طلاق السياسيين ... نزوات وفضائح ومعارك
فتحية ورياض غالي... نهاية مأسوية لزواج أميرة / 9
1 يناير 1970
05:56 م
|القاهرة - من أغاريد مصطفى|
يتساءل البعض: «لماذا يقع الطلاق رغم أن الزواج تم في أغلب الأحيان... بعد قصص حب جميلة وطويلة وأيضا يسأل الناس: لماذا حالات طلاق المشاهير، هي التي يتم إلقاء الضوء عليها بصورة أكبر.. وخاصة بين السياسيين؟».
سؤالان.. في حاجة إلى إجابة... قد نجدها ونحن نقلب في قصص غرام، وحكايات طلاق وفراق الساسة «ملوك ورؤساء وأمراء ورؤساء حكومات وأحزاب»، أو غير ذلك.
وعموما قرار الطلاق يحمل قدرا من الشجاعة في مواجهة النفس ومواجهة الواقع والحياة، فإذا انتهى الحب أو استحالت العشرة... فلماذا يستمر الناس في علاقات زائفة لإرضاء المجتمع، أو حتى لتحاشي القيل والقال.
وهناك من الأمثلة الكثير في هذا الشأن... فطلاق الأمير تشارلز والأميرة الجميلة الراحلة ديانا. أثار لدى العامة والخاصة حالة هائلة من الدهشة والانزعاج، وخاصة عند الذين تابعوا مراسم زفافهما الأسطوري، الذي قيل عنه إنه زفاف القرن العشرين فهؤلاء أنفسهم قد تملكتهم الدهشة، وضربوا كفا بكف أيضا، وهم يتابعون حفل زفاف الأمير تشارلز وعشيقته السابقة «كاميللا».
وهناك أيضا قصة طلاق الملك فاروق والملكة فريدة، التي جاءت بعد قصة حب جميلة ما أثار تساؤلات الناس وقتها حول أسباب الطلاق، فالبعض أرجع ذلك لرغبة فاروق في إنجاب طفل ذكر- ولي عهد- والبعض، أرجع ذلك لكراهية فريدة لحياة القصر وما يحدث فيه من مفاسد، وعدم قدرتها على احتمال حياة المجون والعبث التي كان يحياها الملك فاروق، بينما راح البعض يؤكد أن الخيانة الزوجية كانت سببا في الطلاق وأن الملك اكتشف علاقة غرامية بين فريدة وأحد النبلاء.
وبالرغم من أن الملوك ورجال السياسة قد يضطرون أحيانا لاحتمال حياة زوجية خربة وفاسدة. لتجنب الفضيحة والأزمات السياسية والديبلوماسية، وللحفاظ على صورتهم وسمعتهم أمام الرأي العام، ومع ذلك فبعضهم يفضل الطلاق على الاستمرار في علاقة كاذبة.
فهناك عدد كبير من رجال السياسة الذين قرروا الانفصال والطلاق بدلا من حياة غير مستقرة تتخللها العديد من المشاكل وغياب التفاهم، ومن الأمثلة الكثير فهناك طلاق أشهر سجين سياسي «نيلسون مانديلا» والرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي انفصل عن زوجته ليتزوج من جيهان السادات.
والأمر هنا لا يقتصر على الساسة العرب وحدهم، ولكن أيضا الساسة في أوروبا وأميركا، وأماكن أخرى حجزوا أماكن مهمة في الصفوف الأولى لحفلات الطلاق، ولعل أشهر هذه الحفلات وأقربها طلاق الرئيس الفرنسى ساركوزى من زوجته سيسيلا ليتزوج من عارضة الأزياء كارلا، فى خطوة فاجأت الجميع.
وطلب زوجة رئيس الحكومة الإيطالية برلسكوني، الفراق، من كثرة غرامياته ونزواته.
طلاق السياسيين... يحمل مفارقات ومفاجآت... وفضائح وغراميات وأشياء أخرى... في السطور التالية تفاصيلها:
تعددت قصص الزواج الفاشل والطلاق الغريبة في الأسرة المالكة المصرية قبل ثورة 23 يوليو في العام 1952، وبقيت رغم اختلاف الروايات حولها ـ يتذكرها الناس ويعيدون روايتها.
وهذه قصة الأميرة فتحية، وهي شقيقة الملك فاروق أو بالأصح هي أصغر شقيقاته، وبمعنى آخر كانت دلوعة والدتها ودلوعة أسرة محمد علي.
وقصة فتحية كانت عادية جدا حتى اشتكت والدتها الملكة نازلي من آلام مزمنة في الكلية تستدعي سفرها للخارج وبالأصح إلى أوروبا والولايات المتحدة وسافرت معها الأميرة فتحية والأميرة فائزة والأميرة فائقة.
وحتى بعد تعافي الملكة رفضت العودة ولكن لم يعلم أحد لماذا، ولكن كان الملك فاروق يعلم، فشقيقته فتحية على علاقة حب مع رياض غالي الشاب المصري سيئ السمعة، والأكثر من ذلك أنه مسيحي الديانة، والأميرة فتحية مسلمة، لذلك فحبهما كارثة.
ولكن كانت الملكة نازلي تبارك هذا الزواج وتشجع ابنتها على تحدي شقيقها، وحاول فاروق منع الزواج بعدة طرق، حيث عرض على رياض غالي أموالا ومجوهرات، ولكنه رفض بحجة أنه يحب الأميرة فتحية وأنها أغلى من أي مجوهرات.
واستمرت الأميرة فتحية وأمها ورياض غالي في العند، واستمر فاروق في الرفض، ولكن كانت النتيجة أن انتصرت الملكة وابنتها على ابنها الملك وجعلته أضحوكة أمام شعبه وفاجأت الجميع بإعلانها الصدمة بأنها تحولت إلى المسيحية هي وابنتها وأسمت نفسها ماري إليزابيث.
وكان رد فاروق قاسيا فحرمهما من لقب الإمارة وحرمهما من جميع مستحقاتهما المالية وحرمهما نهائيا من النسب إلى أسرة محمد علي.
وجاء رد الملكة نازلي بأن هكذا هو ابنها، ولم يكمل شيئا في حياته حتى النهاية فهو ولد قبل موعده ولم يكمل تعليمه ودراسته ولم يكمل زواجه وبعد ذلك لم يكمل حكمه.
سعادة قصيرة
وعاش الزوجان فترة قصيرة من السعادة وأنجبا خلالها ولدين وبنتا بل واشترى لها زوجها مسدسا لحمايتها، ولم تدر أن نهايتها ستكون من هذا المسدس، ولكن بعد خسارة رياض غالي لأموال فتحية الباقية وتبديدها في القمار والخمر واضطرت فتحية لترك المنزل والحياة في غرفة بسيطة مع أمها، التي نهب رياض أموالها أيضا واضطرت فتحية للعمل بأعمال مهينة لها كأميرة سابقة حتى تستطيع أن تعول نفسها وأبناءها وأمها وطلبت الطلاق من زوجها. حسب ما ذكره كتاب «كيف قتلت الملك فاروق» للكاتب إبراهيم بغدادي.
وفي يوم رجاها زوجها أن تذهب إليه في المنزل لترى حالته بعد تركها له، وذهبت إليه كي ترى الرجل الذي تحدت عائلتها من أجله ولكنها ذهبت بلا رجعة حيث أطلق عليها رصاصات المسدس الذي اشتراه لحمايتها كي تكتب النهاية لقصة أميرة أقل ما أستطيع أن أقوله عنها سوى : حياتك عبرة وعظة لأولي الألباب.
تفاصيل حياتها
وحياة الأميرة فتحية مليئة بالأحداث... حيث تحدثت الملكة نازلي والأميرة فتحية أمام الصحافيين للتعليق على القرارات الصادرة من مجلس البلاط في يونايتد بوست إن الأميرة فتحية سُئِلَت عن رأيها في معارضة الملك فاروق فقالت: «إن غايتي الوحيدة أن أجعل زوجي سعيداً، وأن أنجب له عدداً من الأطفال».
وقالت: رياض غالي واسم شهرته مينا- المولود في 11 فبراير العام 1919، أما هي فولدت في 17 ديسمبر 1930، وتزوجت رياض غالي وأثمر هذا الزواج الذي تم في 10 مايو العام 1950عن... «رفيق»، وهو المولود في 29 نوفمبر 1952، و«رائد» المولود في 20 مايو 1954و«رانيا» المولودة في 21 أبريل 1956.
وفي سجلات شرطة لوس أنجلوس... ورد الكثير عن حياتها حيث كتبت: طرأت بين الزوجين خلافات وصلت إلى حد أن رياض غالي كان يضرب زوجته دائماً، ثم يضرب الملكة نازلي ويضرب الأميرة فائزة إذا حاولتا التدخل لمنعه من الاعتداء على زوجته.
وذكرت: أخذ الزوج في ابتزاز نازلي وابنتها ماليا، وفي حين انشغلت فتحية بإنجاب الأطفال، أخذ غالي يبدد الأموال في شراء وتعاطي المخدرات، واعتدى بالضرب على زوجته في أكثر من مناسبة، لدرجة أنه كسر ذات مرة زجاجة خمر في ملهى ليلي وحاول أن يضربها بها لأنها طالبته بالطلاق.
وانفصل الزوجان جسديا العام 1965، ثم طلبت فتحية الطلاق في العام 1973. ولم تنته فصول القصة المثيرة بالطلاق، فقد حدث أن توفيت جليلة - أم رياض غالي - وكانت على علاقة طيبة بفتحية، فأرادت الأخيرة أن تقدم واجب التعزية، وأراد رياض إعادتها إليه، لكنها رفضت، وكانت تفكر آنذاك في العودة إلى مصر بعد أن أفلست هي وأمها، وبيعت آخر مجوهرات الملكة نازلي في المزاد العلني.
غير أن رياض غالي - واسم شهرته مينا- طلب من فتحية أن تزوره للمرة الأخيرة، وكانت بالفعل زيارة أخيرة، إذ أطلق عليها الرصاص في مساء 10 ديسمبر العام 1976، واستقرت 5 رصاصات في جسد فتحية لترديها قتيلة على الفور.
وحاول القاتل إطلاق رصاصة على نفسه بقصد الانتحار، لكنه نجا من الموت، وعندما تأخرت فتحية في العودة... ذهب ابنها إلى منزل مطلقها في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، ليجد جثة أمه على الأرض غارقة في دمائها، في حين كان والده مصابا بطلق ناري أدى إلى أن يفقد جزءا من قدرته على الإبصار، إضافة إلى ضعف في الذاكرة لازمه حتى وفاته في سانتا مونيكا بلوس أنجلوس في 12 يوليو العام 1987.
حكم المحكمة
وحكمت إحدى المحاكم العليا الأميركية في 12 أبريل العام 1978 على رياض غالي بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة و15سنة... لقتله مطلقته الأميرة فتحية.
والقانون الجنائي الأميركي يمنح من يصدر ضده حكم تتراوح مدته بين حدين، الحق في التقدم سنويا بالتماس إلى المحكمة العليا ومن حق المحكمة أن تصدر عفوا عنه إذا استوفى في نظرها شروطا معينة.
وشيعت جنازة فتحية في مدينة لوس أنجلوس ودُفِنَت هناك في مقبرة «غاردن أوف ذي هولي كروس» في كالفر سيتي بناء على رغبة الملكة نازلي وضد رغبة أولادها، الذين كانوا يريدون دفن أمهم في مصر، أما الذين شيعوا الجنازة فقد تجاوز عددهم 300 شخص، معظمهم من أصدقاء العائلة وأعضاء المجتمع الأرستقراطي الأميركي.
قراءة «الطالع»
وعندما سافرت إلى أوروبا العام 1946 قابلت في إسبانيا رجلا يدعى الشيخ سالم التلمساني وهو جزائري الأصل... يتظاهر بقراءة الغيب... نجح في أن يأخذ منها مبالغ طائلة من المال حتى يبطل سحرا ادعى أنها موصومة به.
وفي فرنسا استشارت دجالا اسمه طاهري بك وهو أرمني الأصل عاش في مصر وأقام حفلات شعوذة على مسرح رمسيس في العشرينات قبل أن يهاجر إلى أوروبا ولم يكن من الصعب عليه هو أيضا أن يحتال عليها بمبالغ طائلة، ولقد سيطر رياض غالي على نازلي بالجنس والمورفين والمشعوذين ثم تزوج ابنتها.
وانقسم الشارع المصري في ذلك الوقت بسبب زواج فتحية ورياض غالي إلى فريقين... فريق يرفضه ويعتبره خروجا عن التقاليد المصرية والشريعة الإسلامية ويرى أنه لا يزيد على زواج متعة بين أميرة طائشة ورجل يدمن الشهرة والأفيون.
وفريق يتحمس للزواج ويرى في رياض غالي محبا وعاشقا مظلوما وقفت الظروف كلها ضده ولم يكن أمامه سوى الهرب من دينه ووطنه ليتزوج من حبيبته.
في الوقت نفسه كان الشارع المصري مشغولا بقصص قريبة الشبه إلى حد ما من قصة فتحية وغالي... قصص حب بين شباب يختلفون في الديانة... فتاة مسلمة وشاب مسيحي، أو شاب مسلم وفتاة مسيحية.
وأشهرها قصة فتاة من عائلة قبطية عريقة وثرية أحبت شابا مسلما كان زميلا لها في الجامعة، وكان العاشقان يحرصان في البداية على التستر وإخفاء مشاعرهما، لكن سخونة العلاقة كشفت كل شيء، وعرفت عائلة الفتاة وخافوا على تبعاته فزوجوها من قريب لهم تحت عوامل شديدة من الضغط والإكراه.
ورضيت الفتاة بمصيرها وقطعت دراستها وحاولت أن تنسى حبيبها ولكن شاء القدر أن يجمعها به في حفلة خيرية فعاتبها على هجرها له لكنها شرحت له موقف أهلها وأنها ستزف إلى قريبها بعد أسابيع قليلة.
وأصيب الشاب بحالة هستيرية وصلت به إلى حد تهديد الفتاة بالقتل ليلة زفافها وضعفت الفتاة أمام عناده واتفقت معه على الهرب... وبالفعل ذهب بها إلى المحكمة الشرعية وأعلن إسلامها وتزوجها.
ولقد انتقلت متاعب الزواج المختلط دينيا من القصر إلى الشارع وفجرت قضايا طائفية كانت مكتومة ومسكوتا عنها... لكنها سرعان ما تحولت إلى قنابل لهب تهدد الوحدة الوطنية وتثير النعرات الدينية.
ولقد حاول رياض غالي تصوير اعتراض القصر على زواجه من الأميرة فتحية بأنه اعتراض طائفي، لا اعتراض سياسي وفي ظل مجتمع كان مضطربا ونظام كان يتأرجح نفعت حيلته وقفزت إلى السطح حكايات الزواج الديني المختلط وانقسم الجميع حولها... ثم تحول الانقسام إلى خلاف... ثم تحول الخلاف إلى شجار... مثلما نراه الآن.
المخصصات الملكية
وفي الوقت نفسه صدمت نازلي بقرار حرمانها من مخصصاتها الملكية فراحت هي وابنتها تبيع مجوهراتها لتأكل وتنفق على رجل لم يتعود العمل... فلم تجد فتحية مفرا من أن تبحث عن مهنة تطعمها هي وأمها وتجلب الهيرويين لزوجها... لكنها مع الأسف لم تكن تجيد شيئا سوى أنها أميرة... وهي ليست وظيفة مطلوبة... فتنازلت درجة وعملت موظفة استقبال في فندق خمس نجوم... ثم تنازلت درجتين وعملت موظفة إدارية في فندق 3 نجوم... ثم تنازلت 5 درجات وعملت - بارميد - في بار صغير، ثم تنازلت 10 درجات وعملت خادمة في مطعم... تغسل وتكنس وتنظف الصحون.
لم يتحرك رياض غالي من مكانه وحاول أن يكسب رزقه من لعب القمار وترويج المخدرات لكنه لم ينجح حتى في ذلك... فلم يجد أمامه سوى زوجته المسكينة يسرق منها ما تدخره من دولارات قليلة كي تشتري بها ثيابا شتوية لها ولأمها... ولم يتردد في أن يضربها ويعاملها بقسوة حتى يحصل منها على ما يريد.
وأرسلت نازلي خطابات إلى ملوك عرب مختلفين تطلب منهم إعانة تعيش عليها وتلقت أموالا مناسبة من التسول دخلت بها في مشروعات تجارية مع شاب أحبته فاستولى عليها ولم تستول عليه.
وبعد 30 سنة نشرت الصحف الأميركية أن رياض غالي أطلق النار على زوجته ثم أطلق النار على نفسه ليسدل الستار على قصة حب لم يكن من الممكن أن تستمر... ودفن هو وزوجته بالقرب من مقبرة أمها التي لم تجد سوى مقابر الصدقة المسيحية تؤويها المأوى الأخير.