المواقف تحددها أحداث زمنية، ولكل حدث عوامل محركة تزيد مستوى شعور الإنسان تجاه تداعياته، وذلك حسب الانطباع الذي يحدد تقبل الإنسان للحدث وفق التوقعات المسبقة، فإن كانت مخالفة جاءت ردة الفعل عكسية، وإن كانت متماشية مع ما يريد يكون موقفه حينها إيجابيا.
وبما أن المواقف، ولله الحمد والمنة، كثيرة فإننا نرغب هنا في التطرق لثلاثة مواقف يواجهها إخواننا في الجهتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك سائر البشر. هذه المواقف هي: موقف المقبرة، شهر رمضان، والوقوف بعرفة.
في المقبرة نجد الإنسان المخلوق ساكناً يعتريه شعور من الحزن لفقدانه عزيز أو قريب، وفي شهر رمضان تهدأ الأنفس ويرتفع الشعور الإيماني وتجد أن الممارسات، حتى على المستوى السياسي المحلي، تحاول الجنوح إلى التهدئة، وأما في موقف الوقوف بعرفة فلا نجد سوى الأيادي مرتفعة إلى المولى عز شأنه طالبة العفو والمغفرة والقبول.
والشاهد ان الله سبحانه وتعالى قد وهب المعبود نعمة النسيان، وسرعان ما يعود الإنسان الأحمق إلى سلوكه بعد المرور بتلك المواقف خلال وقت زمني بسيط.
والأحمق هو الإنسان الذي تكون ردود أفعاله غير متزنة، ويتسم حسب وصف الخبراء بصفة العناد والمكابرة، والوصف هنا يطول. ولكننا اكتفينا بجانبي العناد والمكابرة وعدم الاتزان في ردود الفعل كمدخل لما نرغب بسطه هنا للجميع.
لو راجعنا المواقف التي يتخذها السواد الأعظم من أبناء جلدتنا لوجدناها متطابقة مع صفة الحماقة التي قيل عنها «إلا الحماقة أعيت من يداويها»، لماذا؟ إن السبب بسيط، فمرجعية المتصف بالحماقة خارجة عن المألوف، وحتى الخارج على القانون يعتبر أحمقاً، وكذلك الأمر نراه منطبقاً على كل عنصر من عناصر الفساد الإداري والأخلاقي. لهذا السبب لم ولن تستقيم الأوضاع بالنسبة إلى البلد والعباد، ذلك أن قائمة الحماقة قد انضم إلى منتسبيها الكثير إلا من رحم الله، وإنها وربي لمعضلة فغياب القانون والعقل كمرجعين أساسيين لسلوكياتنا قد ساعد في انتشارها في ما بيننا، وهي، أي الحماقة، ما أن تؤثر في حيز ما إلا وهي تنشر الخراب فيه ومن حوله.
لقد ذكرنا المواقف الثلاثة في البداية بغية تذكير الإنسان كي يراجع ما يبدر منه من قول وفعل لعله يكون صادراً من مرجعية صالحة، وإلا سنبقى في نطاق الحماقة ندور، وبلا شك لن تستقر الأمور ولن نجد للإصلاح طريقاً نافذاً.
أعتقد أن الوضع الراهن بحاجة إلى مراجعة نفسية واجتماعية من قبل المختصين، وتستدعي الحاجة الجميع إلى القبول بمرجعية صالحة يكون فيها القانون والدستور والعادات والقيم الاجتماعية هي المراجع الحقيقية لردود أفعالنا. إنه مطلب ضروري نسوقه بعدما لاحظنا تغلغل سحابة الحماقة وسلوكها الدخيل في معظم مؤسساتنا، وتميز الكثير بها حتى وإن كانت وليدة ظروف معينة فهي تبقى حماقة حسب وصف المختصين.
الحاصل أن الوقوف بعرفة، وفي المقبرة، وسلوكيات شهر رمضان تتمثل في مواقف محمودة، ولا ينسى مؤثراتها إلا أحمق، فهل نخرج من مناخ الحماقة إلى مناخ إصلاحي يزيد من التلاحم، ويسخر طاقاتنا لخدمة البلد والعباد ضمن مرجعية وميثاق شرف قويم؟ والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]