د. إبراهيم الهدبان / هل يمكن إصلاح الثورة في إيران؟

1 يناير 1970 06:25 ص
في خطبة الجمعة في جامعة طهران تكلم الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الحالي علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن الأزمة التي يعيشها النظام الإيراني بعد الانتخابات الأخيرة. فالهزة الكبيرة التي تعرض لها المجتمع الإيراني بعد هذه الانتخابات والتي دفعت ملايين المواطنين خصوصا الشباب للخروج إلى الشارع تأييداً للمرشح المعارض مير حسين موسوي من الصعب أن تنتهي دون أن تترك أثراً عميقاً في هذا المجتمع، مع أنه من الخطأ أن يظن البعض أن النظام مهدد بالسقوط لأنه أقوى وأكثر تمكيناً من أن يسقط في المستقبل القريب. فالشباب الإيراني بخروجه إلى الشارع إنما يعبر عن اعتراضه على النظام القائم، وعن تمرده على هذا النظام الذي هيمن على المجتمع الإيراني بطريقة فيها الكثير من الشمولية الديكتاتورية التي لا تترك مجالاً للمواطنين للحرية والتنفس والتعبير عن الرأي بعيداً عن أعين مخابرات النظام وقواته الأمنية.
والنظام السياسي في إيران منذ الثورة الإسلامية التي أسقطت الشاه استمد شرعيته من أمرين... الأمر الأول هو الصفة الدينية التي مثلها المرشد الأعلى للثورة في حينه الامام الخميني، وهو الذي ينظر إليه على أنه نائب عن الإمام المعصوم، وهو روح الله الذي له الولاية المطلقة. هذه الصفة دعمتها القوة التي تمثلت في حرس الثورة الذين يعدون بالملايين، والذين هم عبارة عن قوات أمنية عسكرية مدججة بالسلاح تحمي الدولة من أعدائها في الخارج وفي الداخل أيضاً. المصدر الآخر لشرعية النظام القائم في إيران هو العداوة القائمة بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية والتي اعتبرها القائمون على الثورة «الشيطان الأكبر» الذي كان داعماً دوماً للشاه المخلوع ولأجهزة المخابرات التابعة له «السافاك»، ثم وبعد الثورة كانت الولايات المتحدة المتآمرة دوماً على النظام الإيراني في محاولة مستمرة لإسقاطه، من خلال تعاونها مع الكيان الصهيوني في المقام الأول، ودعمها لصدام حسين في حربه على إيران التي بدأت بعد الثورة مباشرة واستمرت ثمانية أعوام تسببت في تراجع الأوضاع الاقتصادية والخدمات المجتمعية في إيران الشيء الكثير. إذاً فإن شرعية النظام القائم في إيران تستمد من الإمام الولي الفقيه ومن العداء لأميركا والسؤال هنا هل لا يزال هذان العاملان بالقوة نفسها التي كانا عليها عند بداية الثورة؟ والإجابة بالتأكيد بالنفي لأن الثورة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، ولابد أن تنتقل إيران من «إيران الثورة» إلى «إيران الدولة»، وبالتالي لابد أن تنتقل الشرعية من الاعتماد الكلي على العاملين السابقين إلى التركيز على عامل جديد وهو إنجازات الدولة. لا شك أن إيران الحالية تشوبها كغيرها من دول العالم الثالث الكثير من الظواهر السلبية كالفساد والرشوة وتردي أوضاع الخدمات، إلا أن العامل الذي يميز هذا المجتمع هو هيمنة المرشد والعداء لأميركا، وفي اعتقادي أن الناخب الإيراني خصوصا جيل الشباب أراد في الانتخابات الأخيرة أن يقول انه يشعر بالملل والإرهاق من العداء المستمر للغرب ولأميركا، ومن الصورة السلبية التي سادت في العالم لإيران كدولة وللإيرانيين كشعب بسبب حالة الاستنفار الدائم ضد الأميركيين. كما أن الناخب الإيراني يريد أن يقول انه لم يعد يريد هيمنة رجال الدين والمرشد تحديداً على شؤون الحياة اليومية في إيران لأن الحريات الشخصية هي شيء مقدس على رجال الدين عدم انتهاكه بشكل مستمر تحت حجة الوصاية على المجتمع. الشباب الذي خرج في إيران وجدها فرصة للتعبير عن حالة الاحتقان التي يعيشها، وفي تصوري فإن المستهدف ليس الرئيس محمود أحمدي نجاد تحديدا بل كل من هيمنة المرشد ورجال الدين على المجتمع وحالة العداء المستمرة لأميركا والغرب وكأن جزءاً كبيراً من الناخبين الإيرانيين أن يقول «كفاية» لكنها أعلى وأكثر دوياً من شقيقتها حركة «كفاية» المصرية. الخطر الواضح على مستقبل واستقرار إيران يظهر في أن الخلاف والصراع ليس بين المؤسسة الدينية وبين معادين لها، بل هو صراع بين أقطاب داخل هذه المؤسسة ممن شارك في إيصال الملالي إلى السلطة فعندما يتكلم السيد رفسنجاني فلا يمكن أن يتهم بأنه عميل للغرب أو بأنه مناهض للثورة الإسلامية التي ساهم هو بنفسه في صنعها. الصراع بين قادة الثورة أنفسهم والفرق أن تصفية الخلافات كانت تتم في الماضي وراء الأبواب المقفلة والآن خرج الخلاف إلى الشارع بعد أن شارك فيه شعب منهك من الفقر، ونقص الحريات، تعيش نسبة كبيرة منه تحت خط الفقر، ويرنو إلى إنهاء حالة العداء المستفحلة مع الغرب.
على قادة الثورة ألا يرتكبوا الخطأ نفسه الذي ارتكبه الشاه عندما عزل نفسه عن شعبه من خلال السد الذي بنته المخابرات الإيرانية «السافاك» في عهده بينه وبين شعبه. وبناء عليه فإن على مرشد الثورة أيضاً أن يوازن بين احتياجات شعبه وبين مبادئ الثورة إن أراد أن يطيل عمر النظام.


د. إبراهيم الهدبان
أكاديمي كويتي
[email protected]