أشهر التصفيات... والاغتيالات السياسية
أشرف مروان... قاتله لايزال مجهولا / 13
1 يناير 1970
05:07 ص
|القاهرة - من حنان عبدالهادي|
تعتبر الاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم جسديا قاسما مشتركا بين العرب والغرب - على حد سواء - منذ قرون طويلة وحتى الآن، وكانت تلك العمليات «الإرهابية»، ـ ولاتزال ـ تستهدف شخصيات بارزة ونافذة ورفيعة المستوى، ويمثل إقصاؤها فائدة كبرى لمن يخططون لتصفيتهم، تتمثل في إخفاء أسرار مهمة، أو إفساح الطريق للقفز إلى طموحات لا تتحقق ببقائهم على قيد الحياة.
وعبر التاريخ القديم والمعاصر... شملت عمليات التصفية الجسدية «ملوكا وحكاما ورؤساء حكومات وسياسيين نافذين وناشطين وفلاسفة»، ولأنه يتم التخطيط بعناية ودقة قبل تنفيذها... فإنها تبقى غالبا محاطة بالغموض، كما يبقى الفاعل الرئيسي مجهولا.
وبتعاقب السنين... تتطور عمليات الاغتيالات السياسية، فقديما كانت تتم عن طريق دس السم في الأكل والشرب، أو دفع الضحية من مكان شاهق، أو هدم حائط عليه أثناء نومه... ثم تطورت بعد ذلك بغرض عدم ترك أي دلائل تكشف القاتل، فأصبح كاتم الصوت وتفخيخ السيارات أو المكاتب أو تلغيم الظروف البريدية، وسائل مضمونة للتخلص من الخصوم والمنافسين، مع عدم ترك ما يعتبر أدلة كاشفة للجاني.
وتستعرض «الراي» خلال 15 حلقة... جانبا من أشهر التصفيات والاغتيالات الجسدية سواء في البلدان العربية أو خارجها، ونلقي الضوء على ضحايا تلك العمليات، وملابساتها وتفاصيلها الدقيقة... من خلال روايات شهود عيان والعودة إلى مواقع إلكترونية اهتمت بالشخصيات والعمليات، ومن خلال السير الذاتية لهؤلاء، وكتب اهتمت بهذه النوعية من القضايا.
وقد شغل موضوع الاغتيال السياسي والتصفيات الجسدية تفكير العديد من الباحثين والمفكرين على مر العصور، حيث تحدث عنه علماء الاجتماع والنفس والسياسة ورجال الدين، ووضعوا فيه كثيرا من الكتب التي تعد مراجع في هذا الموضوع.
ويبقى السؤال الأهم: هل يحل الاغتيال السياسي المشاكل السياسية أو يغير الواقع السياسي أو يحقق الاستقرار والهدوء؟ غالبا: «لا».
من قتل أشرف مروان؟ هل كان أشرف مروان عميلا مزدوجا لمصر وإسرائيل؟ وهل قدم خدمات جليلة للموساد قبل حرب أكتوبر؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير جدا، يكتنفها الغموض، الذي أحاط بحياة أشرف مروان، إثر سقوطه من شرفة شقته في لندن قبل أكثر من عامين.
تصفية مروان تشابهت في تفاصيلها الدقيقة مع تصفية مصريين آخرين مثل «الليثي ناصف وسعاد حسني»، وهو ما يطرح تساؤلات عدة وزاد الأمر تعقيدا.
وأشرف مروان. هو صهر الرئيس المصري الراحل «جمال عبدالناصر»، وكان قضى إثر سقوطه من شرفة شقته في شارع «كارلتون تيراس هاوس» بوسط لندن في يونيو 2007، وقد كان مروان يكتب في هذه الفترة مذكراته - التي اختفت يوم وفاته - ولد أشرف مروان في يوم 2 فبراير العام 1944، كان والده ضابطا كبيرا بالجيش المصري، وهو اللواء «أبوالوفا مروان»، الذي تولى إدارة سلاح الحرب الكيماوية قبل أن يحال للتقاعد ويتولى شركة مصر للأسواق الحرة.
بعد حصوله على بكالوريوس العلوم في العام 1965 - بحسب ما ذكر الكاتب الراحل محمود فوزي في كتابه «أسرار اغتيال أشرف مروان - عمل بالمعامل المركزية للقوات المسلحة، ثم عمل مساعدا لـ «عبدالناصر»، وبعد وفاة الرئيس المصري «جمال عبدالناصر» العام 1970 أصبح المستشار السياسي والأمني للرئيس الراحل «أنور السادات»، وعينه سكرتيرا خاصا لشؤون المعلومات العام 1971 قبل يومين من ثورة التصحيح.
وفي العام 1974 حصل على الدكتوراه. في نفس التخصص من جامعة لندن، ورأس الهيئة العربية للتصنيع في بلاده ما بين عامي «1974 - 1979»، كان عضوا في لجنة الإشراف على التطور وصناعة الأسلحة في مصر وليبيا، وعضوا في المجلس الأعلى للمشروعات الطبية في مجال الطاقة النووية العام 1973.
عين سكرتيرا للرئيس السادات للشؤون الخارجية في العام 1974، ونال وساما من الرئيس المصري الراحل أنور السادات. على خدماته للوطن في حرب أكتوبر المجيدة، وعندما تقاعد اتجه لعالم المال والأعمال في عدد من عواصم العالم، أهمها لندن.
عرض خدماته على الموساد
في العام 2002 صدر في لندن كتاب تحت عنوان «تاريخ إسرائيل» للمؤرخ والضابط الإسرائيلي السابق والمقيم في لندن «أهارون بيرجمان»، وأشار فيه إلى أن «أشرف مروان» بصفته - دون ذكر اسمه - عمل جاسوسا للموساد الإسرائيلي، وقد ذهب مروان بنفسه للسفارة الإسرائيلية في لندن العام 1968، عارضا خدماته على الموساد ليكون رجلهم في بيت «عبدالناصر»، ورئاسة الجمهورية.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي في كتابه: إن الإسرائيليين أصيبوا بصدمة مروعة بعدما عرفوا حقيقته، لكنهم لم يتركوا ذلك - الصيد الثمين - يفلت من أيديهم، بل إنهم وثقوا فيه ودللوه، ودفعوا له 100 ألف جنيه إسترليني عن كل لقاء معه.
وأكد «أهارون» في كتابه أن تقارير «مروان» لم يكن يقرأها سوى كبار الشخصيات الحاكمة في «تل أبيب» مثل رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، ومديري المخابرات.
أما عن خدمات مروان لإسرائيل فقال «أهارون»: سلم أشرف مروان لهم نسخة مكتوبة من حوار «عبدالناصر» مع القادة السوفيت في العام 1970، وطالبهم فيه بقاذفات طويلة المدى.
وعن فترة «السادات» قال الكاتب: إن «مروان» سلمهم نسخة من رسالة سرية بعث بها «أنور السادات» إلى الرئيس السوفيتي «ليونيد بريجنيف» العام 1972 طالبه فيها بصواريخ للدفاع الجوي، لحماية مصر من غارات الطيران الإسرائيلي.
وكشف لهم «مروان» عن خطة انتقام الرئيس الليبي العقيد «معمر القذافي» لضحايا الطائرة الليبية التي أسقطها الإسرائيليون، وكان على متنها مذيعة التلفزيون المصرية الشهيرة «سلوى حجازي» وتتلخص الرواية في إرسال صواريخ لجماعة فلسطينية تعيش في «روما» لتضرب بها إحدى طائرات شركات «العال»، ووضعت الصواريخ في سجاجيد حملتها ابنة الرئيس عبدالناصر «منى عبدالناصر» معها إلى مكان التتنفيذ، لكن العملية كُشفت، وقُبض على المجموعة الفلسطينية، وكان القبض عليها دليلا قدمه «أشرف مروان» ليثبت ولاءه للموساد.
كل ما نُشر وقيل لم يهز الجهات المعنية في مصر، وتعاملت مع اتهام «مروان» بالتجسس من دون تعليق. كأن الأمر لا يعنيها، أو كأن لها حسابات مختلفة وتنتظر التوقيت المناسب للتعامل معها.
لم يعبأ بأي اتهامات
أما أشرف مروان نفسه لم يغير عاداته، وراح يتنقل بين «القاهرة ولندن ونيويورك ومونتريال وماربيلا الإسبانية»، حيث يمتلك فندقا هناك كانت تديره شركة شيراتون العالمية، قبل أن يفسخ عقدها معه، ويديره بمعرفته، وقد اعتاد أن يستقبل فيه عائلته وأصحابه المقربين خلال شهري يوليو وأغسطس، ويكون كريما معهم. يمنحهم ما يكفي للتسوق ويزيد، وفي بعض الأحيان كان يقيم حفلات خاصة هناك يغني فيها «عمرو دياب».. وترقص «دينا» وكانا أقرب الفنانين إليه، تغيرت تلك العادات بعد أقل من سنة، ولم يعد يزور مصر، في ذلك الوقت بالتحديد في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2003، أفرجت إسرائيل عن وثائق سرية بمناسبة مرور ربع قرن على حرب أكتوبر أو «يوم كيبور» اتهمت فيها «مروان» بالتجسس لحسابها رسميا.
الطفل المعجزة
أكثر من ذلك اتهمته صحيفة «معاريف» - التي نشرت صورة من الوثائق - بأنه كان وراء عمليات اغتيال رئيس الحرس الجمهوري الأسبق «الليثي ناصف»، الذي ساعد «أنور السادات» في انقلاب 15 مايو 1971، وبرز فيه اسم «أشرف مروان»، الذي حمل فيما بعد اسم «الطفل المعجزة».
لم يحتمل مروان «تجدد التهمة وبهذه الصورة التي بدت هذه المرة - دامغة - فترك القاهرة إلى نيويورك، وبعد فترة وجد نفسه مضطرا لدخول مستشفى هناك، وإجراء جراحة جديدة في القلب.
ثروة بمليار دولار
كانت الجراحة - شديدة الخطورة على حياته - لدرجة أنه استدعى زوجته وابنيه «جمال» و«أحمد»، وراجع معهم وصيته، وأملاكه وثروته وشركاته واستثماراته، وهي تقترب من المليار دولار على أضعف التقديرات.
وأغلب الظن أنه لم يأت إلى القاهرة إلا لحضور عقد قران جمال مبارك، وخديجة الجمال، وكان حضوره بعدما اتهم به - مفاجأة - وقد فسرها البعض أن الرئيس قد دعا عائلتي «جمال عبدالناصر» و«أنور السادات» من باب التقاليد، التي حرص عليها منذ توليه السلطة، وعندما وصل «مروان» إلى مطار القاهرة فتحت له قاعة كبار الزوار، وجاء ولداه وزوجته وأحفاده الخمسة لاستقباله، وكان المشهد مؤثرا، لكل من حضره.
وحصل «مروان» على الجنسية الكندية، بعد أن أسس مشروعا سكنيا متميزا بجانب مطار «ميرايل»، وهو المطار الثاني لمدينة مونتريال، وكان شريكه في البداية «رشدي صبحي»، الذي تخارج منه، ورفض مروان بيعه.
حيقتلوني
كان «مروان» يقيم في لندن في شقة تقع في 24 كارلتون هاوس في منطقة «سان جيمس» القريبة من «بيكاديللي» و«بول مول»، التي تشتهر بحديقة «ساينت جايمز» القريبة من قصر الملكة بـ «بيكنجهام» والعمارة تقع في شارع مسدود، بالقرب من نادي السيارات، الذي يحمل عضويته، ويقع على بُعد «5» دقائق سيرا على الأقدام.
وفي البيت والشوارع المحيطة به، تُعلق كاميرات تلفزيونية عديدة، سجلت عملية سقوطه من الدور الرابع، وتحفّظ البوليس البريطاني على الشرائط.
في الفترة الأخيرة - بحسب ما كتبه الكاتب المصري عادل حمودة.. حول أسرار اغتيال أشرف مروان - شعر «مروان» بضيق الشقة التي تحتل طابقا كاملا، لأنها لم تعد تتسع لحضور أولاده، وأحفاده معا، فاشترى شقة أكثر رحابة، لكنه لم ينتقل إليها وبقي في شقته القديمة مع خادمة بلغارية يزيد عمرها على 40 سنة تخدمه منذ نحو 20 سنة.
والحقيقة أن أشرف مروان - كان خلال الشهرين الأخيرين - يشعر بالخطر على حياته ويقول لكل من حوله: إن هناك من يراقبه ويمشي وراءه، ويرصد أنفاسه، بل إنه كرر أكثر من مرة كلمة «حيقتلوني» لكنه لم يفصح عمن سيقتلونه، وهو ما اعتبره البعض نوعا من الوساوس المرضية، وإن كان يصعب قبول التفسير النفسي للحالة التي كان عليها، مع شخص مدرب - تدريبا محترفا - على أعمال المخابرات، ويعرف كيف يكون متماسكا في أصعب الأوقات، والمؤكد أن هناك من يطارده ويسعى لقتله.
وكان مروان يشعر في الشهور الأخيرة بخيانة أشخاص مقربين له من دون أن نعرف مدى حقيقة ذلك، فقد استغنى فجأة عن خدمات سكرتيرته «عزة فوزي عبدالحافظ» ابنة السكرتير الخاص للرئيس «أنور السادات»، والذي أصيب معه في حادث المنصة، وإن بقي على قيد الحياة - صامتا لا يتكلم - وقد عملت «عزة» مع «مروان» بعد أن ترك الهيئة العامة للتصنيع، وتفرغ لاستثماراته الخاصة، وعمل معه كذلك زوجها «عصام شوقي» في أحد مصانعه «ببريطانيا»، وقد تخلص - منهما معا - بعد أن منحهما مكافأة مجزية - كعادته - في إنهاء خدمات من يعملون معه، حتى يحتفظوا بأسراره.
صدمة صديق عمره
أما صدمته المؤلمة، كانت في صديق عمره «حسام رشدي» فهو جار قديم كان يسكن معه في بيت أبيه في شارع «الحكماء» بمصر الجديدة، وكان ضابط مباحث في القسم القريب من بيته ونقله «مروان» إلى شرطة رئاسة الجمهورية، مكافأة من «مروان» على دوره مع السادات في عملية مراكز القوى، وقد حمل استقالات رجال «عبدالناصر» وحمل للسادات تسجيلات حصل عليها من ضابط الشرطة «طه زكي»، وتدور حول الرئيس «السادات» وزوجته السيدة «جيهان».