«قانون النكبة» أخلاقي ونزيه أيضاً
1 يناير 1970
02:01 ص
مشروع القانون المعدل المسمى «قانون النكبة» مهم ويدل على أن الاشاعات عن تفكك الوطنية الاسرائيلية كانت سابقة لأوانها. في الصيغة الأصلية، التي حظرت كل احياء بحزن أو كرب ليوم الاستقلال، كان مشروعاً سيئاً سواء من ناحية حرية التعبير والاحتجاج الديموقراطيين، أم من ناحية يهودية، من حيث انعدام الرحمة تجاه الغريب.
حسب المشروع المعدل، صحيح أنه لن يكون هناك جانب جنائي في احياء يوم الاستقلال كيوم حزن، بل فقط كموضوع خاص أو تمويل محافل غير حكومية. القانون المقترح يوقف السياسية الخرقاء للحكومة التي مولت حتى الآن مهرجانات الحزن والخراب لعرب اسرائيل، الذين جعلوا يوم الاستقلال لدولتهم يوم كارثة.
هذا التشبيه كفيل بأن يثير الصدمة، ولكن هذا هو المعنى الأصلي لـ «النكبة». ها هو أحمد الطيبي في تصريح واحد ضمن تصريحات كثيرة، فور اقرار القانون يقول: «يوجد في الكنيست عصبة ناكري «النكبة» على وزن «ناكري الكارثة». ليس أقل. وبالفعل، «النكبة» يقدمها عرب اسرائيل في اطار الجرائم ضد الانسانية بل وكقتل شعب.
واضح أنه من ناحية عرب المنطقة، وليس فقط أولئك الذين يعيشون في اسرائيل بل باقي الشعوب حولنا، يوم فرحتنا كان يوم كارثتهم. يمكنهم أن يتصرفوا بخلاف ذلك، ولكنهم اعتقدوا أنهم يمكنهم أن ينجحوا في ابادة الحاضرة اليهودية الصغيرة التي كانت هنا وبالتالي الحصول على كل مساحة البلاد. ولفرحتنا، وقف التاريخ الى جانبنا.
فكروا ماذا كان يحصل لو أننا هزمنا، لا سمح الله، في حرب الاستقلال لصالح آباء وأجداد جمال زحالقة، أحمد الطيبي أو محمد بركة، الذين نددوا بالقانون المقترح من على كل ميكروفون مفتوح. حظهم أنهم يعيشون في دولة يهودية ديموقراطية. مشوق أن نعرف كيف كان سيرد آباؤهم وأجدادهم لو بقي في دولة فلسطين بقايا ليهود (الأقلية الذين لعلهم بقوا على قيد الحياة) احتفلت على حسابها، وليس على حساب دافع الضرائب الفلسطيني، بيوم الاستقلال الفلسطيني كيوم عزاء وكارثة.
وعليه، فان العزاء والكرب في أوساط العرب هما موضوع خياري ومحظور حرمانهم من حرية التعبير أو حتى حرية المظاهرة الخاصة. حتى هذا يجعل الدم يغلي، من حقهم عمل ذلك، ولكن كتنظيم خاص وليس بتمويل الدولة. وبالذات أولئك المؤيدين لفكرة الدولتين للشعبين يتعين عليهم أن يؤيدوا أيضاً «قانون النكبة»، اذ لا يحتمل أن تساعد الدولة اليهودية أو تمول سلطات محلية لغرض اجراء مهرجانات جماهيرية تبكي قيام دولة اسرائيل.
القانون الملطف، الى جانب عمل جدعون ساعر في وزارة التعليم ونشاطات أخرى في الاتجاه الصهيوني واليهودي تدل على يقظة صحية للغالبية الصامتة في البلاد. حيال التعاظم القومي لعرب اسرائيل والفلسطينيين، ينبغي تشجيع تعابير قومية يهودية وتعزيز الرموز القومية. في تفكير آخر، لا حاجة الى الانفعال من مظاهر الحزن لدى عرب البلاد، يمكن أن نرى فيها احتفالات ذكرى بديلة للحقيقة العرياء.
عملياً، سليلو العرب الذين سعوا الى ابادتنا لا يشتكون من كارثتهم الخاصة (فهذا فقط غطاء على حاجات الدعاية وكسب لب الناس)، بل من هزيمتهم في الحرب، بمعنى أنهم يشكون من بقائنا على قيد الحياة ونجاحنا في أن نقيم هنا دولة جودة حياتهم فيها أعلى بكثير من جودة حياة كل مواطني الدول العربية، ولديهم فيها حرية تعبير غير مسبوقة في العالم العربي، حتى للاحتجاج على وجود الدولة التي تحسن اليهم.
من الآن فصاعداً كل هذا محتمل، ولكن بشكل خاص وليس على حساب الجمهور. في ختام الأمر، فان جدعون ساعر، وزير التعليم، جدير بالتقدير والثناء على أنه نجح في أن يعمل بحكمة ونزاهة كبيرة. قراره يحث الحقيقة التاريخية، يحافظ على المصلحة الوطنية لدولة اسرائيل ولا يمنع من يرغب في احياء «النكبة» من العمل كما يشاء، طالما لا تموله الدولة التي هم يرغبون في القضاء على طابعها. كل سبيل آخر كان سيحدث تشويهاً تاريخياً واستغلالاً ذكياً للديموقراطية في دولة اسرائيل.
درور ايدر
«اسرائيل اليوم