المتهم - بحسب النصوص الرسمية - كشفت أن الجاني استخدم ساطورا في قتل الضحايا وتقطيع أطرافهم وبقر بطونهم وقطع أعضائهم التي أرشد عنها المتهم بأنه وضعها في أرضية منازل الضحايا، وأنه تسلق المنازل ودخلها من فوق الأسطح، وأنه تخلص من الساطور بإلقائه في مكان قريب من القرية.
وتبين أن المتهم سبق أن حاول الاعتداء على فتاتين من أقاربه قبل الحادث بـ «5» أشهر وهددهما بالذبح بمطواه بعد أن هجم على منزليهما متسلقا سطحهما، وتم احتواء المشكلة بجلسة عرفية بالقرية.
المتهم محمد عبداللطيف بدا في تحقيقات النيابة شخصا مشوشا... إجاباته بها نوع من الحيرة والدهشة - كما ذكرت صحيفة الجمهورية -. حيث أجاب عندما سئل لماذا قتلت المجني عليهم؟ قائلا «قتلتهم كده وبس!» كما قال «مفيش بيني وبينهم أي مشاكل دول حبايبي وسيد ويحيى مشاركيني في الزراعة، ومش عارف ليه قتلتهم»، وعندما سُئل عن الذي فعله قبل ارتكابه المذبحة أجاب:«كان يوم عادي زي كل يوم، بعد صلاة المغرب رجعت من الأرض مع أبويا وقعدت في البيت اتعشيت مع الجماعة «عدس» وبعدين قعدت في البيت وبعد الساعة 12 تقريبا لقيت نفسي أمشي في شوارع البلد وحدي، مش عارف رايح فين ولا عند مين، أخذت الساطور والسكين بتوعي من كوم القش اللي جنب البيت، وطلعت لبيت يحيى عن طريق الحائط الخلفي، وبعدين نزلت من داخل السلم، لقيت يحيى وزوجته أنعام وأطفاله أسماء والرضيع محمد نايمين على سرير واحد وفي حجرة واحدة قتلتهم كلهم.
وأكمل كلامه المشوش قائلا:«وبعدين تأكدت من موتهم وقطعت أعضاءهم ودورت على مكان أدفنها فيه، فوجئت أن الأرض ناشفة معمولة خرسانة فضلت أدور لحد ما لقيت مكان في الحمام دفنتهم فيه وبعدين دورت في الغرف الباقية على حد تاني يكون نايم علشان أقتله برضه! وقبل ما أخرج من الباب الرئيسي وقعت على صوت الحمام وهو بيرفرف بجناحيه رحت أخدت «4» حمامات ودبحتها ورميت رؤوسها».
وبسؤال عن المكان الذي رمى فيه رؤوس الحمام أجاب: «مش فاكر، وأخذ يسرد ما قام به بعد ذلك قائلا «لا بعدين مشيت ومعايا السكين والساطور ورحت بيت سيد، برضه دخلت عن طريق السطوح من عند الجيران، بعدما طلعت على الحائط الخلفي بأيدي ورجلي، ونزلت من السلم الداخلي في البيت لقيت سيد وزوجته صباح وأطفاله فاطمة وأحمد نايمين كلهم على فراش واحد على الأرض، رحت ساحب السكين والساطور، وبدأت أقتلهم كلهم في لحظة واحدة، وعما إذا حاول أحد الاستغاثة أو قام هو برش مخدر عليهم قبل قتلهم: «لا كلهم كانوا نايمين، ولا استخدمت مخدر ولا حاجة هم كانوا رايحين في النوم وبعدين قطعت أعضاءهم التناسلية ودفنتها بسهولة في حوش البيت، أسفل السلم، حفرت حفرة صغيرة في التراب ودفنتهم ومالقيتش حد تاني في البيت».
وبسؤاله لماذا لم تقتل بنات سيد الكبار ولماذا كنت تكره سيد؟
أجاب: «بنات سيد الكبار ماشفتهمش، لو شفتهم كنت قتلتهم برضه، سيد كان حبيبي قوي وشريكنا في الأرض، وأنا ما أعرفش قتلته برضه ليه».
وبسؤاله رحت فين بعد كده؟ رد قائلا:«خرجت من باب بيت سيد، فضلت ماشي في الشوارع وحدي، كل الناس نايمة، ما حدش قابلني في الطريق خالص، في اللحظة دي لو قابلت حد كنت قتلته، فضلت ماشي لحد مالقيت نفسي فوق سطوح بيت الأستاذ طه عبدالحميد المحامي، نزلت من السلم الداخلي للبيت وأنا ماسك في إيدي السكين والساطور ودخلت حجرة طه «الخارجية» وكان الباب مواربا، لقيت طه نايم لوحده على الكنبة ضربته بالساطور على دماغه، وبعدين رقبته، فوقع على الأرض، وبعدين فتحت بطنَّه وقطعت عضوه، تركته ورحت أدور على أي حد تاني داخل البيت فلقيت الخالة «هند» أم طه نايمة وحدها في الحجرة الداخلية على السرير، ضربتها بالساطور على دماغها وفتحت بطنها ومالقيتش حد تاني».
وبسؤاله: ماذا فعلت بعد ذلك؟ رد قائلا: «فضلت أمشي في الشوارع، دخلت منزلين تانيين بنفس الطريقة لكن مالفيتش فيهم حد كانوا فاضيين، مشيت بعد كده في الشوارع مش عارف رايح فين لحد مالقيت نفسي في مدينة بني مزار»، أما عن مكان الساطور والسكين قال المتهم البرئ: «رميتهم في ترعة الإبراهيمية، وعندما سئل عن عدد الساعات التي أمضاها في تنفيذ المذبحة رد قائلا: «مش عارف».
وبسؤاله: وعملت إيه في بني مزار؟ قال «قعدت شوية على قهوة، وبعدين روحت البلد تاني، لقيت الناس كلها بتصرخ وقالوا إن الناس دول ماتوا مقتولين وعن كيفية انصرافه قال: «رحت بيتنا قعدت شوية وبعدين كنت واقف مع الناس في الشارع. الكل كان بيتكلم عن الجريمة زعلت عليهم خاصة على سيد، ياريت يعدموني علشان أرتاح - أنا عارف إن أهل الضحايا حيقتلوني لو شافوني بس أنا أعمل إيه»، وبسؤاله عن الجلابية الملوثة بدماء الضحايا وأين هي قال:«مفيش دم ولا حاجة، الجريمة جاءت كده لوحدها بالصدفة، دلوقتي نفسي أتعدم وقبل كده كان نفسي أتجور بنت حلوة!».
وأمام النيابة المصرية فجر استشاري الطب النفسي والطبيب المعالج للسفاح الدكتور نصر إبراهيم مفاجأة مدوية، عندما أكد أنه من خلال دراسة حالة المتهم فإنه لا يمكن أن يكون قد ارتكب المذبحة وحده، وأن محمد مريض عقلي مزمن تشخيصه فصام عقلي، بمعنى أوضح تفسخ القوى العقلية للمريض، بما فيها التفكير والمشاعر والإرادة والتصرفات، يكون خلالها المريض فاقدا للبصيرة أي لا يدري أنه مريض ولا يحتاج للعلاج، وأخطار المرض تكمن في أن تتوقع منه أي شيء يؤذي نفسه أو يؤذي الآخرين.
أما عن إمكانية ارتكاب محمد المجزرة لوحده رد الطبيب قائلا: «صعب جدا أن يحدث هذا، فالتنظيم الذي وقعت به الجريمة يؤكد صعوبة أن يكون منفذها شخصا واحدا، لأن هذا التنفيذ يحتاج إلى دقة وإحكام».
وأكد الطبيب في شهادته أمام النيابة أنه يستحيل أن يكون محمد هو مرتكب هذه المذبحة وحده، فالجريمة البشعة التي وقعت لا يمكن أن ينفذها شخص واحد مهما كانت الظروف.
شخص طبيعي
وفي أول مايو 2006 أصدر النائب العام المصري آنذاك المستشار ماهر عبدالواحد بيانا بشأن التحقيقات، التي تجريها النيابة في القضية وتقرير اللجنة المشكلة من أساتذة الطب النفسي وذكر النائب العام في بيانه - بحسب ما جاء في نص البيان - أن اللجنة المشكلة من 3 أعضاء أحدهم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، والثاني استشاري الطب النفسي والثالث الأمين العام بالصحة النفسية، قامت بمناظرة المتهم بقسم المتهمين بمستشفى العباسية مرات عدة منذ تاريخ إيداعه بالمستشفى، وقد انتهت إلى أن حالته لا تستدعي حجزه بأحد المستشفيات العقلية لثبوت عدم إصابته بالمرض العقلي.
وأوضح أن المتهم مهتم بمظهره العام ونظافته الشخصية ومتعاون ويجيب على الأسئلة، ويتفاعل مع المواقف بصورة عادية، ولم تظهر عليه تصرفات تدل على وجود هلاوس سمعية أو بصرية أو تشوش الفكر ويتعرف على الزمان والمكان والأشخاص بصورة طبيعية وكلامه طبيعي ومترابط مع وجود صعوبة في التعبير بسبب قصور قدراته الذكائية، ولم يستدل على وجود أي ضلالات أو اضطرابات.
وقال النائب العام المصري : إن اللجنة رأت أن المتهم لم تظهر عليه أي علامات أو أعراض للمرض العقلي أو النفسي أثناء فترة وجوده بالمستشفى، أما في ما يتعلق بالنوبات العصبية والهياج، التي حدثت له فقد أكد التقرير أنها نتيجة للاستثارة والانفعال العاطفي، خصوصاً عندما يتذكر أحوال والديه وإخوته وإحساسه بالوحدة والغربة ورغبته الشديدة في رؤية أفراد عائلته ويعتبر جميع هذه الملاحظات طبيعية ويمكن حدوثها في مثل هذه الظروف.
وأشار النائب العام... إلى أن ما جاء بتقرير الطب الشرعي بالنسبة لوفاة الضحايا تعزي لإصاباتهم وما أحدثته من كسور بعظام وتهتكات بالمخ والأنسجة الرخوة والأوعية الدموية الرئيسية، وما صاحب ذلك من نزيف دموي غزير وهبوط حاد بالمراكز الحيوية المخية، ولم يظهر التشريح وجود أحشاء داخلية مفقودة أو مستأصلة، وقد أظهرت مطابقة البصمة الوراثية أن الأعضاء التناسلية الخارجية المرسلة للطب الشرعي تنتمي للمجني عليهم الذكور، كما أظهر فحص الخبراء الخاص بالمتهم وجود تلوثات لدماء آدمية تنطلق من البصمة الوراثية لدم المجني عليها فاطمة سيد محمود وجار إعداد القضية للتصرف النهائي بمعرفة نيابة شمال المنيا الكلية.
إحالته على «الجنايات»
ثم أحال النائب العام المتهم محمد عبداللطيف إلى محكمة الجنايات لاتهامه بقتل 10 أشخاص في قرية شمس الدين بمركز بني مزار بمحافظة المنيا وتقطيع أعضائهم وأجزاء من أجسادهم، وذلك بعد ثبوت سلامة قواه العقلية، وفي ضوء اعترافه واعتراف عدد من الشهود بارتكابه المجزرة البشعة،
ونسبت النيابة للمتهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، حيث توجه إلى 3 منازل وتسلق أسوارها، وقتل من فيها مستعملا ساطورا وسكينا، وأنه حمل هاتين الأداتين من دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، وأن المتهم ارتكب جريمته تحت تأثير هاتف دعاه إلى ذلك، فاستل ساطورا وسكينا وتنقل بين المنازل الثلاثة تحت جنح الظلام ليقتل من كان فيها.
الإعدام شنقا
قد طالبت النيابة المصرية بتطبيق مواد قانون العقوبات على المتهم، والتي تقضي بمعاقبته بالإعدام شنقا، وتداولت محكمة جنايات المنيا القضية على مدى 7 جلسات، استمعت فيها لأقوال النيابة والمتهم والدفاع والشهود والطب الشرعي وضباط الشرطة القائمين بضبط المتهم،
ثم أصدرت حكمها ببراءة المتهم من التهم المنسوبة إليه، استنادا إلى بطلان إذن النيابة العامة بالقبض عليه، لكونه قائما على تحريات غير جدية، ولعدم مراعاة إجراءات التحريز بالنسبة للمضبوطات من أدلة الاتهام، وعدم تصور ارتكاب المتهم للجريمة بمفرده من دون استيقاظ أي من المجني عليهم، مستندا في ذلك إلى التقرير الطبي، وبطلان اعترافات المتهم كونها وليدة إكراه مادي ومعنوي.
نقض الحكم
وبعد الحكم بأيام قدم المستشار العام لنيابات شمال المنيا المستشار يسري عبدالجواد ومحامي أسر الضحايا المحامي سمير الصفتي طعنا بالنقض على الحكم الصادر من محكمة جنايات المنيا ببراءة محمود عبداللطيف، وقد قبل النائب العام الطعن، ويذكر أن حكم البراءة قد صدر من محكمة جنايات المنيا بعد أن استمر حبس المتهم 9 أشهر.
طلبت نيابة النقض من المحكمة في بداية الجلسة رفض الطعون المقدمة من النيابة العامة والمدعين بالحقوق المدنية من أسر الضحايا، وتأييد حكم محكمة الجنايات ببراءة المتهم محمد عبداللطيف والتمس محامي المدعين بالحقوق المدنية من ورثة الضحايا بإلغاء حكم محكمة الجنايات المطعون فيه وإعادة محاكمة المتهم أمام دائرة أخرى من دوائر محاكم جنايات المنيا، وأن الطعن بالنقض على حكم البراءة جاء لأسباب عديدة منها الفساد والتعسف في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ومخالفة ما جاء في أوراق الدعوى.
في حين قالت النيابة العامة - كما نشرت صحيفة الأخبار - إنها قدمت المتهم بأدلة ثبوت دامغة، وأن تحريات المباحث جاءت قاطعة بارتكابه الجرم، فضلا عن أن المتهم نفسه اعترف أمام المباحث والنيابة بارتكابه الجريمة، وقام بتصوير كيفية قيامه بها، وبناء على ذلك قررت محكمة النقض في جلستها برئاسة المستشار حسن حمزية تحديد جلسة «22» ديسمبر 2007 للنطق بالحكم في قضية «مذبحة بني مزار».
في الجلسة التي حددتها محكمة النقض للنطق بالحكم... برأت المحكمة محمد علي عبداللطيف من تهمة قتل 10 أشخاص، حيث تلا المستشار ملخصا حول ظروف وملابسات الواقعة، والحكم الصادر فيها، وطالب رئيس نيابة النقض بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد حكم محكمة الجنايات.
أسباب البراءة
واستمعت المحكمة لهيئة دفاع المتهم والمدعين بالحق المدني على مدى ساعتين. حيث أكد دفاع المتهم أن حكم محكمة الجنايات صحيح، وأن أسباب البراءة جميعها جاءت متساندة، بالإضافة لاستحالة ارتكاب الواقعة لشخص واحد خلال ساعتين، واطمأنت محكمة النقض لبطلان القبض والتحريات واعتراف المتهم لكونه وليد إكراه، كما أن جميع التقارير الطبية لمصلحة الطب الشرعي، أكدت عدم استطاعة المتهم بارتكاب هذه الواقعة بمفرده، والتمس الدفاع رفض طعن النيابة، وتأييد الحكم بالبراءة.
في حين رفض دفاع المدعين بالحق المدني حكم النقض، مؤكدا أن الحكم لا يوجد به ثمة آثار تفيد وقوع المتهم تحت ضغوط للاعتراف، وأن اعترافه بارتكاب الواقعة جاء وليد إرادة حرة، كما أنه صور الواقعة وكيفية تسلقه منازل - المجني عليهم- وإرشاده لبعض أجزاء جثامين الضحايا.
وبالرغم من فرحة محمد عبداللطيف وأسرته بالبراءة، لكن أهالي القرية، خصوصاً أهالي المجني عليهم لم يتقبلوا هذا الحكم، فهناك أحزان في بيوت الضحايا وخوف ورعب يسيطران على معظم أبناء القرية والقرى المجاورة، والجميع يتساءل: ما دام محمد خرج براءة، فمن الذي ارتكب المجزرة البشعة، خاصة وأنه مازال طليقا، ولم يعرف أو يقبض عليه حتى الآن.
محمد عبداللطيف عبر عن سعادته للبقاء وسط عائلته، وعودته إلى حضن أمه ووالده وأخوته، خاصة وأنه - كما أكد - محبوس بمفرده، ولم يكن يتحدث إلى أحد، أما أهالي الضحايا توعدوا بالانتقام، إذا لم يثأروا من القاتل... ومحمد وأهله يعيشون الآن في عزبة أبوحجر التابعة لقرية والقيس ويقيمون في ضيافة أحد الأعيان خوفا من الانتقام.