وداعاً للشهرة
آثار الحكيم انطلقت صاروخياً ثم دهمها أول زواج فأرداها في عزلة / 8
1 يناير 1970
08:17 م
| بيروت - من محمد حسن حجازي |
للشهرة مذاقها وحضورها الذي يخطف الألباب، وهي الغاية التي يسعى الكثير من الناس للوصول إليها... ومتى تحققت ستدر على صاحبها الراحة والطمأنينة وأحياناً المال الوفير.
ومثلما للشهرة طعمها اللذيذ، فإن لانصرافها كذلك طعمها المر الذي يحس بها الفنان أو المشهور، وهو طعم ربما يدفع إلى العزلة أو الانزواء في ركن الوحدة.
والابتعاد عن الشهرة، ربما يأتي طواعية، من خلال زهد الفنان أو المشهور في الأضواء، ورغبته في أن يعيش في هدوء، أو ربما يأتي الابتعاد لأسباب خارجة عن الارادة مثل كبر سن الفنان، أو افول نجمه أو لأسباب صحية وغيرها.
إلا انه في النهاية حينما يقول هذا الشخص «وداعاً للشهرة»... سيجد الألم يحاصره، وان الذكريات الجميلة هي المتبقية في وجدانه، وعبر حلقات «وداعاً للشهرة» ستعرض بالحديث لأهم الشخصيات التي ودعتها الشهرة.
يعتبر المشاهدون العرب آثار الحكيم اختاً، ابنة، قريبة، صديقة. ويعتبرها الوسط الفني وجهاً ينطق جمالاً وصدقاً ومودة. اما هي فظروفها الخاصة ما بين زواج وطلاق وإنجاب وحل تداعيات الطلاق الاول، وحاجات الاولاد عموماً، حشرتها في الزاوية وحاولت دائماً استئناف حياتها بقوة الارادة والايمان.
يصعب نسيان هذا الوجه، والادوار العديدة والمتنوعة التي جسدتها على الشاشتين، وربما هي من قلة قليلة من الفنانات اللواتي رفضن المايوه والقبلات الرخيصة على الشاشة وكانت تردد: «هناك مليون طريقة للتعبير عن الحب بين رجل وامرأة، لماذا لا يعمد المخرجون او الكتاب اليها؟».
كانت ترى ان لهذا الجانب من حياة الجنسين خصوصية لا يحق لأحد ان يخترقها، قبل ان يكون الموضوع مبدأ معتمداً في يوميات الناس.
اليوم يذكر اسم آثار من دون ضجة. لا تظهر على الأغلفة ولا تقول كلاماً فيه قسوة حتى يوضع عنوان لها في صدارة مادة معها او عنها، لأنها ببساطة لم تتعود هذا النمط من المواقف لأنها فهمت الفن دائماً على انه «عطية ربانية خاصة يفترض في البني آدم ان يحرص على توظيفها بأفضل ما يمكن».
الاسم معروف، لكنه كان شهيراً اكثر. ولم تعد قادرة على المنافسة للدور الاول كما هي حال عديدات من الممثلات جئن بعدها، وهن اقل منها خبرة.
«اعترف بان ظروفي اخذت مني فرصاً عديدة كان يمكن ان اكون فيها في غير موقعي. لكنني مؤمنة بالقضاء والقدر ولا اجد سوى العمل من قلبي لكي أعوض ما فات قدر الامكان».
هذا ما قالته في صدد الصورة التي اخذت عنها.
الزواج الاول كان معقداً، ابعدها زوجها عن كل الناس، عن كل معارفها، عن الوسط الفني، رفض ان يكون لهما في المنزل هاتف ثابت، ولأي ضرورة بالامكان الاستعانة بدكان المبنى، وعدا ذلك ممنوع في المطلق.
لم تكن مرتاحة وصبرت. المنتجون لم يعرفوا كيفية الاتصال بها لكي يوصلوا اليها النصوص، لذا كان مستحيلاً تجاوز عقبة هذا الزوج سوى بالطلاق، الذي كان طبيعياً جداً في الحال الذي اوصلها اليها.
وكان سندها الذي تعود اليه في كل امورها هو خالها، رجل حكيم رزين وقريب من القلب، وكانت تسمع رأيه وتتقوى به.
هذه التي قدمها عاطف الطيب مع احمد زكي (رحمه الله) في «حب عند هضبة الهرم» كانت تعرضت لمساءلة عائلية عن سبب قبولها باداء الدور من جانب عائلتها، مع ان ظهورها كان محترماً جداً. ويبدو ان الضغط المزعج بدأ من هذه الشؤون الصغيرة، ففي وقت كان الناس ينظرون اليها بعين الاحترام والتقدير، كانت نظرة اخرى تبدو كأنها تعاقبها من دون سبب واضح.
وعندما وقفت امام وليد توفيق في فيلم غنائي استعراضي، اذ بوجهها المشرق يضيء الشاشة بهاء واسراً، وسئلت لماذا هذا الاحتضان من وليد لك.
طبعاً لم يكن ممكناً الرد على كل هذه الملاحظات التي تكدست في عزوبيتها وجاءها الزواج الاول ضاغطاً عليها اكثر، ومانعاً اياها من بلوغ اي هدف فني، وهي التي رشحت دائماً لاداء اقوى البطولات فوقفت امام محمود عبد العزيز، وأحمد زكي، ونور الشريف وغيرهم، ودائماً تطلب النص المناسب والجيد والمميز الذي يقدمها على افضل ما يريح ويدعم الصورة التي طالما ارادتها.
قالوا انها اعتزلت، لكنها ولا مرة فعلت ذلك او اعلنته، بل هي زيجتها الاولى التي قبضت على روحها الفنية ومنعتها من التنفس والحضور. وقيل انها تحجبت وهي ما فعلت ذلك يوماً. وقيل انها اصولية، لكن التعرف على الدين وموجباته وسماع بعض المحاضرات لا يعني سوى فهم الكائن لدينه.
نقول هذا لأننا ندرك اي صورة ارادت تعميمها عن نفسها وعمن حولها، فكل ما فعلته انها ارادت التعرف على دينها في شكل افضل.
«لقد ارهقتني الشائعات دائماً. قالوا تدينت وتحجبت واعتزلت، وهم يرونني امامهم آثار العادية، نعم لا حجاب، وملابس لطالما عرفوني ألبسها، ومع ذلك راح المصطادون في الماء العكر ينسجون من حولي حكايات اسطورية لا تمت الى واقع حياتي بأي صلة. هذا ازعجني وجعلني ابتعد اكثر عن كل هذا الجو غير الودي».
لطالما رغبت آثار في ان تكون فنانة، وفي الوقت نفسه انسانة بدرجة زوجة وأم لكن ما صادفها من اوضاع جعل كل خططها تُطوى.
الشهرة هي ان تكون دائماً محط الاهتمام. الكاميرات تقصدها وتصورها بضحكتها الطفولية البريئة، وان يكون الجمهور عارفاً بحيثيات حياتها المختلفة، وبمشاريعها بحيث تكون حديث الناس في كل وقت، وبالتالي يكون ظهورها في صور مختلفة في مجلة او صحيفة او تغطية تلفزيونية امراً طبيعياً جداً.
آثار التي جاءت الى الفن من عالم الفنادق لم تكن ترغب في التمثيل بقدر الرغبة في التعرف على هذا الوسط كأي صبية في عمر ما بعد المراهقة الاولى.
عندما اطلت المرة الأولى سمعت كلاماً جامعاً: «انك وجه تحبه الكاميرا». وبعد الكاميرا احبها الناس وأخذتها الامور على حين غرة الى ان وجدت نفسها من ضمن معادلة العاملين في السينما والتلفزيون مع كبار هذه المهنة، ولم تعد قادرة على قول شيء او اختيار دور.
واذا سلكت اعتبرت ان صورتها باتت في متناول الناس وهي لا تطلب اكثر مما اعطوها، فيكفيها اينما كانت ان يتحلق الناس حولها كباراً وصغاراً لتحيتها وقول كلام جميل لها يؤسس على صورتها التي رسختها في الاذهان: ثابتة، متماسكة ومحترمة.
«طبعاً يعنيني كثيراً هذا الاستقبال من المواطنين اينما ذهبت، فمثل هذا الاحترام كلفني حياتي كلها، حافظت على كل شيء لأربح شيئاً واحداً هو كرامتي والصيت الحسن».
احبت السينما. لكن الشاشة الصغيرة كانت ملعباً مختلفاً لها وخصوصاً ان الذي تعبت عليه ومن اجله بلغته، وهو قلوب الناس. وكان فريد شوقي رحمه الله قال لها في بداية مشوارها: «ما تتصوريش انتي حتكوني ايه في الفن لو اشتغلت دايماً على نفسك. انا بشوفك في الادوار الاجتماعية والدرامية».
وربما فاته ايضاً ان صاحبة الوجه الجميل، هي صاحبة طرفة، وسرعة بديهة وتدرك متى تقول ومتى تتوقف عن القول.
لها شقيقة صيدلانية كانت تقول لها «انت دوا لكل شخص عايز يرتاح في يومياته».
هكذا رآها اهل بيتها. وجمهورها العريض. لكن الشهرة التي عرفتها سابقاً ليست كذلك اليوم. وهي تأسف بشدة لأن الذي زرعته ذهب كثيره وبقي قليله بفعل عامل الزمن والظروف، والحسابات الضيقة والمصالح المختلفة، لكن يبقى ان هذه الفنانة ما اخطأت، ولا غيّرت صورتها ولا تجاوزت المرسوم لها ولا قالت ما يغضب احداً.