صور من الحياة القديمة في جزيرة فيلكا
الحياة القديمة... وإحياء ليالي رمضان / 2
1 يناير 1970
08:44 ص
| خالد سالم محمد |
تعد جزيرة «فيلكا» من الآثار التاريخية المهمة في الكويت القديمة، وان عصورا عديدة مرت عليها تشير إلى حضارتها، وما تميزت به قديما من ثقل حضاري وتجاري في الخليج العربي.
وسنبحر مع الباحث خالد سالم محمد عبر بعض فصول كتابه المهم «صور من الحياة القديمة في جزيرة فيلكا»، والذي تحدث فيه عن هذه الجزيرة التي هي من اهم جزر الكويت وتقع عند مدخل «الجون» في مواجهة العاصمة من جهة الشرق على بعد عشرين كيلو مترا، تحدها من الجهة الشمالية الغربية جزيرة «مسكان» ومن الجهة الجنوبية الشرقية جزيرة «عوهة»، طولها اثنا عشر كيلو مترا وعرضها في بعض الجهات ستة كيلومترات. على شكل مثلث مستطيل الاضلاع.
وعدد سكانها حسب احصائية عام 1980 «4844» نسمة منهم «2552» غير كويتي، وهي الجزيرة الكويتية الوحيدة الآهلة بالسكان وتعتبر ثاني جزر الكويت مساحة بعد جزيرة بوبيان.
وتقوم جزيرة فيلكا على سهل طيني ضحل المياه شكلته رواسب شط العرب، سطحها منبسط فيما عدا بعض التلال المتناثرة، اعلاها «تل شبيجة» في الجهة الجنوبية من الجزيرة، شواطئها رملية ناعمة، مناخها قاري بارد شتاء وحار صيفا، اما فصلا الربيع والخريف فالجو معتدل، هذا وتقل نسبة الغبار في هواء الجزيرة معظم السنة (1).
جزيرة فيلكا عريقة في القدم، وقد اكتشفت فيها آثار تعود إلى عصور ما قبل الميلاد خصوصا العصر الهلينستي «القرن الثالث ق. م.» والذي بلغت فيه فيلكا اوج ازدهارها.
وتنقسم فيلكا الآن من الناحية العمرانية إلى:
-1 فيلكا القديمة:
وتمثلها قرية «الزور» على الساحل الغربي وتمتد من منطقة «البلط» في شمالي الجزيرة وحتى آبار «الممزر» في جنوبها. وقد سكنها الأهالي حوالي عام 1773 بعد ان هجروا قراهم القديمة بسبب الاوبئة. ويمتاز ساحل الزور بطابعه القديم حيث المباني التي يعود تاريخ بناء بعضها إلى بداية هذا القرن.
-2 فيلكا الحديثة:
ويفصلها عن فيلكا القديمة في الوقت الحاضر شارع الميناء الذي يحاذي منطقة «الممزر» التي اشتهرت بآبار المياه العذبة والتي كانت السفن التجارية الكبيرة وسفن الغوص على اللؤلؤ تتزود منها بالمياه قبل سفرها.
وتمتاز فيلكا الحديثة بمبانيها العصرية، وفللها الجميلة وقد انتقلت اليها معظم مرافق الدولة.
وسكان جزيرة فيلكا هم شريحة من شرائح المجتمع الكويتي بعاداته وتقاليده واصالته، ولموقع الجزيرة وعزلتها في الماضي بعض الاثر في حياتهم الاجتماعية والمعيشية خصوصا مجتمع ما قبل النفط.
التنظيم العمراني الذي شمل الجزيرة منذ عام 1967، غير من طابعها القديم الذي ظلت محافظة عليه منذ اكثر من مئتي عام. وبالتحديد من عام 1773 وهو التاريخ الذي وطئت اقدام الاهالي هذه البقعة من سواحل الجزيرة على اثر الوباء الذي اجتاح قراهم القديمة الواقعة في شمال وجنوب الجزيرة فجعل البعض يهاجر نهائيا عنها، والبعض الآخر ينتقل من مكان الوباء إلى ساحل جديد، وكان الساحل الجديد الذي وقع الاختيار عليه هو ساحل «الزور» الآهل بالسكان في الوقت الحاضر. وقد فضله الاهالي على بقية سواحل الجزيرة لاسباب مر ذكرها اثناء الحديث عن الهجرة إلى الجزيرة.
ومع مرور الزمن نزحت عائلات عربية عديدة من مناطق مجاورة وامتزجت بسكان الجزيرة الاصليين هذا وقد كانت بيوت الاهالي قبل التنظيم العمراني تمتد شمالا على الشريط الساحلي من «بكشة محمد جاسم» قرب منطقة «البلط» حتى «آبار الممزر» جنوبا بمساحة تقدر بنحو ثلاثة كيلو مترات ونصف تقريبا وعلى الرغم من طول هذه المسافة نسبيا خصوصا على كبار السن، الا ان الاهالي كانوا يتواجدون يوميا في سوق الجزيرة الواقع في منتصفها عند مكان يسمى «الدجة» وسمي بهذا الاسم لكونه المقر الرئيسي لأمير فيلكا الاسبق الشيخ سعود. وبالقرب منه يقع سوق السمك الذي كان الناس يتواجدون فيه منذ الصباح الباكر، ويلاصقه من الجهة القبلية المقهى الوحيد في الجزيرة والذي كان يديره المرحوم «محمود عمر» بالاضافة إلى عدد من «الدكاكين».
وكان السوق يغص بالأهالي في اغلب ساعات النهار، خصوصا في المناسبات والاعياد وشهر رمضان المبارك، حيث يعرض فيه مختلف انواع الخضار والفواكه والالعاب المسلية والحلويات التي كانت تجلب من اسواق الكويت، كما يباع فيه الثلج في ايام الصيف.
وبالاضافة إلى هذا السوق كان الاهالي يتجمعون قرب الاكشاك الواقعة على ساحل البحر، حيث ترد الجزيرة «ابلام البصارة» وهي سفن من نوع «البلم» تأتي من مدينة البصرة محملة بمختلف الحاجيات الضرورية، مثل السعف والكرب والملح «والحصران» و«المهاف» وبعض الفواكه والخضار مثل العنب والبلح «الخلال» والبطيخ والمشمش والتفاح الاخضر الصغير، والبامية والقرع، والخيار، وكانت هذه البضائع عند عرضها في ظلال هذه الأكشاك وبالقرب منها، تشكل سوقا موسميا يتجمع عنده معظم رجال الجزيرة في الصباح والمساء للشراء ولرؤية بعضهم البعض اما مجتمع الجزيرة من الناحية الاجتماعية فمترابط ومتعاون، فما ان يغيب الرجل عن المسجد فرضين او ثلاثة، حتى يسأل عنه، ويزار ان كان مريضا، وكانت هناك عادة طيبة، اذ كان الزائر عندما يعود احد المرضى يجلس بالقرب منه يشد من ازره، ويواسيه، ويطلب له العفو والعافية، وفي غفلة يدس يده تحت فراشه ببعض النقود ليقينه بان هذا المريض لا يستطيع بسبب مرضه ان يعيل اهله، فكانت هذه اللفتة الانسانية من زواره لاعانته على العيش خلال مرضه.
فاذا توفي احد من الاهالي فإن كل رجال الجزيرة يشيعونه ويمدون يد العون والمساعدة لاهله وذويه وكذلك في الافراح هم يد واحدة، يشاركون بعضهم البعض فرحتهم في احياء اي مناسبة سعيدة.
فقديما كانت معظم بيوت الجزيرة تبنى بطريقة «الفزعة» وهي تكاتف الاهل والجيران ومساعدة بعضهم البعض في توفير مواد البناء وتشييد السكن. فقد كانوا لا يعرفون شيئا اسمه الاجرة.
اما في مجال الصيد وهو العمل الرئيسي الثاني قديما بعد الزراعة في الجزيرة فإن الرجال يد واحدة يتعاونون في صنع الشباك والحبال وتجهيز معدات الصيد كلها، واعداد القوارب وانزالها إلى البحر، فكانوا بمجرد ان يشاهدوا احدا يريد ان ينزل قاربه إلى البحر او يسحبه إلى اليابسة، يهبون هبة رجل واحد مقدمين يد المساعدة والعون له. وكان هذا ينطبق ايضا على العمل في الزراعة - وبقية الاعمال الاخرى.
اما النسوة فكن خير معين لازواجهن خلال تلك الفترة، ويحدثنا كبار السن ان النساء كن يساعدن ازواجهن في مجال الزراعة طوال اليوم كما كن يساعدن في اعداد شباك الصيد وتصليحها وانزال القوارب إلى البحر في موسم «الهيال» وكان البعض منهن يسهرن طوال الليل في فصل الصيف على الشاطئ في انتظار رجوع ازواجهن واولادهن من عرض البحر، لكي يساعدن في تنظيف الشباك وجر القوارب إلى اليابسة، وحمل بعض عتاد السفينة إلى البيت.
هذا بالاضافة إلى عملهن اليومي في المنزل مثل اعداد الطعام، ونقل الماء والحطب وطحن القمح وعجنه واعداد الخبز، فكن يتجمعن على شكل مجموعات لكي يؤدين هذه الاعمال.
فمثلا عند نقل ماء الشرب إلى البيوت، كن يذهبن إلى الابار الواقعة في منطقتي «المطينة» و«جريان» في الصباح الباكر لكي ينهين عملهن قبل ارتفاع حرارة الشمس، وعند نقل الحطب كن يذهبن إلى البر بعد تناول طعام الغداء، ويعدن قبل غروب الشمس بقليل، لكي يستعددن لاعداد الخبز حيث يتجمعن في بيت احدى الجارات امام التنور، وكل واحدة في انتظار دورها ويبقين على هذه الحالة حتى قرب صلاة العشاء احيانا، كما كن يساعدن في البناء، خصوصا تبييض غرف البيوت من الداخل قبل دخول موسم الشتاء، ويطلق على هذه العملية «الشخان».
كما كانت النسوة يساعدن بعضهن البعض في حالة مرض احداهن حيث يقمن بطهي الطعام ونقل الماء والحطب وانجاز الاعمال المنزلية الضرورية للجارة المريضة.
فحياة الناس قديما بسيطة، فيها الود والتراحم، والامانة والصدق، ففي مجال العمل والمعاملة لا توجد هناك طبقات فكل اهالي الجزيرة يد واحدة في السراء والضراء، وفي كسب لقمة العيش الشريفة، فحتى امراء الجزيرة قديما كانوا يعملون ويكسبون عيشهم شأنهم شأن بقية الأهالي، ويروى عن الشيخ «سعود» أمير فيلكا في بداية هذا القرن، انه كان يخرج إلى «الهيال» وهو موسم صيد السمك ايام الصيف، على الرغم من انه كان يعاني من شلل جزئي في اطرافه السفلى، فكان رجاله يحملونه إلى ظهر القارب.
وكانت الدواوين منتشرة في ارجاء الجزيرة، مفتوحة الابواب للجميع، خصوصا في شهر رمضان المبارك، حيث يكون العمل خفيفا في هذا الشهر، ومعظم رجال الجزيرة لا يخرجون إلى الصيد فيه فكانت هذه الدواوين كما قلنا مفتوحة للقريب والبعيد حيث يتلى فيها القرآن الكريم ويذكر فيها اسم الله وتقام فيها الموالد، وينام فيها الغريب الذي يكون مارا بالجزيرة، وكثيرا ما كان الامراء والشيوخ من آل الصباح الكرام، يزورون الجزيرة في معظم ايام السنة خاصة في الاعياد والمناسبات، ولهم صالونات ومجالس وقصور في انحاء متفرقة من ارض الجزيرة، يلتقون فيها بالاهالي للسؤال عن احوالهم ومد يد العون والمساعدة لهم.
وكان الاهالي حريصين على تنظيف احياء جزيرتهم وازقتها، على الرغم من حياتهم البسيطة، فكل بيت كان مسؤولا عن تنظيف الأزقة التي تحيط به، وعندما يكون هناك زوار مهمون للجزيرة من الشيوخ والامراء كان المرحوم «علي أحمد بندر الشهير بعلي بساك» يطوف احياء البلدة مناديا بأعلى صوته حاثا الناس على تنظيف ازقة الجزيرة وساحتها، فكانت النسوة عندما يسمعن النداء، يتسابقن إلى تنفيذه في الحال، وكانت عملية تنظيف الازقة تتم ليلا.
وكان الامن مستتبا في الجزيرة، لاتوجد هناك مشاكل، ولا جرائم ولا سرقات كبيرة، انما كانت هناك بعض الخلافات البسيطة تحصل في مجال العمل اليومي بين المزارعين والصيادين، وكثيرا ما كان امراء الجزيرة يحلونها بالحسنى، فالأمير مهاب محترم مسموع الكلمة لانه يمثل السلطة الحاكمة في البلد، فكان يضرب ويحبس ويسهر على ضبط الامن والنظام في الجزيرة ليلا ونهارا.
المولد النبوي الشريف
لا تكاد تمر مناسبة دينية، الا ويحتفى بها في الجزيرة، وذلك باقامة احتفال ديني كبير في المسجد الجامع بعد صلاة العشاء.
فمثلا... المولد النبوي الشريف... فقد جرت العادة ان توضع بعد صلاة المغرب طاولة كبيرة بالقرب من مصلى الامام وعليها اعداد من «المباخر والمرشات» وهي من الوسائل القديمة التي كان يوضع فيهما البخور وماء الورد، كما يوضع ايضا سراج كبير فوق الطاولة لكي يعرف المصلون ان احتفالا دينيا سيقام هذه الليلة بعد صلاة العشاء، وما ان يجيء موعد الصلاة حتى يغص الجامع بالمصلين الذين قدموا لاداء الصلاة والمشاركة في احياء هذه الليلة المباركة. وبعد ان ينتهي الامام من الصلاة يتلو الدعاء، ثم يبدأ بقراءة قصة المولد النبوي الشريف واثناء تلاوة الامام يطوف الصبيان على الحاضرين بآنية البخور وماء الورد، وبعد ذلك يؤتى بالقهوة الحلوة، وهي عبارة عن زعفران مغل بالماء ومضاف اليه السكر وحب الهال، وتوضع في اباريق كبيرة ملونة تسمى «غواري الملبس» وتسكب في فناجين القهوة المرة، وتقدم للحاضرين وهي ساخنة، وهذا تقليد قديم متبع في الجزيرة في معظم المناسبات الدينية والاجتماعية، وتقدم هذه القهوة المرة تلو الاخرى إلى ان ينتهي الامام من التلاوة وغالبا تجهز القهوة في بيت امام المسجد او بعض البيوت المجاورة له.
شهر رمضان المبارك
ينتظر الناس حلول شهر رمضان المبارك بفارغ الصبر، وسكان الجزيرة عادة مثل اخوانهم في الكويت يستعدون لقدوم هذا الشهر الفضيل، فيعدون له العدة مما يلزم من مواد غذائية وتموينية، وبما ان اعداد هذه المواد قديما يأخذ بعض الوقت، فانهم يقومون بتحضيرها قبل شهرين كاملين من قدوم رمضان. فيقومون بدق «الهريس» وطحن القمح وتحضير السمن والسكر ولوازم الحلويات، وايضا يستعدون بتوفير كمية من الحطب اللازمة للوقود، يشترون بعضها من «ابلام البصرة» وهي «الكرب والسعف» او يحضرونها من بر الجزيرة ويخزنونها في ركن خاص من الحوش.
وليالي شهر رمضان وايامه لها نكهة خاصة، فمعظم الرجال المتواجدين في الجزيرة خلال هذا الشهر يستريحون من عناء العمل نهار رمضان. وتبدأ النسوة باعداد ما يلزم للافطار منذ الصباح فيقمن بخبز «الرقاق (2)»، وهو خبز رقيق يشكل طبقا رئيسيا عند الافطار، ويعمل منه طبق الثريد، وكذلك عمل «الهريس» واللقيمات والبثيث والخبيص والنشا والساقو وغيرها من الاكلات الرمضانية القديمة، وكنا نحنو صغار نشتم رائحة، هذه الاكلات الشهية تنبعث من فوهات المطابخ عبر الازقة القديمة الضيقة عند مرورنا بها.
ويتجمع الصبيان قبل غروب الشمس بقليل عند الجامع الكبير في الجزيرة يلهون ويلعبون بانتظار صعود المؤذن للمنارة، وما ان يرفع الاذان حتى ينطلقوا مسرعين إلى بيوتهم معلنين لأهاليهم خبر الاذان لصلاة المغرب، وهذه العادة قديمة في الجزيرة، وربما يعود سببها لعدم سماع الناس في بيوتهم للاذان خصوصا في فصل الشتاء، فقد تعود الاولاد ان يقوموا بهذه المهمة.
ليالي رمضان
جرت العادة عند اهالي الجزيرة ان يفتحوا دواوينهم طوال شهر رمضان المبارك ويقدموا فيها موائد الافطار، ويؤم هذه الدواوين الكثير من الرجال سواء من اهالي الجزيرة او ممن يتواجدون فيها خلال هذا الشهر الفضيل، وكانت هذه الدواوين تفتح قبل الافطار بساعتين، وبعد صلاة التراويح مباشرة تبدأ الزيارات مرة اخرى لهذه الدواوين، حيث يوجد في معظمها قارئ او اثنان لتلاوة القرآن الكريم طوال الشهر، ولكثرة هذه الدواوين يحاول روادها ان يطوفوا على اكبر عدد ممكن إلى ان يحين موعد السحور حيث يتناولونه في آخر ديوانية يتواجدون فيها، وعند وصولهم إلى احد الدواوين يسلمون على الحاضرين ويباركون لهم بالشهر ويأخذ كل منهم مكانه، والبعض ممن يجيدون تلاوة القرآن الكريم يتناوبون مع مقرئ الديوانية، حيث يقرأ كل واحد منهم جزءاً أو اكثر مما يتيسر من الذكر الحكيم، ثم بعد ذلك تقدم لهم «الغبقة» وهو طعام يقدم في حوالي الساعة العاشرة في كل ليلة من ليالي شهر رمضان ويتألف من اصناف عديدة من الأكل الطيب. هذا بالنسبة للرجال. اما النساء فيقمن ايضاً بالزيارات في بيوتهن ويباركن لبعضهن البعض بالشهر الكريم، ويعدن قبل منتصف الليل لعمل «السحور» وكانت وجبات السحور قديماً دائماً طازجة وساخنة في كل ليلة.
وما ان يحين موعد السحور حتى يسمع صوت «طبل المسحراتي» «بو طبيلة» وهو شخص تخصص بهذه المهنة وهي ايقاظ الناس للسحور. حيث يطوف معظم ازقة الجزيرة رافعاً صوته بالتهليل والدعاء. قارعاً طبلة بين فينة واخرى. مردداً:
إقعد يا نايم
يهديك الدايم
اشرب ميه قراح
قبل ما يصبح عليك الصباح
وبعد تناول طعام السحور واداء صلاة الصبح يخلد البعض للنوم إلى قرب صلاة الظهر، ويذهب البعض الآخر للعمل، وغالباً ما يكون العمل في شهر رمضان خفيفاً بالنسبة للرجال المتواجدين في الجزيرة.
القرقيعان
من أهم مظاهر شهر رمضان الكريم قديماً، وينتظر قدوم الصغار والكبار لتعم الفرحة الجميع، وفي الجزيرة يقوم الاولاد بالطواف على البيوت في ليلة الخامس عشر من الشهر الفضيل، معلقين على صدورهم أو ممسكين بايديهم اكياساً من القماش تسمى «خرايط» مرددين عند دخولهم البيوت:
قرقيعان وقرقيعان
بين قصير ورمضان
عادت عليكم صيام
كل سنة وكل عام
ياالله تسلم ولدهم
يا الله تخله لامه
عسى البكعا ماتخمه
ولا توازي على امه
وغالباً ما يرددون ايضاً سلم «ولدهم يا الله خله لأمه يا الله» منفردة عدة مرات. مصحوبة باسم ابن العائلة.
وينقسم الأولاد إلى عدة مجموعات، مثلاً الأولاد الصغار يقومون بالطواف على البيوت القريبة من بيوتهم في وقت مبكر نسبياً، اما الأولاد الكبار فيظلون يطوفون ازقة واحياء الجزيرة حتى ما بعد منتصف الليل مصطحبين معهم الطبول والدفوف وبعض الآلات الموسيقية، ويجمعون كميات كبيرة من «القرقيعان» تصل إلى عدة اكياس يقومون باقتسامها في نهاية المطاف أو في صباح اليوم التالي، كما يقوم الأولاد الكبار بخطف اكياس القرقيعان من الصغار وتخويفهم والوقوف لهم في الأزقة الضيقة احياناً لذا فالصغار يتحاشونهم ويولون هرباً عند سماعهم وقع اقدامهم.
وكذلك البنات يقمن بالطواف على البيوت بمفردهن عن الأولاد، كما ان بعض النسوة يقمن بزيارات لبعضهن البعض في هذه الليلة.
صباح يوم العيد
تصحو النسوة في الصباح الباكر، وذلك لاعداد وجبة العيد لتكون جاهزة بعد انتهاء الصلاة. وغالباً ما تتكون هذه الوجبة من الأرز المطبوخ باللحم والسمك. اما الرجال والصبية الكبار فيبدأون في ارتداء ملابسهم الجديدة وبعد ان يتبخروا ويأخذوا زينتهم يتوجهون لاداء صلاة العيد. اما الأولاد الصغار فيتجمعون حول الجامع مرتدين ملابس العيد، وكل واحد ينظر إلى «دشداشة» الآخر متمعناً في لونها وطريقة خياطتها ونوع القماش، حيث تجرى مفاضلة في ما بينهم. ثم بعد ذلك يبدأون باللعب والجري وراء بعضهم البعض طوال فترة الخطبة والصلاة. ويقومون بضرب بعضهم البعض اثناء الجري بقبضة اليد وتسمى هذه الضربة «طقة العيد» ولا يكاد يسلم منها احد.
وبعد انتهاء الامام من خطبة العيد وخروج المصلين من الجامع ينطلق الأولاد وسط ضجة الفرحة بهذا اليوم، ويتجمعون على شكل مجموعات كل مجموعة تضم عدداً من الاصدقاء والاقارب والجيران، ويقومون بالطواف على البيوت، وما ان يدخلوا حتى توضع لهم «السفرة» ويقدم لهم طعام العيد حاراً، ويتناولون قليلاً منه ثم يذهبون إلى بيت ثان وثالث وهكذا إلى ان يأخذوا كفايتهم من الطعام ثم يتفرقون ويذهب كل واحد منهم لطلب «العيدية» من الأهل والأقارب.
اما الرجال فهم ايضاً يتجمعون على الطريقة نفسها السابقة ويطوفون على بيوت بعضهم البعض، وكل واحد يعزم على اصحابه للذهاب إلى بيته لتناول طعام العيد.
وفي فترة العصر يتجمع الرجال عند «الدجة» وهو سوق الجزيرة القديم، حيث يحيط بهم الأولاد لطلب العيدية، وشراء الألعاب والحلويات المختلفة التي يحضرها اصحاب الدكاكين من مدينة الكويت. ويكتظ سوق الجزيرة بالرجال والأولاد وزوار الجزيرة في اليومين الأول والثاني، كما تعج قهوة «محمود عمر» وهي القهوة الوحيدة التي كانت موجودة في هذا السوق بالحركة، ويعلو صوت الراديو، وصوت «الحاكي» القديم ذي الاسطوانات الحجرية، كما تقام في بعض المناسبات والأعياد العرضان الشعبية وخاصة عند قدوم الشيوخ من آل الصباح إلى الجزيرة.
وحتى ما بعد منتصف الخمسينات كان اصحاب العربات التي تجرها الخيول وبعض اصحاب السيارات من نوع «النساف» يقفون وسط السوق لتوصيل الأولاد إلى منطقة «القرينية» والعودة بهم ثانية إلى السوق مقابل «4 آنات» وكانوا يرددون بأعلى اصواتهم منادين على الأولاء بعبارة «القرينية 4 آنات».
كما يقوم المسحراتي في ثالث يوم العيد بالطواف على بيوت الأهالي لجمع اجرته منهم نظير ايقاظهم للسحور، وقديماً كان يلف على البيوت راكباً دابته يتبعه الصبية حيثما سار فكان اصحاب البيوت يعطونه من غالب قوت البلد رزاً أو تمراً أو طحيناً، وبعض الأسر الميسورة تجود عليه ببعض النقود. وفي السنوات التي تلت اصبح يأخذ من كل بيت سعراً شبه موحد وهو روبية عن كل اسرة.
وكان يردد اثناء طوافه على البيوت: «عادت عليكم والشر ما يجيكم».
موسم الحج
كان لموسم الحج قديماً وضع يختلف عما هو عليه اليوم من حيث الاحتفاء بمن يؤدي هذا الركن من اركان الإسلام. فموسم الحج له مكانة عظيمة في نفوس الناس، فما ان ينوي احد من الأهالي الذهاب إلى الديار المقدسة حتى يستعد له اهله بما يلزم من امتعة وعتاد ومؤن لهذه السفرة المباركة. فيودعونه بالزغاريد والفرح الممزوج بحرقة الفراق، داعين له بالحج المبرور والعودة السالمة الميمونة إلى الأهل والوطن.
وكان من عادة الأهالي قديماً عندما يذهب احدهم إلى الديار المقدسة ينصبون «المراجيح» في البيوت ليلعب بها الصغار طوال اليوم، واحياناً يشاركهم الكبار ايضاً، وهذه عادة قديمة متوارثة. كما كانوا يرفعون الأعلام الملونة على اسطح المنازل طوال فترة الحج. وعند عودة الحجيج يجتمع الأهالي على ساحل البحر بانتظار وصول المركب «اللنش» الذي يقلهم عائدين من الكويت بعد ان ادوا مناسك الحج. وتعم الفرحة الصغار والكبار بهذه المناسبة، حيث تكون الدواوين قد اعدت، واستعد الأهالي لاستقبال اقربائهم وأهل بلدتهم العائدين من قضاء الفريضة بالعناق والشوق، فيقومون بتوزيع «الشربات» على الجميع حيث يملؤون اواني كبيرة بالشراب ذي الألوان المختلفة ويوزعونه على كل من يمر بالقرب من بيت الحاج. وسط ضجة الأولاد وهم يلهون بمختلف الألعاب والهدايا التي احضرها الحجاج.
وكذلك كان يقيم اقرباء العائدين من الحج مآدب يدعون اليها الناس طيلة اسبوع كامل. وهذا كما قلت تقليد قديم متوارث ولا عجب، فرحلة الحج قديماً كانت تعتبر رحلة العمر، خصوصاً وانها تستغرق عدة شهور حيث يذهب الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة على ظهور الجمال، ويتعرضون خلال رحلتهم إلى متاعب شتى اثناء الطريق، واحياناً يعترض طريقهم قطاع الطرق، لذا كانوا عند عودتهم يستقبلون بالاحضان بعد هذه السفرة المباركة بعد ان ادوا فريضة الحج التي هي ركن من اركان الإسلام.