برلمان الستات / من هدى شعراوي إلى معصومة ورولا وأسيل وسلوى... نجاحات ومطبات برلمانية

هدى شعراوي... أول من طالبت بحق المرأة في دخول المجالس النيابية / 1

1 يناير 1970 05:39 م
|القاهرة - من نعمات مجدي|
اقتحمت المرأة العربية عموما والمصرية على وجه الخصوص مجال العمل السياسي، وخاصة «النيابي» أو «البرلماني» مبكرا تحت قبة البرلمان... حيث منحت حق الانتخاب والتصويت في العام 1957، وكانت انطلاقة نضال المرأة المصرية، التي بدأت منذ العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر في الظهور بقوة على ساحة العمل العام، بالرغم من الصعوبات الضخمة التي واجهت النساء المصريات في الخروج من محيطهن الضيق المتمثل في البيت... إلى محيط أوسع متمثل في العمل العام، إلا أن «حواء المصرية»، ومن بعدها العربية نجحت في فرض رؤيتها الجديدة، وأصبحت فاعلة في هذا المجتمع في لحظات تاريخية متعددة.
وشكلت ثورة العام 1919 في «المحروسة»... لحظة تقترب من أن تكون فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، وكان دور المرأة مشهودا بقوة بداية من هدى شعراوي... «النصيرة الأولى» لسعد زغلول وزوجته صفية زغلول «أم المصريين»، وهي أول امرأة قادت مظاهرات النساء عام 1919، بل وشجعت النساء المصريات للمشاركة في الحركات الوطنية بكل شيء من جمع التبرعات والإسعاف والإعداد للمظاهرات.
واستشهد العديد من النساء في هذه الفترة طلبا للاستقلال، وبدأت تعلو الأصوات النسائية، مطالبة بدور حقيقي للمرأة بالمشاركة سياسيا، وكانت مع الزعيمة هدى شعراوي بعض السيدات في مقدمتهن: نبوية موسى، وسيزا نبراوي ومنيرة ثابت التي خصصت مجلة بالكامل، وهي «الأمل» للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي فترة الأربعينات قامت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي بوضع كتيب تضمن بعض مطالب المرأة، ومن أهمها ضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، وكذلك أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية أسوة بالرجل.
وقد وجه هذا الكتيب إلى كل من رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب والرأي العام المصري.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو العام 1952 تحرر الشعب من الظلم والاحتلال، ومنحت المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وصدر أول دستور في مصر في يناير العام 1956، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب حيث أجريت أول انتخابات برلمانية للمرأة العام 1957، وقد دخلت الانتخابات بنصف مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
وكانت أمام المرأة في هذه الانتخابات بعض المواجهات الصعبة التي لابد من اجتيازها، ومنها التقاليد الشرقية في المجتمع المصري التي لاتزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المحيط السياسي، ومع هذا صدر في مصر أخيراً قرار بإضافة «كوتة برلمانية» للمرأة في البرلمان المصري.
ولا يتوقف الأمر عند المرأة في مصر، ولكن يتخطاها إلى دول أخرى نجحت الوجوه النسائية في أن تفرض نفسها على مجالسها النيابية، في الأردن والإمارات ودول شمال أفريقيا «العربية»، وحتى توجت تجربة المرأة مع الانتخابات البرلمانية، بنجاح 4 نائبات كويتيات في دخول قاعة مجلس الأمة، وبقوة.
تجربة النائبات... عموما في وطننا العربي على امتداده... تحمل نجاحات وأيضا إخفاقات، وكما فيها من وثبات، أيضا فيها عثرات ومطبات، ولكنهن أثبتن حضورهن... وهذا ما تتابعه في السطور التالية:

تعتبر هدى شعراوي... رائدة نسائية من أبرز رائدات العمل السياسي والاجتماعي والإصلاحي النسوي في الوطن العربي، امتد نشاطها المثمر واشتراكها في المؤتمرات الدولية العديدة إلى آفاق وبلدان بعيدة... فابتكرت وأسهمت وقدمت على مدى 30 عاما أعمالا ومشروعات إنشائية عظيمة نافعة باقية.
وحتى... ولو لم تكن برلمانية... فهي صاحبة الفضل في قيادة ثورة النساء للدخول إلى ساحة البرلمان.
تشهد لها مسيرة المرأة العربية بزعامة الحركة النسائية الإيجابية العملية في مصر والشرق، كانت هدى شعراوي الأولى من نادت بأن يكون للمرأة صوت انتخابي، وأن تمثل في المجلس النيابي مثلها مثل الرجل، وأن تتمتع بجميع حقوقها الشرعية إزاء الحكومة.
نشأتها
ولدت «هدى محمد سلطان الشعراوي» الشهيرة بـهدى شعراوي، في محافظة المنيا «شمال صعيد مصر» في يوليو سنة 1879، لأسرة عريقة لها تاريخ ومجد، فأبوها من كبار أثرياء مصر في عصره، وكان حاكم الصعيد العام وقائم مقام الخديوي أيام الثورة العرابية، وكان رئيسا لأول مجلس تشريعي في مصر الحديثة.
لم تعش «هدى» مع والدها أكثر من 5 سنوات، إذ رحل عن الدنيا وهي لاتزال طفلة، فتولت أمها وكانت - تركية الأصل - رعايتها وتربيتها وتعليمها في البيت، فاختارت لها مجموعة من أفضل المعلمين والمعلمات، وأبدت الفتاة الصغيرة ذكاء وتفوقا ملحوظا. فقد أتمت حفظ القرآن الكريم كله قبل أن تكمل العاشرة من عمرها، وتنوعت معارفها العلمية بين الآداب والرياضيات والعلوم والمعرفة واللغة العربية، وأجادت التركية والفرنسية، وتعلمت الموسيقى والرسم، وأحبت المطالعة، هذا التنوع الثري الراقي في التعليم والتثقيف والقراءة، انعكس بوضوح على نشاطاتها العديدة المتنوعة في مستقبل حياتها، ولكل من تعاونت معهم أو مدت يد المساعدة أو المساندة لهم.
وكان شائعا أن تتزوج هدى في سن مبكرة، وهي في سن الثالثة عشرة من ابن عمتها وكان كفؤا لها في الأصالة والعراقة والثروة والشهرة ثم في الوطنية والثورية وبناء النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، علي شعراوي باشا، الذي حملت اسمه على غرار ما يفعل أهل أوروبا والغرب.
نشاط اجتماعي
كان نشاط السيدة هدى شعراوي الاجتماعي سابقا على نشاطها السياسي ويرجع ذلك إلى طبيعتها وتربيتها المعطاءة الخيرة. فقد اشتركت مبكرا مع كوكبة من بنات وسيدات الأسر الكريمة في أعمال البر والإحسان، كما بادرت بالإسهام في الأنشطة الهادفة إلى ترقية المرأة أدبيا واجتماعيا، وحماية الأمومة والعناية بالأطفال ونشر التعليم وتهيأ لها إلقاء محاضرات في الجامعة المصرية، ثم كان نشاطها السياسي مع ثورة الاستقلال للشعب المصري العام 1919، فاشتركت في المظاهرات النسائية التي خرجت إلى شوارع القاهرة حاملة الأعلام المصرية واللافتات المعبرة عن مطالب المصريين وتهتف بالاستقلال والحرية وزوال الاستعمار.
تقول هدى شعراوي في مذكراتها: عندما أقف أمام ذكريات طفولتي يتبين لي منذ البداية ذلك الفارق الكبير بين حياة الطفل وتربيته في الماضي، وبين ما أصبحت عليه أساليب التربية في الوقت الحاضر، لقد كان الاهتمام منصبا على تغذية الطفل، ونموه الجسماني دون أدنى إتمام أو التفات إلى مشاعره، ونمو مداركه، ولقد كنت واحدة من هؤلاء الأطفال الذين كان يعنى بنا خدم جهلاء، يخفون عنا ما كان يجب أن نعرفه من حقائق ويحيطوننا بسياج من الخرافات التي تؤثر على العقول الصغيرة الساذجة، ولأنني كنت قليلة الالتصاق بوالدي، فإنني لا أذكر من حياتنا العائلية في طفولتي إلا القليل، ومن ذلك إنني كنت أذهب إلى غرفة والدي كل صباح لأقبل يده، وكان يصحبني في هذه الرحلة الصباحية أخ لي من أم ثانية اسمه «إسماعيل»، وكنا نجد أبي متربعا على سجادة الصلاة يسبح بمسبحته، فنقبل يده ويقبلنا، ثم ينهض ويفتح خزانة كتبه ويخرج لكل واحد منا قطعة من الشيكولاتة فنأخذها ونخرج متهللين.
وتكمل هدى شعراوي كلامها: لقد عُرف عن أبي أنه كان يميل إلى مجالس الأدب والعلم، وقد تغنى كثير من الأدباء والشعراء بصفاته الطيبة وأخلاقه الحميدة، وكان من أبرز شيمه الكرم والوفاء والترفع والتمسك بشعائر الدين، وتميز بالإخلاص والصراحة والشجاعة في إبداء الرأي والنزاهة والتجرد من الغايات، كذلك كان بارا بأهله في حياته، وبعد مماته. حيث أوقف عليهم جانبا كبيرا من ممتلكاته، كما فعل الشيء نفسه بالنسبة للفقراء حتى لا يجد واحد من الذين كان يعولهم مشقة في الحياة من بعده، وقد أوقف على الحرمين الشريفين والأزهر الشريف والمساجد والمدارس جانبا من أوقافه.
وتضيف: إنني في هذه المذكرات لا أحاول أن أدلل على وطنية أبي محمد سلطان باشا، فهذه في رأيي قضية واضحة لا تحتاج إلى كثير من المناقشة، ولو كنت أعرف أنها موضع شك لاخترت منذ زمن طويل أن ألتقي بكل الذين عرفوا والدي وعرفهم وأبحث في أوراقهم، وما يحقق اعتقادي بعدم صحة كل ما أثاره المغرضون حول والدي خطاب آخر وصل من عبدالعزيز أفندي عرابي، مع نسخة مهداة إليّ من الجزء الأول من تاريخ والده، وفيه يسجل قراره بخطه أن والدي قد اشترك في الثورة العرابية.
إذ قال: هذه نسخة من الجزء الأول من تاريخ - والدي رحمه الله - عن الثورة العرابية التي اشترك فيها ساكن الجنان سلطان باشا، وكان فيها من البارزين... ويقول أيضا: فحسبي أن أتقدم بهذه الهدية وفاء لوالدك الذي له حقه علينا.
ولعل مثال دهشتي من الخطابين اتفاقهما قبل الطبع على ذكر أفضال والدي والإشادة بمواقفه ومجهوداته والرغبة في خدمة الحقيقة والتاريخ ثم ظهور بعض الشوائب التي أحيط بها والدي، الذي كان بالأمس محل التقدير لمجهوداته الوطنية، والذي كان من البارزين في تلك الثورة.
وتقول هدى شعراوي في مذكراتها: كانت والدتي لم تبلغ الـ «25» من عمرها بعد، عندما مات والدي في مدينة راتس بالنمسا. حيث إنني مازلت حتى الآن أتذكر يوم وصل إلينا نعي والدي الحبيب ثم أيام الحزن العميق التي اجتزناها والسنين المدلهمة الطويلة التي جلل فيها السواد كل أثاث المنزل وجوانبه وأركانه، فلقد وقع الخبر مثل الصاعقة على رأس والدتي.
نشاط سياسي
كان لهدى شعراوي نشاط سياسي واسع. حيث ذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه «ثورة سنة 1919» أن سعد زغلول باشا الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية لمقابلة المندوب السامي البريطاني «وينجت» للترخيص لهم بالسفر إلى لندن لعرض مطالب الشعب المصري على الحكومة الإنكليزية،
وفي هذه المقابلة - التي كانت بترتيب من رئيس الوزراء رشدي باشا - سأل وينجت: ما أغراض المصريين؟
فأجابه شعراوي باشا: إننا نريد أن نكون أصدقاء للإنكليز صداقة الحر للحر لا العبد للعبد.
فقال وينجت: إذاً أنتم تطلبون الاستقلال.
فقال سعد: ونحن له أهل وماذا ينقصنا ليكون لنا الاستقلال كباقي الأمم المستقلة؟
ودارت مناقشة طويلة سقيمة من جانب المندوب السامي وانتهت برفض الترخيص لهم بالسفر. حدث ذلك في 13 نوفمبر 1918،
وفي يوم الأحد 1 مارس 1919 انضمت للمرة الأولى في المظاهرات سيدات من أكرم العائلات... خرجن في حشمة ووقار. سيدات. وآنسات إعرابا عن مشاعرهن الوطنية وتضامنا مع أبناء مصر في طلب الحرية والاستقلال واحتجاجا على الأعمال الوحشية التي ارتكبها جنود الاحتلال ضد المصريين الوطنيين الأبرياء، وطفن على دور المعتمدين الأجانب وقدمن إلى كل منهم مذكرة توضح رأي المرأة المصرية في الموقف الراهن ومشاركتها أبناء الوطن في طلب الاستقلال العادل.
وفي ختام المذكرة رجاء كي تعمل حكومة المعتمدين الأجانب على نصرة مصر في قضيتها، لأن في ذلك نصرة للحق، وتأييدا لمبادئ الحرية والسلام، ولم تسلم أولئك السيدات الوطنيات الفضليات من قسوة ونذالة جنود الاحتلال إذ اعترضوا طريقهن وأوقفوهن نحو ساعتين في الشمس الحارة موجهين بنادقهم نحوهن، حتى صرخن فيهم بالإنكليزية مسفهات لهم وقائلات: «نحن لا نهاب الموت أطلقوا بنادقكم أيها الجبناء إن شئتم».
وقد وقع على المذكرة المقدمة إلى المعتمدين الأجانب عدد كبير من الآنسات والسيدات منهن على سبيل المثال بترتيب التوقيع على المذكرة حرم حسين باشا رشدي، وحرم سعد باشا زغلول «صفية زغلول» وهدى شعراوي حرم علي شعراوي باشا وحرم محمود رياض باشا، وحرم محمد سعيد باشا، وحرم إسماعيل صدقي باشا، وحرم عمر سلطان باشا، وانزعجت قيادة الاحتلال، وأصدر القائد العام البريطاني بلاغا بمنع الاجتماعات والمواكب والمظاهرات لكن الجماهير لم تعبأ على الرغم من نصب المدافع في الميادين العامة،
وفي 20 مارس خرجت مظاهرة نسائية ثانية بالأعلام واللافتات باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية مع الهتافات المتلاحقة وتعرض لها جنود الاحتلال.
الاتحاد النسائي
ولقد نجحت بجهد كبير هدى شعراوي في تكوين الاتحاد النسائي المصري في سنة 1923 وأنشأت له دارا مستقلة ألحقت بها مدرسة ابتدائية للفتيات ومدرسة للفنون، وقسما حرا لتعليم الفتيات الأشغال اليدوية والمنزلية والسجاد، بالإضافة إلى مستوصف خيري لعلاج النساء والأطفال بالمجان.
كما نجحت بجهد أكبر في تعديل قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة وحقوق الطفل والحضانة، وتحديد أدنى سن زواج الفتيات وهي سن «10» سنوات ومساواتهن في التعليم بالذكور في جميع المراحل والكليات وكانت الأولى من نادت بحق المرأة في الانتخابات.
وامتد نشاطها البنّاء المثمر إلى خارج مصر في الأردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية. حيث قابلت الملك عبدالعزيز آل سعود في موسم الحج واقترحت إنشاء مدرسة لتعليم البنات بالمملكة، وفي فرنسا والهند اشتركت في كثير من المؤتمرات النسائية العالمية ومنها على سبيل المثال أول مؤتمر للاتحاد النسائي العالمي في روما العام 1923.
ونظرا لنشاطها الواسع أرسلت الجمعيات النسائية في فلسطين وسورية ولبنان والعراق تفويضا كاملا للسيدة هدى شعراوي «بالدفاع عن قضية فلسطين أمام لجنة الانتخابات والمؤتمر النسائي الدولي، ولدى أي هيئة يمكنها نصرة هذه البلاد المقدسة التي مضى عليها عشرون عاما قبل تاريخ التفويض سنة 1938 وهي تجاهد في سبيل تحريرها، واستقلالها وتسعى لإنقاذها من الخطر الصهيوني الذي يهدد كيانها ومقدساتها، كما نرجو عصمتك السعي الحثيث لدى عصبة الأمم ووزارة المستعمرات «البريطانية»، وغيرهما من المراجع السياسية لتأمين الحل العملي العادل الوحيد لهذه القضية على قاعدة الاعتراف بحق العرب في الاستقلال التام في بلادهم».