قصار ولكن ... عظماء

فولتير... زعيم في مدرسة التنوير / 11

1 يناير 1970 03:38 م
|القاهرة - من أحمد نصير|
«كل قصير مكير ... احذروا كل من اقترب من الأرض ... كل قصير خطير، القصير يا حكمة يا نقمة»... كثيرة هي تلك الأمثال التي تتحدث عن قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، بعضها سخرت منهم وأغلبها حذرت من دهائهم ومكرهم وقدرتهم على المراوغة والمناورة.
لكن التاريخ يؤكد أن «كل قصير عظيم»... أو بالأحرى أن أغلب العظماء كانوا من قصار القامة، سواء من الزعماء أو القادة العسكريين أو الأدباء والمفكرين ومشاهير الفن والرياضة.
ومن أبرز الشخصيات المشهورة بقصر القامة... الفرعون المصري توت عنخ آمون، والقائد المغولي هولاكو، وإمبراطور فرنسا نابليون الأول ولويس السابع عشر، والسلطان العثماني سليم الأول، والملكة فيكتوريا، ونلسون وستالين وهتلر وموسوليني وفرانكو وغاندي ونلسون مانديلا وخروتشوف وأيزنهاور وغاغارين «أول من صعد إلى الفضاء» وغيرهم.
أما نجوم الفن والرياضة فأبرزهم بيكاسو ودافنشي وأسطورة الكوميديا تشارلي شابلن والمطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والسندريللا سعاد حسني وغيرهم، ومن لاعبي كرة القدم: الأسطورة ماردونا واللاعب الأرجنتيني الساحر ميسي وغيرهما.
وهناك من الأدباء فولتير ويحيى حقي وإبراهيم المازني وإبراهيم ناجي وأمير الشعراء أحمد شوقي والأديب أحمد حسن الزيات.
الكاتب الصحافي المصري أنيس منصور قال : كان لأستاذنا العقاد نكتة خشنة يقولها أحيانا... يقول: الناس عندما يرونني أنا والمازني يقولون : هؤلاء العشرة، أي رقم 10 ـ أي العقاد هو الواحد والمازني هو الصفر لقصر قامته... وكان العقاد يضحك لذلك كثيرا.
وأضاف: لم نقرأ أو نسمع أن قصار القامة كانوا يعانون من هذا العيب في الطفولة أو في سنوات المجد... فقط الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي قال: أنا قصير مثل نابليون... وكانت أم الرئيس ساركوزي هي التي تقول: إن ابني يخلع حذاء عالي الكعب من أجل حذاء آخر أعلى كعبا!... لعلها تقصد كعب الجميلات حوله!
غير أن علماء النفس يقولون إن: هتلر وموسوليني وفرانكو وستالين وغيرهم من قصار القامة عمدوا إلى تحصيل قوة الشخصية وجمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عز عليهم أن يغيروا ما وهبتهم الطبيعة إياه من أجسام وقامات.
وعبر سطور «الراي»... نروي حكايات عدد من هؤلاء ومسيرة صعودهم، وكيف أصبحوا عظماء وإن اختلف البعض حولهم... فتابعونا حلقة بعد أخرى.

عرف الأديب الفرنسي الشهير فولتير... بأنه كان قصير القامة، دميما وزير نساء غير أنه رغم هذا كان واحدا من الذين مهدوا لاندلاع الثورة الفرنسية.
ولد الكاتب الفرنسي فرانسوا ماري أرويه الذي ذاعت شهرته تحت اسم «فولتير» في 11 نوفمبر العام 1694 في باريس وكان الأخ الأصغر لـ 5 من الأطفال لم يعش منهم سواه.
كان والده يعمل موثقا عاما وموظفا رسميا في وزارة المالية أما والدته ماري مارغريت دومارت فكانت تنحدر من أصول نبيلة تنتمي لمقاطعة بواتو.
تلقى فولتير تعليمه في إحدى مدارس اليسوعيين في الفترة ما بين عامي 1704 و1711 حيث تعلم اللغة اللاتينية كما أصبح في فترة لاحقة من حياته بارعا في اللغتين الإسبانية والإنكليزية.
مساعد محام
وعندما أنهى دراسته كان قد عقد العزم على أن يصبح كاتبا بالرغم من أن والده كان يريد أن يصبح ابنه محاميا، ولكن فولتير الذي تظاهر بأنه يعمل في باريس في مهنة مساعد محاما كان يقضي معظم وقته في كتابة الشعر الهجائي. وعندما اكتشف والده الأمر أرسله لدراسة القانون ولكن هذه المرة في المقاطعات الفرنسية البعيدة عن العاصمة.
استمر فولتير في كتابة المقالات والدراسات التاريخية التي لم تتصف دائما بالدقة، على الرغم من أن معظمها كان دقيقا بالفعل. وأكسبه الظّرف الذي كانت شخصيته تتصف به شعبية في دوائر العائلات الأرستقراطية التي كان يختلط بها.
واستطاع والد فولتير أن يحصل لابنه على وظيفة سكرتير السفير الفرنسي في الجمهورية الهولندية حيث وقع فولتير في هوى لاجئة فرنسية تدعى كاثرين أوليمب دانوير.
وأحبط والد فولتير محاولتهما للفرار معا والتي ألحقت الخزي به وتم إجبار فولتير على العودة إلى فرنسا مرة أخرى.
ودارت معظم السنوات الأولى من حياة فولتير في فلك واحد وهو العاصمة الفرنسية باريس. ومنذ تلك السنوات المبكرة وما تلاها من سنوات عمره دخل فولتير في مشكلات مع السلطات بسبب هجومه على الحكومة وعلى الكنيسة الكاثوليكية وقد أدت به هذه الأنشطة إلى التعرض مرات عديدة للسجن وللنفي.
وفي العام 1717 وفي بداية العشرينات من عمره اشترك فولتير في المؤامرة التي تزعمها الكاردينال جيوليو ألبروني ضد فيليب الثاني دوق أورليون والذي كان وصيا على عرش الملك الصغير لويس الخامس عشر ملك فرنسا وكان الهدف من المؤامرة نقل الوصاية على العرش إلى ابن عم فيليب الثاني وعم الملك الصغير - ملك إسبانيا فيليب الخامس.
وبحجة كتابته لبعض الأشعار الهجائية عن الأرستقراطية والتي كان منها ما تعرض لشخص «Régent» الحاكم... الوصي على العرش»، تم الحكم على فولتير بالسجن في سجن الباستيل لمدة11 شهرا.
وفي فترة سجنه في الباستيل قام بكتابة أول أعماله المسرحية «أوديب» وكان نجاح هذه المسرحية هو أول ركائز شهرته الأدبية.
اسم مستعار
ويعتبر اسم فولتير الذي اتخذه الكاتب في العام 1718 اسما يستخدمه في حياته اليومية نوعًا من أنواع الجناس التصحيفي لكلمة «AROVET LI»، وهي الطريقة التي يتم بها هجاء لقبه - Arouet - باللغة اللاتينية مضافًا إليها الحروف الأولى من اللقب le jeune (الأصغر). وللاسم صداه في الترتيب العكسي لمقاطع اسم «château» قصر ريفي عائلي في مقاطعة بواتو. وهو القصر الذي كان يطلق عليه اسم Airvault. ويعتبر الكثيرون أن اتخاذه لاسم «فولتير» الذي جاء بعد الفترة التي تم فيها احتجازه في سجن الباستيل علامة على انفصاله الرسمي عن عائلته وماضيه.
ويؤيد ريتشارد هولمز - المؤلف البريطاني والباحث في السير الذاتية لأعلام الحركة الرومانسية في بريطانيا وفرنسا - هذا الرأي عن مصدر اشتقاق الاسم ولكنه يضيف: إن كاتبا مثل فولتير قد اتخذ هذا الاسم أيضا لما له من معنى ضمني يوحي بالسرعة والجرأة.
وهذا المعنى الذي يأتي من اقتران الاسم بكلمات مثل: voltige «الألعاب البهلوانية» التي يتم أداؤها على أرجوحة البهلوان أو الحصان وvolte-face (الالتفاف لمواجهة الأعداء» وvolatile... وهي الكلمة التي تشير أساسا إلى أحد «المخلوقات المجنحة».
ولم يكن لقب «Arouet» اسما من أسماء النبلاء ليناسب شهرته التي كانت قد بدأت في التزايد خاصة وأن للاسم صداه في كلمات مثل: à rouer «الجلد بالسوط» roué «بمعنى الفاسق».
فولتير وإنكلترا
وكان الاستعداد الشخصي - الذي ذاع بسببه صيت فولتير في عصرنا الحالي بين جمهور القراء - لحسن استخدام حضور البديهة النقدية التي كان يتمتع بها والتي كانت تتميز بالسرعة وحدة النظر والصرامة والطرافة هي ما جعلت من فولتير شخصية غير محبوبة بين الكثيرين من معاصريه بمن في ذلك الكثيرون ممن ينتمون للطبقة الأرستقراطية الفرنسية.
وكانت ردود فولتير اللاذعة مسؤولة عن فترة المنفى التي خرج بمقتضاها من فرنسا ليستقر في إنكلترا.
وبعد أن قام فولتير بإهانة النبيل الفرنسي الشاب - كافلييه دي روهان - في العام 1725 استطاعت أسرة روهان الأرستقراطية أن تحصل على مرسوم موقع من ملك فرنسا لويس الخامس عشر يتضمن عقابا استبداديا لأحد الأشخاص ولا يمكن استئناف الحكم الذي جاء فيه وهو نوع من الوثائق التي كان يشتريها أفراد طبقة النبلاء الأثرياء للتخلص من أعدائهم غير المرغوب فيهم. واستخدمت أسرة روهان هذه الضمانة في بداية الأمر للزج بفولتير في سجن الباستيل ثم التخلص منه عن طريق النفي خارج البلاد من دون أن يتعرض لمحاكمة أو يسمح له بالدفاع عن نفسه.
وتعتبر هذه الواقعة علامة بارزة في تاريخ بدء محاولات فولتير لتطوير نظام القضاء الفرنسي.
واستمر نفي فولتير إلى إنكلترا لمدة عامين... وتركت التجارب التي مر بها هناك أكبر الأثر في العديد من أفكاره.
النظام البريطاني
وتأثر فولتير الشاب بالنظام البريطاني الملكي الدستوري مقارنة بالنظام الفرنسي الملكي المطلق وكذلك بدعم الدولة لحرية التعبير عن الرأي وحرية العقيدة.
كذلك تأثر فولتير بالعديد من كتاب عصره الذين ينتمون للمدرسة الكلاسيكية الحديثة وزاد اهتمامه بالأدب الإنكليزي الأقدم عمرا - خاصة أعمال شكسبير - التي لم تكن قد نالت قدرا كبيرا من الشهرة في أوروبا في ذلك الوقت.
وبالرغم من إعلانه اختلافه مع قواعد المدرسة الكلاسيكية الحديثة فقد رأى فولتير أن شكسبير يعتبر من النماذج التي يجب أن يقتدي بها الكتاب الفرنسيون لأن الدراما الفرنسية بالرغم من كونها تتميز بالجمال أكثر من الدراما الإنكليزية فإنها تفتقر للحيوية على خشبة المسرح.
وفي وقت لاحق - وبالرغم من أن تأثير أعمال شكسبير بدأ يتزايد على الأدب الفرنسي - فقد حاول فولتير أن يضع نموذجا يتعارض مع مسرحيات شكسبير يشجب فيه ما اعتبره همجية من جانبه.
وبعد قضائه لفترة قاربت الثلاث سنوات في المنفى عاد فولتير إلى باريس، وقام بنشر آرائه حول الموقف البريطاني من الحكومة ومن الأدب ومن العقيدة في صورة مجموعة من المقالات التي تأخذ شكل الخطابات.
ولأن فولتير قد اعتبر أن الملكية الدستورية البريطانية أكثر تقدما واحتراما لحقوق الإنسان من نظيرتها الفرنسية فقد لاقت هذه الخطابات اعتراضات كبيرة في فرنسا لدرجة القيام بإحراق النسخ الخاصة بهذا العمل وإجبار فولتير مرة أخرى على مغادرة فرنسا.
الماركيزة الملهمة
في واجهة الكتاب الذي قام بترجمته لنيوتن والذي تظهر فيه دو شاتولييه في صورة ملهمة فولتير تتضح الأفكار التي أوحى بها نيوتن إلى فولتير.
وكانت وجهة فولتير التالية هي قصر سيراي الريفي الموجود على الحدود بين المقاطعتين الفرنسيتين شامباين ولورين.
وأعاد فولتير تجديد المبنى على نفقته الخاصة ومن هناك بدأ علاقته بالماركيزة دو شاتولييه والمعروفة باسم جابرييل إميلي لو تونيلييه دي بريتويل، والتي أطلقت على نفسها اسم «أميلي دو شاتولييه».
وكان قصر سيراي ملكا لزوج الماركيزة - الماركيز فلورنت كلود دو شاتولييه - الذي كان أحيانا يزور زوجته وعشيقها في القصر الريفي.
وكان لهذه العلاقة التي استمرت لمدة «15» عاما تأثيرها الفكري المهم على حياة فولتير. فقد جمع بمساعدة الماركيزة «21» ألفا من الكتب ويعتبر هذا العدد عددا هائلا من الكتب في ذلك الوقت.
وقد قاما معا بدراسة هذه الكتب وكذلك بالقيام بتجارب خاصة بالعلوم المعروفة باسم العلوم الطبيعية في المعمل الخاص بفولتير. وتضمنت تجارب فولتير محاولة منه لتحديد خصائص النار.
وبعد أن تعلم فولتير الدرس من مناوشاته السابقة مع السلطات بدأ الأسلوب الذي استمر في استخدامه لبقية حياته بالابتعاد عن كل ما يسبب له الأذى الشخصي والتخلص من أي مسؤولية قد تعرضه للخطر.
وواصل فولتير كتاباته وقام بنشر بعض مسرحياته إضافة إلى بعض القصص القصيرة. ومرة أخرى يمكن اعتبار السنوات التي قضاها فولتير في منفاه في بريطانيا مصدرا للإلهام من خلال تأثره القوي بأعمال إسحق نيوتن.
كان فولتير يؤمن بقوة بنظريات نيوتن خاصة تلك النظريات التي تتعلق بعلم البصريات فقد أدى اكتشاف نيوتن لحقيقة أن الضوء الأبيض يتكون من كل ألوان الطيف إلى قيام فولتير بالعديد من التجارب المتعلقة بهذا الاكتشاف في سيراي.
وقد ذكر فولتير قصة نيوتن مع التفاحة التي سقطت فوقه من شجرة.
وبالرغم من أن فولتير والماركيزة كانا شغوفين بالآراء الفلسفية الخاصة بعالم الرياضيات والفيلسوف الألماني جوتفريد لايبنز - الذي كان معاصرا لنيوتن وخصما له - فقد احتفظ الاثنان بإيمانهما بأفكار نيوتن وشكلت أعمال نيوتن وأفكاره ركيزة مهمة في نظرياتهما.
وبالرغم من أن بعض الآراء كانت تعتقد أن الماركيزة تميل إلى آراء لايبنز فقد كتبت هي: je newtonise» وهي العبارة التي تعني «أنا أعمل وفق أفكار نيوتن» أو «أنا أؤمن بأفكار نيوتن».
كذلك قام فولتير والماركيزة بدراسة التاريخ... خاصة تاريخ الشعوب التي أسهمت في بناء الحضارة حتى الوقت الذي كانا يعيشان فيه.
وعندما عاد إلى فرنسا كتب فولتير مقالا يعرض السيرة الذاتية للملك تشارلز الثاني عشر وهو المقال الذي يعتبر بداية لكتابات فولتير التي انتقد فيها الأديان المعروفة وقد جعله هذا المقال مؤرخا للبلاط الملكي.
كما عمل فولتير مع الماركيزة على دراسة الفلسفة خاصة الفلسفة الميتافيزيقية ذلك الفرع من الفلسفة الذي كان يتعامل مع الأمور بعيدة المنال والتي لا يمكن إثباتها بطريقة مباشرة: كيفية الحياة وماهيتها ووجود الله أو عدم وجوده وما يشابه ذلك من موضوعات.
وقام فولتير والماركيزة... بتحليل الكتاب المقدس في محاولة لاكتشاف مدى صحة أفكاره في العصر الذي كانا يعيشان فيه.
وانعكست آراء فولتير النقدية في إيمانه بوجوب فصل الكنيسة عن الدولة وكذلك بحرية العقيدة وهي الأفكار التي كوّنها بعد الفترة التي قضاها في إنكلترا.
هو....والإسلام
وعن حقيقة موقف فولتير من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كتب الدكتورخالد بن عبد الرحمن الشايع في صحيفة «الشرق الأوسط» يقول: بداية ندرك نحن أهل الإسلام مقام رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وعظمته، وأنه بمكانة لا يحتاج معها لتزكية أحد من البشر بعد أن زكَّاه الله وعظم شأنه، ولكن أبى الله إلا أن يجعل من غير المسلمين من يشهد لنبيه شهادة الصدق والعدل.
وبين أيدينا الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أرويه (1694 1778) الذي عرف باسمه المستعار فولتير.
فولتير له مسرحية تدعي التعصب العام 1742 كتب فيها تهجمات على الإسلام، وقد صودرت هذه المسرحية بعد عام بسبب تحفظ الكنيسة عليها إذ رأت أن فولتير أراد نقدها لشريعة الإسلام.
وهو بهذا النعت يستهدف معاداة أي فكر ديني تواكبا مع الفترة التي شُنَّت فيها حملة عامة واسعة ضد الأفكار الدينية المسيحية تجاوبا مع مبادئ ما يسمى عصر النهضة والتنوير العقلي الذي ساد أوروبا آنذاك.
ويضيف الشايع: في حقيقة الأمر أن فولتير الذي نبذ التعصب في المجتمع الفرنسي ودعا لمحاربة التعصب إلا أنه ارتكب خطأ فكريا فاحشا في تأليفه مسرحية «التعصب» أو «حياة محمد» لأنها بنيت على مبادئ التعصب، بل وعلى البهتان والافتراء، لأنه أراد من خلال هذا العمل نقد الكنيسة وتدنيس كل مقدس،
حيث وجد أن النيل من الإسلام ومن الرسول - عليه الصلاة والسلام - سيكون مقبولا في مجتمعه ولدى الكنيسة، وهذا ما وقع ابتداء حتى تم عرض المسرحية لتعود الكنيسة إلى الممانعة في عرضها ومصادرتها لأنها وجدت نفسها معنية بها.
لكن فولتير عاد لينقض تلك الافتراءات ضد الإسلام، عندما عرف حقيقة الإسلام وما فيه من التوجيهات والمبادئ السامية، حيث تأثر بكتاب «سيرة حياة محمد» لمؤلفه هنري دي بولونفيرس الذي نُشر في لندن العام 1720، وفيه دفاع عن رسول الله محمد «عليه الصلاة والسلام»، ورد على المطاعن والانتقاصات التي افتُريت عليه، وأوضح أن محمدا - عليه الصلاة والسلام - مبدعٌ دينيٌّ عقليٌّ يستحق التقدير حتى في الغرب.
وحينها ألَّف فولتير كتابه «بحثٌ في العادات» العام 1765 ومدح فيه الإسلام وأشاد بمحمد وبالقرآن، وقال: «إنَّ محمداً مع كونفوشيوس وزرادشت أعظم مشرعي العالم» على حد تعبيره.
وتابع: وفي العام 1751 نشر فرانسوا فولتير كتابا بعنوان «أخلاق الأمم وروحها» دافع فيه عن محمد - عليه الصلاة والسلام - باعتباره مفكرا سياسيا عميق الفكر ومؤسس دين عقلانيا حكيما، ومشيرا إلى أن الدول الإسلامية كانت تتمتع دائما بالتسامح الذي خلا منه التقليد المسيحي تاريخيا.
سفر... شاق
وفي فبراير من العام 1778 عاد فولتير للمرة الأولى خلال العشرين عاما الأخيرة إلى باريس - مع آخرين - ليشهد افتتاح آخر أعماله التراجيدية وهي مسرحية Irene. وكان السفر الذي استغرق 5 أيام شاقا للغاية على العجوز الذي كان يناهز 83عاما من عمره.
واعتقد فولتير أنه على شفا الموت في 28 فبراير فكتب: أنا الآن على شفا الموت وأنا أعبد الله وأحب أصدقائي ولا أكره أعدائي وأمقت الخرافات.
وبالرغم من ذلك فقد تماثل للشفاء وشهد في شهر مارس عرضا لمسرحيته Irene تم استقباله خلاله استقبال البطل الذي عاد أخيرا إلى وطنه. ولكن سرعان ما مرض فولتير ثانية وتوفي في 30 مارس العام 1778.
وفي لحظات احتضاره على فراش الموت عندما طلب منه القسيس أن يتبرأ من الشيطان ويعود إلى إيمانه بالله يقال إن إجابته كانت: لا وقت لديّ الآن لأكتسب المزيد من العداوات.
ويقال أيضا إن كلماته الأخيرة كانت: كرمني يا الله دعني أرقد في سلام.
وبسبب انتقاده المعروف للكنيسة الذي رفض أن يتراجع عنه قبل وفاته لم يتم السماح بدفن فولتير وفقا للشعائر الكاثوليكية.
وعلى الرغم من ذلك فقد تمكن أصدقاؤه من دفن جثمانه سرا في إحدى الكنائس الكبيرة في مقاطعة شامباين قبل أن يتم الإعلان رسميا عن قرار منع الدفن.وقد تم تحنيط قلبه ومخه بشكل منفصل.
وفي يوليو من العام 1791 اعتبرته الجمعية الوطينة الفرنسية واحدا ممن بشروا باندلاع الثورة الفرنسية وتمت استعادة رفاته للاحتفاظ بها في البانثيون - مقبرة عظماء الأمة - تكريما له. وتم الاحتفاء بنقل رفات فولتير في احتفال ضخم وفي وجود أوركسترا كاملة.