|د. سعيد فهمي (المصري أفندي)|
صدق اللي قال ان الفنون جنون... وكتير بتلاقي واحد كده بالفن مغرم ومفتون... وييجي يسألك عن فكرة ينفذها ويكون لك ممنون...!! والنموذج ده موجود في الأوساط الفنية... وكمان في معاهد التمثيل والفنون المسرحية... تلاقيهم عاوزين دايما فكرة جريئة جهنمية... او حدث غريب يعملوه فيلم او تمثيلية...!! وكتير نلاقي مسلسل غريب كده وهابط... او حدوتة فيها مواطن بيجري وراه عسكري او ضابط... او احداث مفككة ولافيه بينها رابط...!! لكن دي مش فكرة «فركش» اللي كان بالفن مفتون... وكان طالب بالسنة النهائية في اكاديمية الفنون... عاوز يعمل مشروع تخرجه بفكرة فيها جنون... او قصة جديدة واقعية وسيناريو يكون موزون...! «فركش» راح يسأل اهل الخبرة الفنية ايه الرواية اللي ممكن يقدمها بشرط تكون واقعية... وتكون بعيدة عن افكار الهلس التجارية...!! «فركش» كانت افكاره كتير جريئة... وعاوز يعمل فيلم جديد من غير احداث مملة وبطيئة... ولا فيه مناظر خايبة او الفاظ مسيئة...!! راح يقابل واحد بالحياة الفنية خبير... يساعده في عمل فيلم له مغزى كبير... وطبعا سأل عن عنوان للفيلم يكون مثير وخطير...!! الخبير نصح «فركش» بعنوان من واقع المحروسة... عنوان غريب يعبر عن احوال الناس الموكوسة... واللي بتشوف العجب يوماتي وبالتجاوزات مدهوسة... ايه رأيك يا«فركش» في عنوان تسميه «المهروسه»...!! «فركش» انبسط كتير بالعنوان... وراح يدور عالسيناريو واختار للتصوير مكان... وحدد الشخصيات والاحداث والزمان...!! وقرر ينزل الشارع ويشوف احوال الناس عالطبيعة... ويسألهم عن موقف في حياتهم او حاجة حصلت فظيعة...!! وراح يتأمل في مشاعر الناس لقاها مخلوطة بالجماد... ودقق كتير في وشوشهم شافها معفرة بالسواد... اختفت البسمة يا عيني وكأنهم عايشين حداد...!! سأل نفسه هي راحت فين العفوية... وفين الضحكة اللي كانت سريعة وطبيعية... وليه الناس نسيت الفرح وبقت بالخوف مطليه... راحت فين الاماني والاحلام الوردية... هو ياترى اليأس خلى الناس ورا همومها مستخبيه...؟ راح يسأل واحد في الشارع من الجمهور... ايه اللي بدل الاحوال وخلى صوت الحزن جهور...؟ رد عليه بمنتهى السلبية والبرود... انت عايش من زمان في البلد دي ولا لسه مولود...؟ هو انت شايف حواليك العدل موجود... ما سألتش نفسك ليه الود بين الناس مفقود... وليه فيه بين المواطن والمسؤولين حدود...؟ وليه مفيش قدام الناس بصيص للامل... وليه خلاص مفيش فايده ولا عارفين ايه العمل...! انت خلاص بطلت تقرا الجرانين... ولا حسيت ازاي الناس على لقمة العيش مسعورة زي المجانين... ولا ليه الكلمة محبوسة في الزنازين...!! ومعارضة بصوت جهوري عالفاضي... مالهاش خريطة للمستقبل وبتتكلم بس عالماضي... صوتهم ما بيعديش صحفهم وعاملين عالشعب قاضي...!! «فركش» انزعج كتير من اسلوب الكلام... الصورة بالشكل ده لا تنفع سيناريو ولا افلام... واندهش ازاي يعيش عمره من غير علام... فاكر الدنيا بخير والناس عايشه في سلام...!! «فركش» قرر يراجع الاحداث في الصحف اليومية... وقعد يراجع كل الجرايد المعارضة والحكومية... وفجأة حس من العناوين وكأنه في حيص بيص... كوارث وحوادث واحباط ولافيه للامل بصيص... واكتشف قد ايه المواطن بقى ضعيف ورخيص...! العناوين كانت كلها محبطه ومثيره... بتتكلم عن احداث رهيبه وخطيره... وبتكشف عن تجاوزات طعمها في النفوس مريرة...! بص لقى في الصحف كوارث في السكك الحديد... وازاي الناس اتحرقت في مكانها في القطارات الحكوميه... ولافيه مسؤول استقال ولا حس بالمسؤولية...!! وشاف اكتر من الف ماتوا في العبّارة غرقانين... والمسؤول عن كده حر طليق بيتمتع بالملايين... وتقرير مالوش لازمة في المجلس مع الناس المهمين... وعناوين كتيرة حزينة عالناس اللي تحت الصخرة مدفونين... انسحقوا تحت صخرة الدويقة تحت عيون المسؤولين... فطروا على الموت في رمضان وهم يا عيني صايمين...!! وعنوان بيحكي عن الاستيلاء لاراضي الدولة الصحراوية... وازاي ناس محدوده بتهبرها ومعروفة الهوية... وتكسب ملايين من الهوا بالواسطة والمحسوبية...!! وشاف تغلغل اصحاب الاحتكار... وازاي فيه ناس محظوظة بالاختيار... بيتحكموا في سلع رئيسية بأسلوب لئيم مكار...!! وكمان لاحظ مأساة الفلاحين... اللي انظلموا في محصول القمح بقرار المسؤولين... واللي سلبوهم حقوقهم وخلوهم محرومين...!! وشاف تحايل القوانين في بيت الشعب على الاستجوابات... وازاي بيمنعوا النواب من مطالعة تقارير الرقابة والمحاسبات...!! وقرأ عن تجاوزات بعض افراد الاجهزة الامنية... وازاي بيتعاملوا مع الشعب بمنتهى العنجهية...!! ولاحظ عناوين مكتوبة عن المظاهرات... سواء من العمال بالمصانع او طلبه في الجامعات... وناس بتطالب بحقها وفلوسها في المعاشات... وناس عاوزه زيادة في الكادر والمرتبات...!! وشاف وسمع عن بطالة الشباب... اللي مشاكلها مستخبية وراء كل باب... وكمان اخبار سرقة الاعضاء من الاطفال المشردين... اللي هربوا من اهلهم وسابوهم ضايعين... وخلوهم لقمة سهلة لسماسرة الأعضاء الجبارين... يقطعوهم حته حته ويبيعوهم للاثرياء المرضانين... «فركش» حس بالحزن الشديد وكمان اكتئاب... لقى اللي بيحصل اوقع من اي كلمة في كتاب... تعمل ايه السينما قدام دنيا العذاب... وساعتها افتكر كلمة عميد المسرح القدير... يوسف بك وهبى الفنان الخطير... ما الدنيا الا مسرح كبير...!!
«فركش» رمى الكاميرا وطلب عدم التصوير... خلاص عرف ان سينما الحياة اوقع من اي فيلم بكتير... تعمل ايه الافلام السينمائية قدام سيناريو الهوامير... وييجي ايه مشروعه قدام اللي اتحكموا في كل المقادير...!!
حكاية «فركش» واحدة من القصص اللي احبطت نفوسنا... بسيناريو يومي بيتكرر ويحشوا بيه رؤوسنا... ما دام مفيش عزيمة ولا جمهور ينادي سيما اونطة هاتوا فلوسنا!!!
[email protected]