بروفيسور في الأدب المقارن «العبري - العربي» ومترجم وكاتب أطفال
نعيم عرايدي: من المنفى ربما ينطلق الإبداع الشعري العربي
1 يناير 1970
01:49 ص
|كتب معين شلبية|
نعيم عرايدي هو من أكثر الشعراء الذين تتمّ دعوتهم للمشاركة في مؤتمرات فكرية ومهرجانات شعرية وعالمية. فهو بالاضافة الى كونه شاعراً عربياً يكتب في اللغتين العربية والعبرية، هو باحث وناقد صدرت له الكثير من الكتب النقدية في الأدب الفلسطيني والعربي، في الأدب العبري والأدب العالمي وأهمها مجموعتان نقديتان ودراستان في شعر محمود درويش.
ونعيم عرايدي يحمل لقب أستاذ دكتور «بروفيسور» في الأدب المقارن «العبري/ العربي»، وهو مترجم وكاتب أطفال.
وقد يكون عرايدي معروفاً عالمياً أكثر مما هو معروف في العالم العربي وذلك لأن العالم العربي ينظر الى الشعراء الفلسطينيين من منظار واحد فقط وهو من خلال خلق الانطباع العام السائد عن الشعر الفلسطيني وعدم ادراك واقعه والتغيرات العميقة التي أصابته؛ وأحياناً يؤدي ذلك الى تغييب الاعتراف بمكانتهم الأدبية ذات المستوى الراقي.
لابدّ من الاعتراف ان تجربة الشاعر نعيم عرايدي لها مكانتها في المشهد الشعري المعاصر. هذا الحضور الثقافي في حياة نعيم عرايدي كان بمثابة الشروع لدخول عوالم جديدة أعطت وأثمرت نضوج التجربة وترسخت لديه معايير وقيم شكلت مجمل أعماله الشعرية ولفتت اليه أنظار الوسط الثقافي في العالم. حصل على عدة جوائز وتكريمات عديدة، هذا وسيكرّم عرايدي في أواخر أكتوبر 2009 في مدينة روما، وسيُمنح جائزة «الريشة الذهبية» من قبل مؤسسة «تيرانوفا» الأوروبية للفنون. والجدير بالذكر ان من الحائزين على هذه الجائزة المسرحي الاسباني الكبير فرناندو أربال والشاعر الفلسطيني موسى حوامدة.
وبمناسبة عودته من الصين اخيرا بعد ان شارك في المؤتمر/ المهرجان العالمي للشعر هناك أجرينا معه هذا الحديث:
• حدثنا ولو قليلاً عن الصين، هذه الدولة الكبيرة التي يتمنى كل واحد منا زيارتها لأهميتها المتعددة الجوانب والاحتمالات.
- الصين بلد آسيوي، الثالث من حيث المساحة في العالم بعد روسيا وكندا. تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة. عدد سكانها أكثر من مليار ونصف المليار نسمة. تعتبر الصين البلد الأكثر سكاناً في العالم اليوم. وقد اعتزمت الحكومة الصينية تقديم حوافز مالية للفلاحين الذين يلتزمون بقانون تحديد النسل ولا ينجبون المزيد من الأطفال وذلك في مسعى للسيطرة على الزيادة السكانية والتي تأتى بعد نحو 30 عاما من تطبيق الصين سياسة متشددة تحدد النسل بطفل واحد لكل أسرة . بلاد الصين هي أعجوبة بمعنى الكلمة.. واحدى عجائب الدنيا السبع «سور الصين»، والصين أكبر أعجوبة بشرية، الدولة التي تستطيع ان تزوّد مليار ونصف المليار من الناس بكل شيء هي بالفعل أعجوبة.
عندما يصل الزائر الى الصين، يصاب بصدمة. فالأبعاد والأحجام غير مألوفة، الحضارة والسلوكيات والانفعالات وما شابه مختلفة عما يعرفه الانسان هنا في الشرق القريب وفي أوروبا وأميركا وافريقيا.
اللغة لا تعرف الحروف التي نعرفها، ليس نطقاً ولا كتابة ولا شكلاً. القدرات والذكاء والآداب تلفت الانتباه، باختصار، الصين الشعبية تثير الاعجاب والتقدير حتى الحسد. كل هذا ناهيك عن الجغرافيا والتاريخ والطب والتكنولوجيا.
• تعددت زياراتك ومشاركاتك في مهرجانات الشعر العالمية، الفكرية والثقافية، هل هذه الزيارة الأولى للصين؟
- هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها الصين الشعبية للمشاركة في مهرجان شعر دولي للشعراء حول بحيرة تشينغهاي في التبت؛ وقد زرت الصين قبل عامين أيضاً بدعوة من اتحاد الكتاب الصيني، لالقاء المحاضرات في مدينتي بيجين العاصمة وشنغهاي، ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول هضم واستيعاب هذه التجربة الفريدة دون جدوى، فقد يمر وقت طويل حتى أستطيع التعبير الدقيق عن انطباعاتي من جراء هذه التجربة الفريدة والاستثنائية.
• وماذا عن المؤتمر الأخير في التبت؟
- ما أستطيع الحديث عنه الآن هو معلومات تفصيلية عن هذا المؤتمر؛ فقد شارك فيه أكثر من مئتي شاعراً، خمسون منهم قدموا من أربعين دولة في العالم والآخرون شعراء وشاعرات من أقاليم الصين.
لقد كان مركز نشاط المهرجان في مدينة شينينغ التي تقع على حدود التبت، ومنها كان الانطلاق الى أماكن فعاليات المهرجان، وكانت ذروته على ضفاف بحيرة تشينغهاي في التبت التي ترتفع أربعة آلاف وخمسمئة متر عن سطح البحر، حيث تمّ تكريم شاعر الأرجنتين الشيوعي الكبير خيلمان.
• هل كانت هناك مشاركة عربية في المهرجان؟
- نعم، جدير بالذكر ان الشعراء الذين مثّلوا بعض الدول العربية هم الشاعرة روز مصلح عن فلسطين، والشاعر زياد كاجا عن لبنان. هذا وقد ترجمت بعض قصائد الشعراء المشاركين الى اللغة الصينية وجمعت في كتاب ضخم تمّ توزيعه على الحضور.
• اختار منظمو المهرجان عنوان «العلاقة بين الواقع والشعر» شعاراً لمهرجانهم الكبير، ماذا قدّم الشعراء في خطابهم حول المشهد الشعري الراهن؟
- لقد قدّم بعض الشعراء أوراقاً عن موضوع المهرجان/ المؤتمر، طرح الشعراء من خلالها وجهة نظرهم وموقفهم من الشعر والواقع، وقد وجدت كما أجده في كل مكان أشارك فيه في العالم ضمن مهرجانات ومؤتمرات كهذه- ان همومنا تختلف عن همومهم وأن واقعنا اليومي والانساني يختلف عن واقعهم.. لي بشكل شخصي على مستوى الفرد والقوم والانسان- الجغرافيا والسيكولوجية- شعرُ همٍّ مختلف وهمُّ شعرٍ مغاير، ومع ذلك لا أحسدهم! أما الشعر الصيني والعالمي الذي قرأته وسمعته هناك فهو موضوع لدراسة ستأتي في المستقبل.
• هل استطاع الشاعر العربي تأكيد ذاته بشكل عملي وفلسفي في المؤتمر؟ أم أنها قضية شائكة في ثقافتنا العربية؟
- مرة تلو الأخرى أتحقق من جديد ان أكثرية الشعراء العرب لا يفقهون التعبير عن ذاتهم وقضاياهم بالشكل الجدير ازاء الزمان والمكان؛ ولأن العرب عامة لا يعرفون فنّ الاعتراف، أي لا يشرّحون بشفافية ذاتهم تشريح المراقب والناظر اليها من بعيد... لذلك كلما تعرفت على شاعر عربي جديد يزداد احترامي للقلائل الذين عرفتهم وشدتني أساليب وأدوات تعبيرهم للمواقف الانسانية بشكلها الجمالي. أعود دائماً واستذكر محمود درويش، أدونيس وموسى حوامدة وآخرين.
• أعرف أنه لك علاقة حميمة مع الأماكن؛ هل قمت بزيارة مواقع خاصة في هذه المنطقة المهمة من العالم؟
- لقد تغيبت عن بعض الجلسات في المؤتمر لزيارة موقعين هامّين في مدينة شينينغ خوفاً ان تفوتني زيارتهما، الحي الاسلامي في مدينة شينينغ الذي يعج بالسكان الذين يتمتعون بديناميكية مميزة وحيوية بارزة. سوق الحي الأكثر ادهاشاً مزدحم بالمستهلكين الذين تتوفر لديهم امكانيات الشراء من الحوانيت الضخمة التي لا ينقصها الشيء... زحمة الألوان وزهوّها تحتل مكاناً رئيساً في كل مكان؛ وهناك زرت المسجد الكبير الذي يعد تحفة في التصميم والضخامة.
أما الموقع الآخر الذي ذهبت لزيارته وأردت لو أمكث فيه لأيام هو معبد بوذي على تلة بارزة في المدينة. أجواء هذا المعبد أشبه بهمزة وصل بين الانسان والسماء. الهدوء والسكينة هما روعة هذا المكان وطمأنينته... أوقدت بعض عيدان البخور على خلفية موسيقى بوذية لن أنساها أبداً.
• تحدثنا عن مشاركتك الأخيرة في مهرجان الشعر العالمي في الصين، ماذا عن المهرجانات الأخرى التي شاركت فيها وما أهمية هذه المشاركات على الصعيد الشخصي والعام؟
- تتمّ دعوتي الى العديد من المؤتمرات والمهرجانات العالمية للفكر والشعر، ولمشاركتي فيها أهمية كبرى، فبالاضافة الى الاثراء المتبادل والتجربة العالمية التي تنقلنا من المحلية والاقليمية الى العالمية، فاننا نتعرف على شعراء من أنحاء العالم وعلى شعرهم وعلى أفكارهم ومواقفهم تجاه ما يحدث للمجتمع الانساني من تقلبات وتطورات، نتبادل المشاعر فتتجدد حقيقة المقولة ان الشعر هو لغة، لغة عالمية يعرفها الجميع رغم الفروق اللغوية والحضارية. الشعر هو لغة الانسان، وهو أجمل تعبير لهموم البشر المشتركة.
• نحن نعرف ان المؤتمرات الفكرية والأدبية والثقافية تحمل أهمية قصوى في طرح قضايا معاصرة للمجتمع الانساني... أين يقف المثقف العربي من هكذا مؤتمرات وما حجم مشاركته وتأثيره على مجرى الأحداث؟
- أبدأ من البديهة التي لا جدال حولها، هو ان الشعراء العرب الكبار هم شعراء منفيون، وفي منفاهم يجدون يا للغرابة- حرياتهم ويمارسونها في الشعر والفكر... بدءاً من الجواهري وأدونيس ومحمود درويش والبياتي وغيرهم. الشاعر والأديب والمفكر لا يستطيعون ان يكونوا كذلك الا اذا كانوا أحراراً. وعندما لا يجد الأديب حريته فهو لا يستطيع ان يبدع. ولهذا السبب ألتقي شعراء عرباً يأتون من بلادهم فأشعر بخيبة أمل كبيرة لأنهم ليسوا أحراراً في فكرهم وفي شعرهم، ولهذا لا يقدمون ما فيه الكفاية في المؤتمرات والمهرجانات.
• يقول أدونيس في حديث أخير له ان الحضارة العربية دخلت طور الانقراض، وقال خلال ندوة ثقافية ان جميع الحضارات الكبرى في التاريخ انقرضت من السومريين الى البابليين والفرعونيين بمعنى ان الطاقة الخلاقة عندهم انتهت، اكتملت دورة الابداع ولذا فانهم ينقرضون بحيث لم يعد لهم حضور خلاق في الثقافة الحديثة الكونية. ما تعقيبك على ذلك؟
- أختلف مع أدونيس اذا كانت فكرته هذه منقولة بدقّة. فالشعر العربي قام بانطلاقة هائلة في خمسينات القرن الماضي؛ الا ان هذه الشعلة آخذة بالانطفاء، وهذه حقيقة. انشغال الشعراء العرب المتواجدين في أوطانهم بالأحداث المرتبطة بالزمان والمكان هو ما أبعدهم عن جمرة الابداع. القيود وليس السياسة فقط التي تربّطهم هي ما يطفئ شعلة الابداع لديهم. هناك ظاهرة الآن آخذة بالاتساع هي كثرة الشعراء العرب في منفاهم. آمل ألا يسميها التاريخ « الشعر العربي المهجري الثاني». فمن هذا المنفى سينطلق الابداع الشعري العربي، والله أعلم!
• كان أثر الشعر العربي منذ بداياته الأولى شديداً للغاية، لكن حال الشعر والشعراء في زماننا لا يطمئن.. مع العلم ان لكل عصر صوتاً غير الصوت. سؤالي هو: هل الشعر العربي يمر في أزمة ما، فتور ما، واقع جفاء مع المتلقي، وما مستقبل هذه العلاقة خاصة بعد رحيل الشاعر محمود درويش؟
- لا يمكن الحديث عن الشعر العربي والفلسطيني خاصة بعد محمود درويش. ولكن، لم يمر الوقت الكافي لفحص ذلك. محمود درويش ظاهرة ابداعية لمرة واحدة تحدث مرة في القرن، والشعر العربي لم يكن ولن يكون مرتبطاً بشاعر معين أو بظاهرة شعرية معينة مهما كانت مميزة.
• نعرف ان التصوف ظاهرة من الظواهر النفسية التي كان لها أثر كبير في الشعر العربي لا سيما بعد ان اشتد اختلاطنا بالأمم المفتوحة. الى أي مدى اثر الخطاب الصوفي في تجربتك الشعرية؟
- التصوف هو شيء والنفحات الصوفية هي شيء آخر. التصوف الاسلامي كان له أثر كبير على شعراء العالم، فهي موجودة لدى كل انسان ولدى كل شاعر حقيقي لأن النفس البشرية تحمل هذه الطاقات وتعشقها؛ والشعر في الأساس هو عدو الواقع. وهذه هي المعادلة.