سكانها اشتكوا من قلة المدارس وغياب الأمن وبُعد المستوصف وإظلام الشوارع وانتشار العزاب
الوفرة... وفرة في الإهمال وتردي الخدمات
1 يناير 1970
09:33 ص
|كتب تركي المغامس|
ليس لخدماتها نصيب من اسمها، فالوفرة تعاني اهمالا حكوميا وترديا كبيرا في جميع الخدمات التعليمية والصحية والامنية، جعلت عددا كبيرا من أهلها يهجرونها عائدين مرة أخرى الى مدينة الكويت، بعد أن منوا أنفسهم بالعيش في أجواء هادئة وصحية، قبل أن يستيقظوا من أحلامهم على كوابيس الواقع المؤلم.
... من جوار لافتة صغيرة على طريق الاحمدي تحمل اسم الوفرة اتجهت «الراي» لزيارة المدينة التي يتصورها العامة بأنها حديقة غناء مملوءة بالمزارع... لكن منذ بداية الطريق المحفوف بالمخاطر الذي يبدأ باسطبلات فروسية الأحمدي على اليسار، ومقاطع الحجارة «الدراكيل» على اليمين، تطالعك الشاحنات وهي تصول وتجول بسرعة جنونية في طريق ضيق يمتد بطول خمسين كيلو مترا خلا تماما من أي محطة بنزين، وتتمترس على جانبيه بقالات متنقلة تحول بعضها إلى مطاعم لتحضير الوجبات السريعة دون رقابة من الجهات المختصة، بينما تشم رائحة الأغنام والإبل النافقة على امتداده انتظارا لمن يحملها أو يلتهمها من الكلاب الضالة في الصحراء.
تصل الى المدينة لتطالعك أنقاض مدارس تسكنها القوارض والحشرات، وبات على أهلها ان يتكبدوا مشقة تعليم أبنائهم في الزور أو الخقجي على بعد 50 كليو مترا، وأعمدة إنارة بلا انارة، لأن وزارة الاشغال تستكثر على أهلها 400 الف دينار لاعادة التيار اليها، وطرق مرصوفة اسما لكنها مجرد ممرات للشاحنات، ومضمار لسباق سيارات الشباب المستهتر يومي الخميس والجمعة التي يغلق فيها الطريق في غيبة رجال الأمن... وسنترال مقصوف بقي برجه شامخا منذ الغزو العراقي لكنه بلا «حرارة»... ومحلات وزارة المالية مغلقة إلا ما ندر... ومرضى يبحثون عن مستوصف يعالجهم ولا يجدون سوى واحد فقط على بعد عشرين كيلومترا لخدمة «الأعيان» في المزارع... وعزاب يشاركون الأهالي المساكن... ومعاناة كبيرة عنوانها الأبرز هو التجاهل الحكومي... وهنا التفاصيل:
في البداية قال عويضة العجمي «كما ترون منطقة الوفرة والتي تشتهر بالمزارع لا توجد فيها أشجار تجميلية في الشوارع لصد الرياح والغبار الذي يغطي المنطقة من فترة إلى أخرى، وعلى امتداد الطريق لا توجد محطة وقود»، مبينا أن المشكلة تكمن في أن أعمدة الإنارة التي تملأ الشوارع من دون إنارة، وعندما تقدمنا بكتاب إلى وزارة الأشغال كانت الإجابة أن الكيبلات سرقت وتكلفة إعادة تشغيلها تبلغ 400 ألف دينار، ونحن نعاني من بعد الغزو إلى يومنا هذا، فبعد غروب الشمس وكأنك في مخيمات وليس في منطقة سكنية أقيمت من قبل الحكومة.
و أضاف «المدارس هي أكبر همومنا، فنحن في منطقة محرومة من التعليم الذي كفله لنا الدستور، فبعد الغزو لم يعد تشغيل المدارس، وأهملت حتى فرزت لمكافحة القوارض التي سيطرت على مدرسة الوفرة الابتدائية، فالمنطقة يوجد بها ثلاث مدارس، الابتدائي لا ينقصها سوى الترميم وإعادة التأهيل، والمتوسط والثانوي مشترك بنين تحتاج إلى إعادة بناء والثالثة متوسط وثانوي مشترك بنات، وتابع «السكان مجبرون على تعليم أبنائهم إما في منطقة الزور أو الخفجي، وأقرب منطقة لنا تبعد 50 كيلومترا، والطلاب أصبحوا كالعمال يخرجون إلى المدارس من ساعات الفجر الأولى في الباص ليقطعوا مئة كيلومتر ذهابا وإيابا». وتساءل العجمي «هل تعلم وزارة التربية أنها تملك مدارس في هذه المنطقة أم لا ؟ ومن يحاسب أولياء الأمور الذين حرم أبناؤهم من حق التعليم بسبب طول الطريق والمشقة اليومية وضعف المستوى المادي ؟ فلو توافر التعليم في المنطقة لما هجرها أغلب أهلها»، مؤكدا «أن المشكلة الحقيقية هنا هي أن أغلب البنى التحتية موجودة ولا تحتاج إلا لإعادة تأهيل».
وذكر «إننا منذ سنوات ونحن نسمع أن الحكومة ترغب في تأسيس مدن حدودية ونستغرب تجاهلهم لنا، فكيف تريدون أن يثق المواطنون بكم ونحن خير مثال علت التجاهل».
وكشف العجمي «عن معاناته مع وزارة الصحة ومستوصف الوفرة الذي وضع بالقرب من المزارع لخدمة «علية القوم»، فالمستوصف يبعد عنا أكثر من عشرين كيلو مترا، مبينا أن «الخدمات الطبية لدينا صفر، فالحكومة مجبرة أن تقدم الخدمات للمنطقة حتى وإن سكنها شخص واحد، فكيف بعوائل كويتية تقطن هذه المنطقة منذ عقود؟».
وبدوره قال مجرس عايض المطيري «إن منطقة الوفرة تعيش كارثة إنسانية بمعنى الكلمة، فالحكومة أهملت المنطقة السكنية واهتمت بالوفرة الزراعية التي يملكها ذوو نفوذ يستطيعون الوصول للمسؤولين»، متسائلا «كيف تريد الحكومة تشجيع المواطنين على السكن في مثل هذه المناطق ونحن نعاني الإهمال؟»، وذكر «إن الكثير من أهل الكويت لا يعلمون أن هناك منطقة سكنية بالوفرة ويسكنها مواطنون بل يعتقدون أن الوفرة فقط مزارع ومنتزهات»، موضحا «أن المنطقة تعاني الكثير وأول شيء البقالات فلا رقابة عليها وأغلبها بقالات متنقلة ومنتشرة على الطريق، وأيضا الأمن ضعيف جدا خاصة يومي الخميس والجمعة، فالطريق يعج بالسيارات والشباب المستهتر ( للتفحيط ) ودوريات الأمن في سبات عميق ولم نر دورية مرور واحدة تجول في المنطقة السكنية والتي يكثر فيها العزاب والعوائل خاصة فترة المساء التي تعتمد الرؤية فيها على ضوء القمر، لان وزارتي الكهرباء والأشغال تستخسران إعادة كيبلات إنارة الشوارع».
وأوضح المطيري «المشكلة الأخرى أن وزارة المالية منحت بعض الأفراد حق الانتفاع بمحلات تجارية، ولكن مع الأسف هؤلاء لم يستثمروا هذه المحلات وظلت مغلقة حتى الآن»، لافتا «إلى أن هذا الأمر اثر على الاستثمار في المنطقة، فالأهالي بحاجة إلى سوق تجاري ليبتاعوا منه أغراضهم وحاجياتهم الأساسية، متسائلا: لماذا لا تجبرهم وزارة المالية على الاستثمار أو التنازل عن المحل لصالح مستثمر آخر وتكون الأولوية فيه لأهالي المنطقة الذين لم يتنازلوا عنها ولم يهجروها على مر السنين، وهم يستحقون أكثر من ذلك تعويضا لهم عن سنوات الحرمان بعد الغزو».
وطالب المطيري «بتشكيل لجنة خاصة لدراسة احتياجات المنطقة وتنفيذها لكي يسهل التواصل معها، فقد مللنا الدوران في الوزارات ولا حياة لمن تنادي، ومنذ سنوات ونحن نسعى إلى تمديد إنارة الشوارع وطالبنا بتشجير المنطقة لصد الأتربة، وطالبنا بمستوصف ولم يستجب الينا احد».
ومن جانبه، قال رئيس مركز إطفاء الوفرة العقيد جابر عيد العجمي «لنا مطالب في هذه المنطقة والتي نعتبرها منكوبة خدماتيا ومنسية»، وأكد «أن هناك أساسيات للحياة الكريمة التي كفلها الدستور وأهمها التعليم والخدمات الصحية»، لافتا إلى «أنني أرغب في السكن في هذه المنطقة ولكن لعدم توافر أهم أساسيات الحياة تجعلني أتردد كثيرا في هذه الأمر». واستدرك «من غير المعقول أن أسكن في منطقة لا تتوافر فيها مقومات الحياة الكريمة، فنحن نبحث عن الأفضل، فالكثيرون من الكويتيين لا يعلمون بوجود منطقة سكنية اسمها الوفرة والبعض الآخر اشترى بيتا في المنطقة وجعله منتزها له ولأسرته في وقت الشتاء والعطلات الرسمية وذلك لان الجو في هذه المنطقة خلاب وممتاز وممتع ويشجع على السكن بعيدا عن التلوث والصخب».
و أضاف العجمي «نطمح بان تفتح جمعية تعاونية لتوفير الاحتياجات الأساسية، واعادة تأهيل السنترال وتشغيله، ويجب أن تكون الأولوية لأهالي المنطقة في شغل الوظائف الحكومية بدل أن يأتي موظفون من مناطق بعيدة ولا يداومون نهائيا، فالمنطقة نموذجية بموقعها ولكن ينقصها بعض الاهتمام الحكومي، فكثيرون من الناس يرغبون في المنطقة والدليل على ذلك الحركة العقارية فيها من بيع وشراء وارتفاع الأسعار في مساكنها وإيجاراتها».
أما علي حسين جحشر فقال «ينقصنا الاهتمام الأمني لردع استهتار بعض الشباب وخاصة يومي الخميس والجمعة حيث يعطلون السير، وعمال الشركات العزاب يؤذون الأهالي والعوائل، فيجب الاهتمام بالأمن حيث أن مخفر الوفرة لا يداوم فيه سوى عسكري واحد في معظم الأحيان ولم نر دورية جوالة في المنطقة مساء لضبط الأمن»، وتابع «نرغب من وزارة الصحة بتوفير ممرضة في المستوصف الذي يبعد عن مساكننا بما يقارب العشرين كيلو مترا، حيث أن لدينا نساء يعانين من مرض السكر ولا يعرفن كيفية استخدام الإبر الطبية فنضطر إلى الذهاب لمنطقة أم الهيمان أوغيرها للبحث عن ممرضة، حيث تم فرز ممرضة للمستوصف وعملت قرابة الشهر ولم نرها بعد ذلك، ونرغب بتوفير خدمات صحية أكثر في المستوصف لكي لا نضطر للذهاب بعيدا، وبعد ذلك نود أن يتم بناء مركز طبي خاص بالمنطقة السكنية بدل هذا المركز المختص للوفرة الزراعية».
و أكد جحشر «اننا لا نطلب المستحيل، الحكومة بنت هذه المنطقة وقبل بها المواطنون فلماذا لا يتم توفير الخدمات العامة لمثل هذه المنطقة الحدودية»، موضحا «اننا سمعنا كثيرا عن نية الحكومة بتوفير مناطق حدودية فكيف سيقبل عليها المواطنون وهم يروننا أمامهم كمثال حي على الإهمال الحكومي؟».
و من جانبه، قال سالم ناصر «مشكلتنا هي ارتباط اسم الوفرة بالمزارع فقط، فالكثير لا يعرفون الوفرة السكنية بعد الغزو، ففي السابق كانت منطقة تعج بالسكان، وكان هناك اهتمام واضح في المنطقة ولكن بعد الغزو تم إهمالها وكأنها ليست من الكويت»، وأضاف «ان أغلب الخدمات العامة موجودة كبنية تحتية ولكنها تريد بعضا من الصيانة وإعادة التأهيل، فالمخفر موجود مع قلة في عدد الأفراد والدوريات، وفرع بنك الخليج موجود وسيعمل في وقت قريب، والمستوصف بعيد جدا مع العلم أن العقارب والثعابين تكثر في فصل الصيف بجوار المنطقة السكنية، فكيف نتعامل مع الأطفال إذا أصابتهم هذه الزواحف السامة، والشوارع مملوءة بالتراب مع كل هبة هواء فلا توجد آليات لتنظيفه»، وتابع «إن الوفرة تحتاج إلى القليل من الاهتمام لتصبح من المناطق النموذجية حيث انها مأهولة بالسكان والبنية التحتية متوافرة ولا ينقصها سوى الاهتمام».
و ختاما قال يحيى علي «نحن شباب هذه المنطقة ونعتبرها من المناطق النموذجية ونحن مرتاحون فيها ولكن نريد بعض الاهتمام لكي تتوسع المنطقة ويعود إليها الكثير من أهلها الذين هجروها بسبب الإهمال»، وأضاف «الكثير من الناس يؤكدون انه إذا توافرت في المنطقة المستوصفات والمدارس والجمعيات التعاونية على أتم الاستعداد بان يسكنوها».
تاريخ الوفرة
الوفرة مدينة صغيرة، تقع في أقصى جنوب الكويت قرب الحدود السعودية، تابعة لمحافظة الأحمدي، وكانت جزءاً مما كان يعرف بالمنطقة المحايدة، وكان لكل من السعودية والكويت حقوق متساوية في الإدارة والقضاء والدفاع حسب اتفاقية العقير عام 1922، التي عقدت في واحة العقير في المنطقة الشرقية بحضور الملك عبدالعزيز آل سعود سلطان نجد وملحقاتها، وسير برسي كوكس P. Z. Cox، المندوب السامي البريطاني في العراق، والميجر جي سي مور J. C. More، المعتمد السياسي البريطاني في الكويت.
ونص الاتفاق على أن يكون لكل من البلدين حقوق متساوية في هذه المنطقة، حتى يأتي الوقت الذي يتم فيه ترسيم الحدود، في مدة أقصاها أربعون عاماً من تاريخ توقيع الاتفاقية.
وفي السابع من شهر يوليو عام 1965، تم الاتفاق على تقسيم المنقطة المحايدة بتوقيع كل من الشيخ جابر الأحمد الصباح، وزير المالية والصناعة والتجارة آنذاك، والوزير أحمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، وبعد مضي خمس سنوات دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 21 مايو 1970، ونتيجة لذلك أصبحت الوفرة تابعة للكويت.
بلغ عدد سكان مدينة الوفرة 3673 نسمة في عام 1970، منهم 865 كويتياً، ثم ارتفع عدد سكان المدينة إلى 5108 نسمات في عام 1980، منهم (3764) كويتيا بنسبة 74 في المئة، وبحلول عام 1985 وصل عدد السكان إلى 8906 نسمات غالبيتهم العظمى من غير الكويتيين، الذين بلغ عددهم 7137 نسمة أي ما نسبته 80 في المئة من مجموع سكان المدينة.