انتهى الاستجواب الأخير المقدم من النائب الفاضل مسلم البراك إلى وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد بتجديد الثقة في الوزير بعد حصوله على ثقة ثلاثين عضواً من أعضاء مجلس الأمة. صحيح أن «مشهد الاستجواب» انتهى، لكن «توابع الاستجواب» مازالت حاضرة في المشهد السياسي على أكثر من صعيد!
وبعيداً عن محاور الاستجواب وما إذا كانت دستورية أو غير دستورية، والجدل حول ما إذا كانت خطوة الوزير بإحالة المحور الأول للنيابة العامة خطوة كافية أم غير كافية؟ تبقى هناك العديد من «المفارقات» التي صاحبت وواكبت هذا الاستجواب فضلاً عن العديد من «الدروس و«العبر» التي تلت الاستجواب. طبعاً المجال هنا قد لا يتسع للوقوف عند جميع «مفارقات» الاستجواب، ولا عند جميع «الدروس والعبر» التي تلته، لكني سأتوقف عند «مفارقة» واحدة أجدها من أهم «المفارقات» التي صاحبت الاستجواب والتي يجب ألا تمر مرور الكرام، علنا نستطيع من خلالها أن نستلهم «الدروس والعبر»!
من منا لا يتذكر حادثة «التأبين» الشهيرة؟ تلك الحادثة التي صاحبتها حملة مسعورة انقضت على خيرة رجالات الكويت، والتي تخللتها «حفلة زار» ماجنة استخدمت فيها جميع آلات «الردح» من شتائم وسباب وطعن وتشكيك، ولا ننسى آنذاك دور السيد وزير الداخلية الذي كانت له «إسهاماته» و«بصماته» الواضحة في «سكب الزيت على النار» عبر تصريحاته الاستفزازية التي أشعلت الموضوع! طبعاً أنا هنا لست في وارد استحضار «الحاضر» ولا نبش «الماضي» ليس فقط لأن هذا الموضوع كان ومازال حاضراً في الأذهان وسيبقى كذلك في «المستقبل» رغم أن بعض صفحاته قد طويت، ولكن لأن موضوع «التأبين» ظل حاضراً، بشكل أو بآخر، في العديد من الأحداث السياسية المحلية الأخيرة، والتي «ليس» آخرها موضوع استجواب السيد وزير الداخلية!
إذا ما أخذنا المقدمة السابقة بعين الاعتبار، فسنجد أن أحداً لن يوجه اللوم لـ«التحالف الإسلامي الوطني» إذا ما قام بالتصويت مع طرح الثقة في السيد وزير الداخلية، وسيقول الجميع حينئذ أنه بالنظر إلى موقف السيد وزير الداخلية أثناء حادثة «التأبين»، فإنها تعتبر «فرصة» جيدة للثأر، وأنها جاءت على «طبق من ذهب»، حتى وإن كانت من باب تسجيل «هدف» سياسي!
لكن ما جرى كان العكس تماماً، فالنائب الفاضل عدنان سيد عبدالصمد قام بالتصويت «ضد» طرح الثقة ولم «يمتنع» مع العلم بأن «الامتناع» يصب في صالح الوزير، بل أعلنها «مجلجلة مدوية» قبيل الاستجواب عندما قال «لا» لطرح الثقة! وسأستحضر هنا مقتطفات من البيان الذي أصدره النائب سيد عدنان عبدالصمد قبيل جلسة طرح الثقة. يقول عبد الصمد في بيانه الصحافي: «بالنسبة إلى محاور الاستجواب فإن المحور الثاني والثالث لم يكونا أبداً ليرتقيا حتى يكونا محلاً للمساءلة النيابية. فقط فان الاهتمام الجدي كان على المحور الأول وما شابه من تهمة التعدي على المال العام، وهو المحور الذي جعل المستجوب ومؤيديه غير مقتنعين ولا مكتفين بالإجراءات التي اتخذها الوزير بإحالة الموضوع إلى النيابة العامة أو تشكيل لجنة وزارية للتحقيق فيه، وهو ما جعلهم يتقدمون بطلب طرح الثقة بالوزير». ثم يمضي عبدالصمد في بيانه بالقول: «وهو الأمر الذي نختلف معهم حوله حيث كان بالإمكان المطالبة بتحويله إلى لجنة حماية الأموال العامة، أو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية كما حصل بالنسبة لكثير من القضايا الأخطر وما شابها من تعديات على المال أكبر، إضافة إلى كون الموضوع حالياً محلاً لتحقيق من قبل ديوان المحاسبة. ذلك مما يجعلنا نعتقد أنه لا يرقى ليكون محلاً لطرح الثقة بالوزير».
بعد ذلك يتحدث عبدالصمد عن أبرز الملاحظات السلبية التي شابت الاستجواب بالقول: «من أبرز الملاحظات السلبية مع الأسف هذا الاصطفاف الذي صاحب هذا الاستجواب وخطورة ذلك على نسيجنا الاجتماعي. ناهيك في هذا الوقت عن عدم المواءمة السياسية التي فرضتها حالة التوتر بين السلطتين، والأزمات السياسية المتكررة التي سادت لأكثر من فصل تشريعي موتور، وفي فترة قصيرة جداً، مما عطل الانجاز واخر التنمية، وتسبب في تململ الشارع الكويتي وإعطاء صورة سلبية عن ممارساتنا داخل مجلس الأمة».
ثم يختم النائب عدنان سيد عبدالصمد بيانه، وهو بيت القصيد، بالقول: «لو أطلقنا العنان لنزعاتنا العاطفية ولاختلافاتنا الشخصية كمنطلق للحكم في هذه القضية فلربما تبدل الموقف واختلف القرار، ولكن التزاماً بالمسؤولية الوطنية التي يجب أن تسود تعاملنا وتحكم مواقفنا السياسية دونما تأثير بالاختلافات الشخصية مع هذا الوزير أو ذاك».
نعم، هي «مفارقة» لكنها ليست بغريبة على نائب مخضرم بحجم عدنان سيد عبدالصمد، وليست بغريبة على تيار سياسي مثل «التحالف الإسلامي الوطني» الذي لطالما قدم المصلحة الوطنية على ما سواها. إذاً هي «المسؤولية الوطنية» التي حكمت قرار السيد عدنان عبدالصمد وقرار «التحالف الإسلامي الوطني» الذين اتخذوا موقفهم العلني «ضد» طرح الثقة إيماناً والتزاماً منهم بـ «المسؤولية الوطنية» بعيداً عن النزعة العاطفية والأهواء الشخصية، وهو موقف على نقيض موقف الجهة المؤيدة للاستجواب بعد أن غلبوا أهواءهم الشخصية، وتعاملوا بأسلوب «الثأر» السياسي على خلفية قضايا الاعتقالات التي صاحبت موضوع «الفرعيات» والتي أقدم عليها السيد وزير الداخلية تطبيقاً للقانون!
الموقف من الاستجواب لم يكن يتحمل سياسة «الوقوف على التل أسلم»، أو سياسة «مالنا ومال السلاطين»، أو سياسة «فخار يكسر بعضه»! بل الموقف من هذا الاستجواب تحديداً بالنظر إلى دوافعه وبعده السياسي على مستقبل البلد، حتم على النائب الفاضل عدنان عبدالصمد و«التحالف الإسلامي الوطني» اتخاذ موقف واضح لا يقبل التأويل أو... التلوين! فلو فرضنا «مجازاً» بأن طارحي الثقة قد كسبوا هذه الجولة، فإن هذا سيعد مؤشراً قوياً على أن المشهد السياسي المقبل سيعج بمشاهد «الترهيب» وكسر القوانين والتجاوز والتعدي على الدستور تحت سياسة «كلام حق يراد به باطل»، لذلك جاء قرار التصويت «ضد» طرح الثقة ليقول بشكل واضح لمن يعنيهم الأمر: «كفى» للمزايدات، و«كفى» لدغدغة المشاعر، و«كفى» لاختطاف المجلس!
ويبقى السؤال حاضراً: هل تشكل «مفارقة» تصويت «التحالف الإسلامي» لصالح الوزير، وتساميهم على الجراح، وتغليبهم المصلحة الوطنية، «فرصة» للآخرين لاستلهام «الدروس والعبر»؟
عمار تقي
كاتب كويتي
[email protected]