لغة الأشياء / عن كائن الغياب
1 يناير 1970
12:51 ص
| باسمة العنزي |
أن تشعري باللاطمأنينة، أنك غير مستقرة وضجرة ومزاجك مالح وأكثر هدوءا من قبل، وأن تبدو لك الصور من وراء زجاج النوافذ والأبواب والواجهات كلها باللونين الأبيض والأسود، أن تقدم لك القهوة التي لا تطلبيها عادة وترتشفيها بعدم اهتمام، أن تستمعي لنفس الأغنية دون أن تتفاعلي معها وتتركيها تتكرر، وأن تعبري الشارع دون أن تلتفتي جانبا، ألا تعترضي وتتقبلي كل شيء لأن لا رغبة لك الدخول في نقاشات باهتة، تستهلك ما بقي من وقتك، أن تستيقظي وتنامي وأنت متأكدة أنك فقدت شيئا ذا قيمة بشكل مؤقت. كل ما سبق يعنى أنك حاضرة كحقيقة، حائرة في غياب الآخر!
يوم آخر يمر. مفرغا من تفاصيله المباغتة في مدينة تستبيحها فظاظة الشمس، تتحركين مرغمة في دوائر المكان والزمن دون بوصلة تنقذك، روحك ينقصها أطرافها، لوحتك بلا رتوش أخيرة، صقرك مربوط بالقاع بحبل الحنين، وأقلامك جافة.
عندما تتأكدي من أن همومك الصغيرة وحكاياتك الملونة وسخريتك الفانتازية، تائهة في فضاء شاسع لأن شخصا واحدا من بين الجميع لم تصل إليه، تعترفين لنفسك على الأقل-بأنك مصابة بالخيبة!
أن تقذفي وجهك بين الجموع الغفيرة وتشعري بالوحدة تتغلغل عميقا وتوصد الأبواب، أن تستمعي لما حولك من أصوات ممعنة في ضوضاءها ولا تميزي المعنى من الكلام، أن تصلى لساحل الانتظار حافية القدمين دون موعد, فهذا يعني أن السفينة في ميناء بعيد وأنك تقتفين أثر الغياب.
لم تقتنعي يوما أن الحضور عكس الغياب، الحضور المفاجئ رديف الغياب المخطط له. الصحراء تفتقد قطرة الماء العابثة,المفاتيح تنتظر من يحملها في جيبه، الرتابة تبحث عن فوضاها,و المسافر الأزلي يقذف وجهه قرب نبات اللافندر ويحتسى قهوة أميركية سوداء، على طاولة البعد,تاركا غيابه ينسج بساطا من الكلمات الوادعة.
تعلقين مناديل الغياب على حبل الانتظار المشدود، بينما تتوزع الغيوم الفرحة في سماء بعيدة، تقرأين كتاب الصيف كاملا، تاركة الصفحة الأخيرة لشرفة بعيدة تطل على تلة جميلة.