حديث / الذئب الرمادي والتفاحة الحمراء

1 يناير 1970 12:54 م
| أمل العبيد |
بعد الشغف المتوالي على الدولة التركية من خلال الغزو الاعلامي التركي على مجتماعاتنا، متمثلا في المسلسلات الدرامية طويلة الامد.
بدأ عندي فضول معرفة تركيا من جانب آخر، والبحث عن تركيا بعيدا عن الاعلام، وما ساعدني في الموضوع تلك الصداقة التي تربطني بالدكتور آدم هاكان، فقد تعرفت عن كثب من هي الدولة الأم «تركيا» الدولة العثمانية... الاناضول، مصطفى كمال اتاتورك، والان رجب طيب اردوغان، وتلك الارادة ذات القبضة الحديدية!
ومن خلال اطلاعي وجدت ان الذئب الرمادي والتفاحة الحمراء، لعبا دورين مهمين في ماضي تركيا، وهما يمكن أن يلعبا الدورنفسه في مستقبلها. فالذئب الرمادي، كما تقول الحكايات الشعبية التركية، هو الذي قاد الأتراك الأوائل من منطقة جنوب صربيا إلى الاناضول قبل آلاف السنين. قادهم وسط الثلوج والبرد في الجبال الشاهقة من موطنهم الأصلي ارجينكون «تعني باللغة المنغولية «ممرا عبر الجبال الصعبة»، إلى سهول الاناضول الثرية. وحده كان الذئب الرمادي يعرف الطريق، فسارت وراءه القبائل التركية حتى وصلت إلى موطنها الجديد، من دون ان تنسى جميل الذئب، أو تنسى قدرته على إنقاذ الأتراك وقت المحن. هذا الذئب الرمادي هو بمعنى من المعاني «القومية التركية» اليوم، وكما يتجه الأتراك وقت المحن إلى الذئب الرمادي، يتجهون وقت الرفاه إلى التفاحة الحمراء، فهي أيضا جزء من ماضي الأتراك ومستقبلهم. والتفاحة الحمراء هي الاسم الرمزي الذي أطلقه الأتراك على القسطنطينية أو اسطنبول وعينهم على فتحها. وظل هذا حلما إلى أن فتحها السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453. وبينما يكره الأتراك كل غزو أو «فتح» آخر، فإن فتح محمد الفاتح للقسطنطينية هو فتح يحبه الأتراك، وفي كل عام في ذكرى يوم فتح المدينة التي تجسد تاريخ تركيا كله، يخرج الأتراك محتفلين وهم يشاهدون الجنود الأتراك، وقد ارتدوا ملابس تشبه تلك التي كان يرتديها الجنود العثمانيون الذين فتحوا القسطنطينية، ويسيرون بالطريقة نفسها التي كان يسير بها الجنود بالجيش العثماني وهي خطوتان للأمام وخطوة للخلف، في تجسيد للطريقة التي تقدمت بها الدولة العثمانية نفسها على مر تاريخها.. خطوتان للأمام وخطوة للخلف. بعد اسطنبول أصبحت مدينة روما عاصمة الدولة الرومانية هي التفاحة الحمراء الجديدة للأتراك، لكن الأتراك لم يستطيعوا هزيمة الرومان. وبعد روما أصبحت فيينا ومن بعدها موسكو هما التفاحة الحمراء، لكن دولة الهابسبرغ وقفت أمام طموح العثمانيين. مات الطموح موقتا، إلا أن حلم التفاحة الحمراء لم يمت. الكثير من الأتراك يقولون إن تفاحتهم اليوم هي الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولعب دور استراتيجي محوري في قضايا أوروبا والشرق الأوسط وآسيا. فحلم تركيا باستعادة نفوذها التاريخي لم يتلاش بالرغم من تقلصها من امبراطورية تمتد على 3 قارات، إلى دولة تمتد على مساحة 779.452 كم2. التفاحة الأوروبية ليست صعبة على الأتراك، إذ يمكن بسهولة رؤية الجانب الأوروبي في الشخصية التركية، فطبيعة الدولة في تركيا وعلاقتها بالدين تتشابه مع النماذج الأوروبية أكثر مما تتشابه مع العالم العربي أو الإسلامي بسب النهج العلماني الذي تعمق في جذورهم من مصطفى كمال اتاتورك. لكن الأتراك قلقون من كل أوروبا، وليس من فرنسا فقط التي تتحدث علانية عن صعوبة هضم تركيا داخل الاتحاد الأوروبي. هذا القلق التركي يصفه البعض بأزمة هوية، فيما يصفه البعض الآخر بأزمة خيارات. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان له عبارة شهيرة قال فيها ردا على احتمال عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي: «من دون أوروبا... ليس أمام تركيا إلا تركيا».
فلن تقف الدنيا على ساق وتنتهي تركيا اذا لم تنضم الى الاتحاد الاوروبي، بل تستعيض بذلك في الانكفاء على ذاتها كدولة لها باع طويل، وماض يزخم في البطولات والقوة وستجد تفاحتها الحمراء. اينما كانت تلك هي تركيا التي تعرفت عليها من جانب آخر.