لغة الأشياء / خيبتها الأولى!

1 يناير 1970 11:46 م
| باسمة العنزي |

منذ أكثر من عام وكتابك يا أخ محمود الذي اشتريته من القاهرة الشتاء الماضي يتنقل في أرجاء المنزل، ومرة حملته معي في حقيبة السفر مقررة قراءته لكني طبعا لم أفعل!

قبل أيام نويت إنهاء معاناة كتابك، وعادة أتخيل الكتاب غير المقروء كأنه طفل مولود ينتظر شهادة ميلاده، وإثباته الرسمي لمواجهة العالم، المهم يا سي محمود أني قرأت (سيرتها الأولى) أخيرا.

الست نسمة بطلة الرواية دوختنا معاها، واسكت على اللي حصل لي يا محمود وأنا أتصفح روايتك!

ما فيش مشوار راحته الست نسم إلا وأنا معاها، وأنت السبب!

(بعد أن افترقت ونسمة مظهر لم يعد شيء أبدا كما كان. لا الدنيا أصبحت كما كانت تبدو، ولا النظرة إلى الحياة عادت كما كانت قبلها:

نظرة قصيرة، أحادية، لا تسبر الأغوار. الآن وقد خبرت أستار الأحجبة وأكاد أنفذ منها، هناك شيء جديد أراه).*

ولأنك يا محمود من أول صفحة أخبرتنا- بألم- أن سامح ونسمة افترقا، قررت كقارئة أن أرصد الأسباب ممكن أقدر أساعد وأقدم حلا أو حتى نصيحة أخوية، المهم أن الست نسمة بنت الناس الراقين الحنونة القاسية، الضعيفة المتسلطة، الرزينة المشاغبة، كان ينقصها شيء واحد فقط، الاقتناع بسامح الذي –على ما يبدو-لم يكن مقتنعا بها بشكل كامل طبعا، بالإضافة لرعبه غير المبرر من فكرة الارتباط!

يا سي محمود حكايتك قديمة ومكررة وسطحية، سامح متعلق بنسمة بنت الأكابر المطلقة مرتين، غير القادرة على الإنجاب، وهو لا يفكر في الزواج منها وفي الوقت نفسه يغار من طليقها صادق ويؤلمه فراقها بشدة، وحتى لو فكر وقرر أهلها مش حيرضوا فيه!

(تآلفت بعض الشيء مع إحساس الفقد، لكن ليس معنى ذلك أن ثمة أحساس بالسعادة يتسلل، فادراك السعادة بدون نسمة لا يزال شيئا خياليا،بعيد المنال كإيمان شيطان)*.

الرواية مبنـــــــــــية على لغة ايروســــية شـــــديدة الواقعـــــية، والأحداث تتداعى من نفقها المعتم بهدف اجترار أحزان ما بعد الفراق.

(هناك رفض اجتماعي متبادل، وأنا لا أستطيع على الإطلاق أن أترك نسمة، ومن المستحيل أن أتمكن من الاقتراب منها أكثر من ذلك، ومن المستحيل أيضا الابتعاد عنها، ومن الإرهاق البقاء على ما نحن فيه، كما أنه من العبث محاولة الرجوع بالزمن إلى الوراء و كأنني لم اعرفها بعد).*

والله يا محمود أسلوبك السهل البسيط ولغتك العامية المختلطة بالفصحى في الرواية وخفة حركة أبطالك وهم يتجولون من مكان إلى آخر، وغلاف كتابك الجميل، كل ما سبق لم يغفر لك ككاتب انك خدعتني كقارئة، كل ما أنهيت صفحة قلت لنفسي محمود لن يخيب أملك وستصفقين للعمل في النهاية لكن...!

(ايه ده يا محمود) أقولها لك كما قالتها حنان ترك في فيلم (أحلى الأوقات) لمنة شلبي وهند صبري، في مشهد السجن وهي ممتعضة وتضحك، بصراحة أجمل عبارة في الفيلم الممتع الأكثر من رائع.

ايه ده يا محمود... كنت فاكره الحكاية أكبر وأعمق وأفضل من اللي أنت كتبته، كله في ناحية والنهاية الصدمة، التي جعلتني فعلا أزعل من سامح ونسمة ومنال وصادق والعالم كله في ناحية ثانية.

بقي، نسمة بعد سنوات الرومانسية و العاطفة المتأججة و التردد و الحيرة قامت فجأة تجوزت بضغط من أهلها,اللي كانوا أصلا سايبينها على حل شعرها!

-مبروك.

- وانت كمان شد حيلك، وبعدين بقى بلاش رسايلك الغريبة دي على الموبايل، أكيد مش قصدك تهدم حياتي.

- هو أنا كنت أعرف حاجة؟

-أديك عرفت.

- بالتوفيق.

وللمرة الأولى لم أنتظر ردا.

أغلقت الموبايل وتركته في المنزل، أخذت مفاتيحي ونزلت إلى الشارع، وهناك قطعت الطريق متمهلا حتى عبرت طريق الكورنيش وجلست على السور.*

ولا يهمك يا سي سامح، كل مشكلة و لها حل، بس ربنا يجازى اللي كان السبب، محمود اللي ما عرفش يضبط أحداث روايته وبقيت الدنيا فوضى عالآخر.

محمود... دي كانت خيبتي الكبيرة لما اشتريت الرواية، وأكملت قراءتها، يا شيخ روح ربنا يهديك وتبطل تألف روايات وتتفرغ للسينما أو حتى للتصويرالضوئي.


رواية (سيرتها الأولى) لمحمود عبد الوهاب، دار شرقيات 2006.

[email protected]