أشهر التصفيات... والاغتيالات السياسية

محمد بوضياف... «رئيس» ضحية مقاومة الفساد / 8

1 يناير 1970 05:07 م
|القاهرة - من حنان عبدالهادي|
تعتبر الاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم جسديا قاسما مشتركا بين العرب والغرب - على حد سواء - منذ قرون طويلة وحتى الآن، وكانت تلك العمليات «الإرهابية»، ـ ولاتزال ـ تستهدف شخصيات بارزة ونافذة ورفيعة المستوى، ويمثل إقصاؤها فائدة كبرى لمن يخططون لتصفيتهم، تتمثل في إخفاء أسرار مهمة، أو إفساح الطريق للقفز إلى طموحات لا تتحقق ببقائهم على قيد الحياة.
وعبر التاريخ القديم والمعاصر... شملت عمليات التصفية الجسدية «ملوكا وحكاما ورؤساء حكومات وسياسيين نافذين وناشطين وفلاسفة»، ولأنه يتم التخطيط بعناية ودقة قبل تنفيذها... فإنها تبقى غالبا محاطة بالغموض، كما يبقى الفاعل الرئيسي مجهولا.
وبتعاقب السنين... تتطور عمليات الاغتيالات السياسية، فقديما كانت تتم عن طريق دس السم في الأكل والشرب، أو دفع الضحية من مكان شاهق، أو هدم حائط عليه أثناء نومه... ثم تطورت بعد ذلك بغرض عدم ترك أي دلائل تكشف القاتل، فأصبح كاتم الصوت وتفخيخ السيارات أو المكاتب أو تلغيم الظروف البريدية، وسائل مضمونة للتخلص من الخصوم والمنافسين، مع عدم ترك ما يعتبر أدلة كاشفة للجاني.
وتستعرض «الراي» خلال 15 حلقة... جانبا من أشهر التصفيات والاغتيالات الجسدية سواء في البلدان العربية أو خارجها، ونلقي الضوء على ضحايا تلك العمليات، وملابساتها وتفاصيلها الدقيقة... من خلال روايات شهود عيان والعودة إلى مواقع إلكترونية اهتمت بالشخصيات والعمليات، ومن خلال السير الذاتية لهؤلاء، وكتب اهتمت بهذه النوعية من القضايا.
وقد شغل موضوع الاغتيال السياسي والتصفيات الجسدية تفكير العديد من الباحثين والمفكرين على مر العصور، حيث تحدث عنه علماء الاجتماع والنفس والسياسة ورجال الدين، ووضعوا فيه كثيرا من الكتب التي تعد مراجع في هذا الموضوع.
ويبقى السؤال الأهم: هل يحل الاغتيال السياسي المشاكل السياسية أو يغير الواقع السياسي أو يحقق الاستقرار والهدوء؟ غالبا: «لا».

من أشهر الرؤساء العرب الذين تمت تصفيتهم جسديا الرئيس الجزائري محمد بوضياف، الذي قتل بعد وصوله إلى الحكم بـ6 أشهر فقط.
محمد بوضياف - الذي حاول كشف الفساد والمختلسين وأسس التجمع الوطني للإصلاح الاقتصادي - كان شديد الانتقاد - للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وحزب جبهة التحرير الوطني واصفا النظام بالفساد، كما أنه وعد بحل قضية الصحراء بطريقة ترضي المغرب، وحاول إطفاء الفتن وإحلال الإصلاح لكنه اغتيل على يد أحد عناصر القوات الخاصة.
بدايته
وبحسب ما ذكر على موقع ويكيبيديا باللغة العربية ... فإنه وُلد في برقة «أولاد ماضي» بولاية المسلية العام 1919 واشتغل بمصالح تحصيل الضرائب في «جيجل» انضم لصفوف حرب الشعب، ثم أصبح عضوا في المنظمة السرية.
كان من قياديي التنظيم العسكري التابع لحزب الشعب الجزائري الذي أسس العام 1947 للإعداد للثورة الجزائرية، ثم انكشف أمر التنظيم من السلطات الاستعمارية، فدخل بوضياف المرحلة السرية واختفى عن الأنظار.
وفي العام 1954 تأسست جماعة «22 ... الثورية للوحدة والعمل» واللجان الست والتي فجّرت ثورة التحرير الجزائرية وكان بوضياف ممن ساهموا في تأسيسها.
اعتقال وإعدام
في العام 1956 خطفت السلطات الاستعمارية الطائرة التي كانت تقله ورفاقه من المغرب لتونس واعتقل وحكم عليه بالإعدام، ثم أفرج عنه لاحقا بسبب تدخل الوسطاء، وسافر لباريس ومنها للقنيطرة بالمغرب.
في العام 1962 أسس بوضياف حزب الثورة الاشتراكية وفي العام 1963 تم توقيفه وسجنه في الجنوب الجزائري لمدة 3 شهور وانتقل بعدها للمغرب.
في العام 1972 عاش متنقلا بين فرنسا والمغرب في إطار النشاط السياسي وكذلك لتنشيط مجلة «الجريدة» وفي العام 1979وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين قام بحل حزب الثورة الاشتراكية، وتفرغ لأعماله الصناعية حيث كان يدير مصنعا بالقنيطرة بالمغرب.
بعد الانقلاب العسكري في العام 1992، أراد جنرالات الجيش القمعيون تهدئة المواطنين الساخطين بسبب إيقاف المسار الانتخابي وإبعاد الجيش عن قيادة الدولة لتكون الحكومة مدنية تفاديا لانتقادات الدول الغربية والتي أبدت ارتياحها لعدم وصول «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» إلى الحكم، لكن هذه الدول الغربية لا تستطيع دعم ديكتاتورية عسكرية مباشرة.
رئيس ذو مواصفات معينة
كان على هؤلاء الجنرالات - بحسب ما جاء على الموقع العربي للدفاع والتسليح - إيجاد رئيس دولة يتمتع بمواصفات معينة ومعايير محددة، كأن يكون من قدماء المجاهدين، له ماض لا يعاب ضحية لنظام «الشاذلي» وحتى «بومدين» بعيدا عن الانقسامات السياسية، وقد توافرت كل هذه الشروط في السيد محمد بوضياف.
وكان السؤال: هل يقبل السيد بوضياف هذا المنصب، وهو الذي ترك الحياة السياسية ليتفرغ لأعماله وأسرته؟ فقرروا إرسال صديق قديم لإبلاغه بالاقتراح، في حين حبس جميع جنرالات الأمانة العامة لوزارة الدفاع الوطني أنفاسهم في انتظار الجواب بالقبول أو الرفض.
التقى الصديقان محمد بوضياف وعلي هارون بالمغرب وأطلعه على هدف الزيارة ووعد بوضياف بالرد في أقرب وقت وبعد مشاورات مع الأسرة والأصدقاء وافق بوضياف ليس لعظم المنصب ولكن لأن الوضع بالجزائر كان خطيرا وينذر بالكارثة.
وباشر اتصالاته بأعضاء قدامى بحزب الثورة الاشتراكي وأطلع العاهل المغربي الحسن الثاني على الموضوع الذي اعتبره هدية السماء لحل قضية الصحراء.
اعتبر هارون جنرالات الجزائر «البينوشيين» الذين أعلنوا الخبر للعامة، كحل للأزمة الدستورية التي تهدد مصالحهم الشخصية وبدأت التحضيرات لاستقباله، وتم إطلاع حكومة باريس على الاختيار في نفس الليلة اتصل النظام الفرنسي بـ «بوضياف» المعروف لدى الفرنسيين لشغله منصب ضابط مساعد بالجيش الفرنسي وحيازته لميدالية عسكرية وصليب الحرب الفرنسية، في حين اعترض البعض لأن بوضياف انحاز لجانب الملك الحسن أيام المسيرة الخضراء وأدت لنشوب حرب الإخوة التي راح ضحيتها آلاف الجنود، غير المفقودين والمعتقلين.
بمجرد وصول بوضياف لقصر الرئاسة كان عمره «73 عاما» بدأ يكشف أسرار دولة على وشك الخراب، وعلى حافة حرب أهلية، لكنه كان مقيدا من صناع القرار وزراء الدفاع في البداية.
أزمة مع الجيش
مع مرور الوقت تحرر بوضياف وحاول جلب المقرّبين وأصدقائه، لكنه لم يجد صدى لدى ضباط الجيش الذين ألغوا مراسم التنصيب، وكثرت الشجارات الشفوية لأن مسؤولين ساميين بوزارة الدفاع كانوا يصدرون أوامر مناقضة لأوامره، وعملوا على تقليص مسؤولياته ومراقبة اتصالاته والاستعداد لتصفية من يتصل بهم عن طريق قناصي «الجنرال توفيق».
أدرك بوضياف مؤخرا أن مساندة شعبية شرعية وقوية هي الوحيدة القادرة على أن تمده بقوة كافية لإجراء التغييرات الضرورية لإخراج الجزائر من أزمتها، هذه التغييرات لم تعجب الجنرالات الذين يضعون سيناريوهات السياسة الجزائرية... في حين طلب الأوفياء من بوضياف توخي الحذر، بينما تعرض رئيس مكتبه لمضايقات هاتفية تارة، ومن مبعوثي وزارة الدفاع الوطني بتهدئة السيد بوضياف تارة أخرى والذي كان يتخذ قراراته من دون الرجوع لقادة وزارة الدفاع.
دور مزدوج
وما صعد التوتر أن بوضياف أراد إعادة محاكمة بلوصيف أمين عام وزارة الدفاع بحكومة بن جديد ما أضاف تحديا جديدا ضد جنرالات الجزائر، كما أنه أجرى اتصالات مع قاصدي مرباح مسؤول المخابرات العسكرية - سابقا - وكلاهما من نفس التيار السياسي.
احترم مرباح - بوضياف وسانده وخاصة أنه من القلائل المطلعين على الحقيقة الجزائرية ويعرف الأعداء الحقيقيين للسلطة ولمحاربتهم فهو بحاجة لرئيس مثل بوضياف لدعمه.
كانت اتصالات مرباح واسعة حتى مع الجنرال توفيق والذي كان يشغل رتبة «ضابط أمن»، وأطلعه على ترتيبات الرئيس لإخراج البلاد من أزمتها، وأصبح الجنرال توفيق يقوم بدور مزدوج في لعبة واحدة.
عندما حانت محاكمة بلوصيف قام بنشر تفاصيل قضية حاج بتو ضابط الأمن الذي كان على علم بصفقات غير قانونية مع بلدان الصحراء في الصحافة الوطنية، لصرف النظر عن المحاكمة... فقضية بلوصيف كانت ستجر معها كلا من الرئيس بن جديد ومدير ديوانه العربي بلخير وكثيرين يعدون مذنبين أكثر من بلوصيف خاصة بلخير بتهمة الخيانة العظمى.
بدأت القصة بتغطية كل الجزائر بأجهزة رادار لحساب الحكومة الفرنسية، حين تقدم بلخير بالمشروع رفض بلوصيف - الذي كان يشغل منصب الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني - المشروع وكذلك رفضه الضباط العسكريون الكبار بسبب كلفته الخيالية والتي ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد لو تم إنجازه، وكان سيضع الدفاع الجوي الجزائري تحت سيطرة فرنسا.
رفض بلوصيف رغم الضغوط التي وقعت عليه من بلخير وبن جديد المشروع وعقابا له اتهمه الشاذلي رسميا بالفساد وسوء الإدارة مستعينا بمستندات قدمها بلخير من أصدقائه الفرنسيين.
دفع بلوصيف ثمن أخطائه من دون احتجاج، الذين أسقطوا بلوصيف عملاء استخبارات فرنسيون، بسبب استياء باريس من المحاكمة والتي كانت ستكشف علاقاتها مع الرئيس الشاذلي بن جديد ورئيس مكتبه العربي بلخير، وكانت الاتصالات عن طريق جاك أتالي صديق الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران آنذاك.
إن اخطاء بوضياف أنه لم يكن له خيار في أغلبها فقد كان هدفه وشعاره ومبدؤه «الجزائر قبل كل شيء»،
مهمة مستحيلة
في هذه الأثناء كلف بوضياف بعض المقربين بمهمة مستحيلة وهي وضع خطة لتطهير السلطة من الشخصيات المتورطة في الفساد، ومحاكمة المذنبين علنا، مرة أخرى يأتي دور السيد مرباح فقد قدم ملفا مرعبا إلى بوضياف تضمن نشاطات بعض العناصر في السلطة، كما كلف بوضياف ضابطا كبيرا لدى مديرية المخابرات السرية - وهو العقيد مراد - المعروف بمعالجة العمليات الأكثر حساسية.
قدم العقيد مراد تقريرا مبدئيا يتناول ملخصا بالخسائر الناجمة عن الفساد، ونفوذ المافيا السياسية والمالية بالجزائر، بالإضافة للأدلة التي قدمها مرباح والتي جمعها على امتداد 18 عاما من عمله في الحكومة.
أصبح لدى بوضياف الأدلة بالجرائم ومرتكبيها وكان على بوضياف لإعادة الثقة في الحكومة محاسبة مرتكبي الجرائم بالقانون والدستور وعدم اللجوء لوسائل منحطة.
كان المجرمون يمتلكون حسابات بنكية في سويسرا وفرنسا تم تحويلها لأملاك عقارية وبلغت الأموال «65 مليار دولار في 12 سنة».
كلف بوضياف العقيد مراد بالتحقيق في التهريبات المالية ومحاولة استرجاع ولو جزء منها على الأقل، لم يتردد بوضياف في الاتصال بالوزير الأول الفرنسي بيار بيرو غوفوا وطلب منه إلقاء الضوء على نشاطات بعض المسؤولين الجزائريين بفرنسا.
عندما ذهب العقيد مراد وبعض مساعديه لباريس بهدف الحصول على تفاصيل حسابات بنكية لبعض الموظفين لم تسفر السفرية عن نتائج إيجابية وتم اغتيال العقيد مراد ومساعديه على يد إرهابيين بعد عودتهم للجزائر في حين رفضت فرنسا رفع السرية للكشف عن حسابات المتهمين البنكية.
قبل اغتيال الرئيس بأسبوع سُرقت كل الملفات التي جمعها بوضياف من مكتب الرئاسة، واجتمع كل من مدير المخابرات السرية ورئيس الأمن الداخلي لوضع الخطوط العريضة لتصفية الرئيس معتمدين على السيناريو الإسلامي بتكليف عملاء إسلاميين أو قناص يوصف بعد ذلك بالمختل عقليا ليغلق ملف القضية بنجاح تام ومن دون خطر.
المشهد الأخير
وفي 29 يونيو 1992 كانت الأمور تجري وفقا لما خُطط لها، فكان الرئيس يلقي خطابا مهما يهدف إلى تعبئة الجماهير في الشرق الجزائري وترقية حركته التي تبنت شعار «الجزائر قبل كل شيء».
كان المشهد منقولا على الهواء مباشرة إلى جميع أنحاء الوطن ووراء الستار توجد عناصر حماية الرئيس وعناصر فرق التدخل الخاصة وكان موجودا ملازم ثاني بومعرافي مكلف الأمن.
كان اهتمام الجمهور منصبا على خطاب القائد الثوري محمد بوضياف عندما سُمع صوت انفجار بسيط في أول القاعة، سبقه صوت دحرجة، حيث رمى بومعرافي قنبلة يدوية مفتوحة تدحرجت من تحت الستار، وفي الوقت نفسه برز من وراء الستار ليطلق رشقة طلقات لإلهاء عناصر مصالح الحماية، فظنوا أنه هجوم من الخارج عندما شاهدوا بومعرافي يطلق النار.
أما بومعرافي فنصب رشاشه في اتجاه رأس بوضياف مرسلا رشقة طلقات أخرى طويلة، فجأة ساد جو من الفزع والرعب، وبدأت عناصر الأمن الرئاسي يطلقون النار صوب الستار ما أسفر عن جرحى في فرقة الحماية نفسها، في حين لاذ بومعرافي بالفرار من الباب الخلفي.
بلغ بومعرافي الفناء الخلفي، وتسلق جدارا يبلغ نحو مترين بسرعة فائقة، شاهده بضعة من رجال الشرطة، والمارة كانوا على مقربة من مكان الحادث.
توجه بومعرافي نحو أقرب مبنى سكني وفي الطابق الأرضي طرق على باب أول شقة وجدها، وعندما فتحت له امرأة الباب وشاهدت البدلة الخاصة، والسلاح في يده اعتقدت أنه من رجال الشرطة، طلب منها بومعرافي الاتصال بالشرطة وإبلاغهم أن قاتل الرئيس بوضياف يريد تسليم نفسه.
وصلت الشرطة بسرعة إلى عين المكان، فيما أبلغ مسؤول أمن ولاية «عنابة» الضباط المسؤولين عن فرق التدخل الخاصة، وكذلك مصالح الأمن الرئاسي، باعتقال بومعرافي الذي سلم نفسه دون مقارمة.
على الجانب الآخر نقل بوضياف على متن سيارة إسعاف -تفتقر إلى أدنى الأجهزة الطبية الضرورية - ومن دون طبيب إلى مستشفى لم يعثر عليه، توفي الرئيس على الفور بسبب الجروح البالغة التي أصابته وأدت إلى نزيف حاد جراء وابل الرصاص الذي أصابه.
أما عن معنويات مسؤولي فرق الحماية الرئاسية «فرق التدخل الخاصة» ومصالح «الأمن الرئاسي» فقد غمرهم شعور مقلق وبعد إعلان وفاة الرئيس أصيب الكثيرون بصدمة عنيفة ولم يستطيعوا فهم كيف أو لماذا حدث هذا.
وفي ساعة الاغتيال، اجتمع العقيد إسماعيل مع ضباط فرق التدخل الخاصة ومصالح الأمن الرئاسي وطمأنهم ـ إن لم يكن بوسعهم فعل أي شيء مع هذا المجنون ـ وأمرهم بالعودة للعاصمة الجزائر، ثم ذهب إلى الأمن الولائي لمدينة «عنابة» حيث يحتجز بومعرافي والذي هب واقفا عندما رأى العقيد إسماعيل وأخذ يصرخ في وجهه وأتيت يا ملعون هل أنت سعيد الآن؟».
تقاعس في إسعافه
أمر إسماعيل العناصر المرافقة له بتحويله إلى الطائرة وكذلك نُقل الرئيس إلى مستشفى عين النعجة، حيث أعلن العقيد الطبيب بريكسي مسؤول مصلحة الطب الشرعي من خلال تقريره الرسمي الخاص وفاة الرئيس.
رافق العقيد إسماعيل... بومعرافي إلى قسم الاستعجالات بالمستشفى العسكري حيث فحصه الدكتور كوتوشكالي رئيس قسم الأمراض العقلية وأعطاه حقنة مهدئة، قاوم بومعرافي ذلك وأخذ يصرخ بأعلى صوته، أنتم تريدون قتلي... تريدون إسكاتي. ونزل على العقيد إسماعيل بالشتائم، ثم فقد وعيه بفعل الحقنة ونُقل إلى قيادة الأركان ليقضي هناك أولى لياليه في السجن.
أنشأ المجلس الأعلى للدولة لجنة تحقيق وطنية بعد أسبوع من الحادث وفي أول اجتماع عقدته اللجنة كان قد زرع الجنرالات عميلا وفيا لإدارة المخابرات السرية بحكم الشفافية والنزاهة في التحقيق انتهى عملها بعد اجتماعات عدة مع مختلف المشاركين في اغتيال الرئيس بوضياف بتقديم تقريرها للمجلس الأعلى للدولة، وإن كان غير ملزم.
أما دفة التحقيق فقد تم دفعها في مسار آخر غير الذي أريد له فقد أشارت أصابع الاتهام إلى جهات عدة، منها «البوليساريو» ومحاولة تسوية ملف الصحراء الغربية والسؤال: هل تسيطر البوليساريو على المخابرات والجيش إلى هذا الحد حتى تتعدى الخطوط الحمراء وتقوم بتصفية شخصية كبوضياف.
والجهة الثانية المتهمة بقتله جبهة الإنقاذ الإسلامية والتي قيل بانتماء ضابط الأمن الرئاسي برتبة ملازم أول «مبارك بومعرافي» إليها وهو المعروف بإدمانه للخمور والسهر بالحانات ولا علاقة له بالمتدينين من قريب أو بعيد.
وقد حُكم على بومعرافي بالإعدام وأجل التنفيذ حتى الآن وهو الآن بسجن البليدة العسكري، مُراقب بأجهزة تنصت ليس معه سوى قطته في الزنزانة، مرددا أغنية واحدة «ظلموني... خدعوني... في الحفرة حطوني... ما قتلوني وما سيبوني... كما وعدوني».
عندما طلب منه مدير السجن التوقف عن الأغنية قال أنا أغني ولست أكتب تصاريح ولكنه تحت الضغوط توقف عن غنائها مرددا أغنية شبيهة «آه يا دنيا غدرتيني... في الوادي رمتيني... ضيعتيني... أنا لو كنت أدري... آه يا عيني».
والاتهام الأخير أن بوضياف قتلته جماعة مافيا سياسية كانت ضد الإصلاح الاقتصادي والقضاء على الفساد وضد مشروع وطني موحد للجزائر.