أشقاء... من الطفولة إلى الشهرة
مصطفى وعلي أمين ... كوكبان في «بلاط صاحبة الجلالة» / 1
1 يناير 1970
04:52 م
|القاهرةـ - من مختار محمود|
أي أسرة في أي مكان... تجتاحها السعادة، عندما يحقق أحد أفرادها نجاحا، يجلب عليه الشهرة، ويضعه تحت الأضواء، نجما متوهجا، يشار إليه بالبنان في مجاله أو مجتمعه وحتى خارجه، وتتهافت على نشر أخباره الصحف والمجلات، ومن ثمَّ يكون مثار فخر لها واعتزازا ليس لأسرته أو مجتمعه الصغير وفقط، ولكن قد يكون لدولته وأمته.
ولكن تلك السعادة سوف تتضاعف... عندما ينجح شقيقان، ويتألقان في مجال عملهما، ويغدوان نجمين في سماء الشهرة والذيوع، وهناك نماذج عربية وغربية من هنا أو من هناك. حققت تلك المعادلة الصعبة، تغلبت على العقبات، وحفرت في الصخر، ووصلت إلى قمة النجومية، وذروة التوهج، حتى انها ظلت باقية في الذاكرة، بالرغم من مرور عقود عدة على رحيلها.
النماذج التي نرصدها لأشقاء أو إخوة مشاهير، تتوزع بين العلم والسياسة والرياضة، والفن، ويجسد كل نموذج منها نبراسا للتحدي والإصرار على النجاح والتميز، ولاسيما أن معظم تلك النماذج، ولدت في أجواء صعبة لا تعرف رفاهية العيش، ولا لذة الحياة، وهو ما دفعها في البداية إلى تحقيق المستحيل، ثم ضاعف سعادتها، عندما وصلت إلى ما وصلت إليه.
ونعرض في تلك الحلقات لأشهر الأشقاء والإخوة... الذين حققوا الشهرة سواء في مجال واحد، أو مجالين مختلفين، فهناك من تألق فنيا «الأخوان رحباني» و«الشقيقان الأطرش»، وهناك من توهج رياضيا مثل «التوأم حسن».
كما أن هناك أشقاء... شقَّ كل منهم طريقه في الحياة في مجال مختلف، ووصل إلى قمة النجاح والتألق «الشقيقان الباز مثال حي»، كما نرصد بدايات كل منهما، وكيف كانت دافعا لهما للإبحار ضد الصعاب والعقبات وتجاوزها، وتحقيق النجاح والشهرة والخلود في ذاكرة البشر، باعتبارهما دليلا حيا على الإصرار والتحدي.
وفي السطور حكايات... تعرفنا عليها... ومواقف توقفنا عندها... وصور نادرة تحكي مسيرة الأشقاء.
لم يكن يوم الحادي والعشرين من شهر فبراير في العام 1914 يوما عاديا داخل منزل الزعيم المصري الراحل سعد زغلول... ففي هذا اليوم أنجبت ابنة شقيقته التوأم «علي ومصطفى أمين»، وكأن الأقدار تعدهما لمهام ثقيلة فجعلت ميلادهما في «بيت الأمة» ـ هكذا كان يطلق على بيت سعد زغلول في منطقة المنيرة بالقرب من وسط القاهرة - الزاخر بالأحداث السياسية آنذاك - ويعيشان جزءا من طفولتهما المبكرة في كنف زعيم التفت حوله الأمة المصرية كلها.
والشقيقان عاشا فترة من صباهما في مدينة دمياط «190 كيلو مترا شمال العاصمة المصرية» لظروف عمل والدهما ، وهناك تعرفا على الصحافي «جلال الدين الحمامصي» وعندما شب الصغيران وتفتحت عيونهما على الحياة اتخذا من النضال عن طريق الصحافة سبيلا لهما ، فأصدرا عددا كبيرا من المجلات والجرائد التي تطورت مع تقدمهما في العمر وزيادة خبرتهما ، إلى أن أسسا دار أخبار اليوم في العام 1944.
وقد حفلت حياة - التوأم أمين - بالعديد والعديد من الأحداث المثيرة وقضيا في السجن سنوات طويلة ولكن الأسوار لم تمنعهما من المضي في طريق النضال والإبداع.
عشق الصحافة
الصحافة منذ الصغر ... العام 1922م ، وعندما كان عمر التوأم 8 سنوات - وعمر علي - ثماني سنوات وخمس دقائق... أصدرا مجلة اسمها «الحقوق» مكتوبة بالقلم الرصاص وتتضمن أخبار البيت... الضيوف والزوار والأم والبيت والطباخ والشغالة ، وفي العام 1924م أصدرا مجلة « سنة تالتة تالت» ثم أصدرا مجلة «عمارة البالي» لأولاد الحيّ الذي يقيمان فيه.
وفي العام 1945 باع «محمد التابعي» مجلة «آخر ساعة «للتوأم ... وفي مؤسسة أخبار اليوم أصدرا مجلة «آخر لحظة» العام 1948 ومجلة «الجيل الجديد» العام 1951 وفي 18 يونيو عين مصطفى أمين نائبا لرئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم. وفي 7 أغسطس العام 1961 تولى رئاسة تحرير صحف دار الهلال ، وفي يوم 30 مارس العام 1962 أصبح رئيسا لمجلس إدارة «دار الهلال» ، وفي 18 أبريل العام 1964 تولي رئاسة تحرير أخبار اليوم وأصدر مجلة «هي» .
ويرجع عشق التوأم للصحافة إلى إدراكهما بأهمية الدور الذي ينبغي أن تقوم به الصحافة من الدفاع عن الحريات وتبصير المجتمع، والدور الذي يقوم به الصحافي والذي يجعله مستهدفا من السلطة ومن أعداء المبادئ التي يكافح من أجلها . وفي أحاديثه وكتاباته قال «مصطفى أمين»: الثورة العرابية وقف معها «عبدالله النديم» والصحف التي كان يصدرها ، والصحف الوطنية المصرية وقفت ضد الاحتلال البريطاني... ومصطفى كامل كان صاحب «اللواء» قبل أن يكون زعيم حزب ، وثورة 1919 اعتمدت على المنشورات ثم على الصحف.
وعلى الرغم من أن التوأم اشتركا في العديد من الصفات، إلا أنهما اختلفا في أمور كثيرة ففي العام 1928م فصل «علي أمين» من المدرسة لأنه صفع حكمدار الغربية الذي حاول الاعتداء على «مصطفى النحاس باشا» في مدينة طنطا «وسط دلتا مصر»... وكان عمر علي وقت ذاك «14» عاما فاكتفوا بفصله من المدرسة... وفي العام 1930 صدر عفو عنه ودخل المدرسة الخديوية ، ثم شارك في إضراب احتجاجا على تعطيل دستور 1923 ثم التحق بالجامعة الأميركية وحصل على البكالوريا.
وسافر العام 1931 إلى إنكلترا وحصل على بكالوريوس الهندسة العام 1936. وانضم هناك إلى فريق الملاكمة وأصبح من لاعبيها المشهورين ، وعاد إلى مصر وعين مهـندسا باليومية في مصلحة الميكانيكا والكهرباء واختير العام 1941 مديرا لمكتب وزير التموين ، ثم مديرا لمكتب وزير المواصلات ومديرا لمكتب وزير المالية العام 1942. وعام 1943 مديرا عاما للمستخدمين والمعاشات وفي عام 1944 تفرغ مع «مصطفى أمين» لإصدار جريدة أخبار اليوم.
أما «مصطفى أمين» فقد التحق بـ «روزاليوسف»... وهو طالب في كلية الحقوق، ثم هاجر من روزاليوسف إلى آخر ساعة... عندما أسسها «محمد التابعي» العام 1934... وكان مصطفى أمين في روزاليوسف بعد أن صدرت العام 1925 ، وهو الذي قدم «إحسان عبد القدوس» لمحمد التابعي بعد أن اختلف إحسان مع والدته السيدة فاطمة اليوسف وترك مصطفى أمين آخر ساعة إلى دار الهلال .
قضية التخابر
تعتبر قضية التخابر لصالح أميركا من أبرز الأحداث في حياة مصطفى أمين وهي القضية التي قضى بسببها سنوات طويلة في السجن بينما كان - شقيقه علي - خارج البلاد ، تلك القضية لم تلق قبولا لدى غالبية الشعب المصري أو الشعوب العربية وقيل في تفسيرها إن «مصطفى أمين» كان مكلفا من «جمال عبدالناصر» باستمرار الاتصال بالولايات المتحدة.
وكانت القيادة تمده بما ينبغي أن يقوله لمندوبي أميركا ، وأن ينقل إلى «جمال عبد الناصر» ما يقوله الأميركيون، وعندما ساءت العلاقات بين «مصطفى أمين» وعبد الناصر وغيره من القيادات قبضوا عليه وحاكموه بالمعلومات التي كانوا قد أعطوها له سلفا ليسلمها إلى المندوبين الأميركيين ، وصدر عليه الحكم بالسجن 9 سنوات قضاها «مصطفى أمين» في السجن وقضاها «علي أمين» خارج مصر.
وفي كتابه «بين الصحافة والسياسة» والذي أفرده إلا قليلا لشرح مقدمات وظروف تقديم مصطفى أمين للمحاكمة بتهمة الجاسوسية، محاولا تبرئة نفسه من تهمة المشاركة في تلفيق تلك التهمة له.
قال الكاتب محمد حسنين هيكل: إن مصطفى كان يحاول كسب ثقة عبد الناصر بكتابة التقارير السرية له، وعرضه العمل كحلقة وصل مع الأميركان، إلى أن وقع في شر أعماله، وضبط متلبسا بالتخابر مع ديبلوماسي أميركي، كان يحصل منه على المعلومات في مقابل تهريب أمواله إلى خارج مصر.
السادات والتوأم
وبعد وفاة «جمال عبد الناصر» في 29 سبتمبر العام 1970 قام المدعي الاشتراكي «الدكتور مصطفى أبو زيد» بدراسة قضية «مصطفى أمين» وانتهى إلى: «أن الحكم ضد مصطفى أمين بني على أدلة باطلة ، وأن مصطفى أمين تعرض لإكراه بدني ومعنوي لا طاقة للبشر باحتماله».
وصدر قرار جمهوري - نشر في «الوقائع المصرية» - يقضي بإسقاط الحكم الذي صدر ضد مصطفى أمين ، وتم الإفراج عنه وأصدر عدة كتب منها «سنة أولى سجن» سجل فيها الإكراه البدني والمعنوي الذي تعرض له ولا طاقة للبشر باحتماله ، وأصدر «السادات» قرارا بتعيين «علي أمين» رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم وقرارا بتعيين «مصطفى أمين» رئيسا لتحرير أخبار اليوم.
وكان «علي أمين» خلال 9 سنوات بعيدا عن القاهرة يعمل خبيرا لصحف ومجلات «دار النهار» و«دار الصياد» في بيروت ، وبعد حرب أكتوبر العام 1973 طلب منه «السادات» أن يعود فورا إلى القاهرة فعاد ، وأصدر «السادات» قرارا بتعيين «علي أمين» رئيسا لتحرير الأهرام. وبعد الإفراج عن «مصطفى أمين» سافر مصطفى إلى لندن للعلاج وعاد إلى مصر في 14 مايو العام 1974م.
وكان مصطفى أمين قد قرر بينه وبين نفسه أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته، وتحققت له شعبية جارفة فكان طابور طويل ينتظره من الجماهير في الصباح وهو يدخل «أخبار اليوم» ويحيي كل واحد ويتسلم منه شكواه ... يعرض بعضها في عموده المتميز «فكرة» ، ويرسل الشكاوى الأخرى إلى المتخصصين الذين يستمعون للكاتب الكبير ، وانحاز للديموقراطية والحريات وحرية تكوين الأحزاب وحرية العمل السياسي وكتب مقاله الشهير عن هرولة حزب مصر إلى الحزب الوطني الديموقراطي الذي أسسه السادات ، فوقعت فجوة في العلاقات بين رئيس الدولة وبين الكاتب الصحافي.
عيد الأم
في مقاله اليومي «فكرة» طرح الكاتب مصطفى أمين فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: لم لانتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه «يوم الأم» ونجعله عيدا قوميا في بلادنا وبلاد الشرق... وفي هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها «شكرا أو ربنا يخليك»، لماذا لانشجع الأطفال في هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل... ويتولوا هم في هذا اليوم جميع أعمالها المنزلية بدلا منها ولكن أي يوم في السنة نجعله «عيد الأم»؟
وبعد نشر المقال بجريدة «الأخبار» اختار القراء تحديد يوم 21 مارس وهو بداية فصل الربيع ليكون عيدا للأم ليتماشى مع فصل العطاء والصفاء والخير.
وكما يقول محمد أحمد حسين بالاتحاد العام لنقابات عمال مصر في ذلك الوقت: إنه تماشيا مع الفكرة والمناسبة قام الشاعر حسين السيد بتأليف أغنية «ست الحبايب» التي لحنها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وغنتها المطربة فايزة أحمد.
روائي مبهر
الصحافي مصطفى أمين عرفناه، ولكن الروائي لم يتكلم عنه الكثيرون، بالرغم من أنك لن تجد متعة أكبر من أن تلتهم رواياته التي تصل لألف صفحة من دون لحظة واحدة من الملل... أدب مكتوب بلغة الصحافة السهلة والمحببة... شخصيات تنبض بالحياة، تراها في الشارع، في العمل، أو على شاشات التلفزيون.
قدم مصطفى أمين خلال حياته العديد من المؤلفات القيمة نذكر منها: تحيا الديموقراطية، من عشرة لعشرين، من واحد لعشرة بعودة الجماهير، أفكار ممنوعة، الـ 200 فكرة، سنة أولى حب، ست الحسن، لكل مقال أزمة، أسماء لا تموت مشاهير الفن والصحافة، صاحبة الجلالة في الزنزانة، صاحب الجلالة الحب، لا، النحو الواضح ثانوي وإبتدائي بالاشتراك مع علي الجارم.
جائزة صحافية
أنشئت جائزة مصطفى وعلي أمين الصحافية والتي تعتبر بمثابة التتويج الحقيقي لمشاعر الأب الذي يحتضن أبناءه ويشجعهم ويحفزهم على مزيد من النجاح في بلاط صاحبة الجلالة. ولم يقتصر هذا التكريم على الصحافيين بل امتد للمصورين ورسامي الكاريكاتير وسكرتارية التحرير الفنية وأيضا الفنانين، ومن الفنانين الذين حصلوا على جائزته «فاتن حمامة ويحيى الفخراني ونور الشريف وعبلة كامل ويحيى العلمي وعمار الشريعي» وغيرهم.
وكانت علاقاته جيدة بالفنانين كان أشهرها مع الفنانة أم كلثوم والتي وقفت بجوار أخبار اليوم في عثراتها المالية، وعبد الحليم حافظ والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ونجاة وكامل الشناوي وكمال الطويل وفاتن حمامة وغيرهم. وقال عن صداقاته للنجوم: إن الحياة بجانب النجوم مرهقة ومتعبة ولكنها لذيذة وأنت في بعض الأحيان لا تستطيع أن ترى جمال الصورة إلا إذا ابتعدت عنها فالأضواء الساطعة تعميك... إنني أحب الناس كل الناس.
وعن توأمه علي أمين قال: كنا دائما نفكر في الغد، لم نعش في الأمس أبدا، كنا نكتب أحلامنا على الورق ونحاول تحقيقها، كنا نكتبها في مفكرة ونسجل في صفحة أول يناير ما نتمنى أن نصنعه في آخر يوم في ديسمبر، والغريب أن أحلامنا جميعها تحققت كما تنميناها ولكن شيئا لم يخطر ببالنا وهو أن يموت واحد منا ويبقى الآخر على قيد الحياة.
النهاية
توفي مصطفى أمين في 13 أبريل العام 1997، بعد حياة حافلة، ليلحق بتوأمه والذي توفي العام 1976، وقد كان له هو وشقيقه «علي» العديد من النشاطات الخيرية والاجتماعية، فنفذ الشقيقان أمين مشروعاً خيريا أطلقا عليه «ليلة القدر» الذي بدأ في 15 فبراير 1954 بمقال نشره مصطفى أمين في أخبار اليوم جاء فيه «في قلب كل إنسان أمنية صغيرة تطارده في حياته وهو يهرب منها إما لسخافتها أو لارتفاع تكاليفها، فما هي أمنيتك المكبوتة؟، اكتب لي ما هي أمنيتك وسأحاول أن أحققها لك، سأحاول أن أدلك على أقصر الطرق لتحقيقها بشرط ألا تطلب مني تذكرة ذهاب وإياب إلى القمر».
وقد حقق هذا المشروع الكثير من النجاح حيث انهالت على الجريدة العديد من الخطابات، وتمت تلبية طلبات العديد من أصحاب الاحتياجات، وتوسع هذا المشروع بعد ذلك وتفرعت أنشطته... رحم الله الكاتبين الكبيرين فقد كانا كوكبين في بلاط صاحبة الجلالة.