دعوة للتسامح والعدالة والحب

محطة / رائعة هاربر لي «أن تقتل طائراً بريئاً» ... في مكتبة الاسكندرية

1 يناير 1970 11:13 ص
| الاسكندرية (مصر) - «الراي» |
نظمت ادارة الخدمات العامة بمكتبة الاسكندرية في مصر حلقة نقاشية حول رواية «أن تقتل طائرا بريئا» للكاتبة الأميركية «هاربر لي» في اطار مشروع «القراءة الكبرى: مصر-الولايات المتحدة»، الذي يهدف الى تعريف القارئ المصري بالأدب الأميركي، وتعريف القارئ الأميركي بالأدب المصري.
الحلقة النقاشية جاءت بعد أن قدمت المكتبة محاضرات حول الرواية وعرض فيلم «أن تقتل طائرا بريئا» للمخرج «روبورت موليجن»، وهو مقتبس عن الرواية. وهدفت المناقشة الى تبادل الآراء حول الرواية واعطاء الأفكار ومناقشتها وتبادل وجهات النظر التي تعطي الأدب قيمته وأهميته.
وتتناول الرواية العلاقة بين البيض والسود في أميركا، وقد حصلت على جائزة «بوليتزر» عام 1962 وأصبحت من الكتب الأكثر مبيعا، فهي تدور حول «آرثر بو رادلي»، الذي يعيش في بيت محكم الاغلاق في شارع قريب من منزل عائلة «فينش»، وتصوره الشائعات على أنه أقرب الى الوحوش منه الى البشر. وتشترك الفتاة الصغيرة «سكاوت» وأخوها الأكبر «جيم» وجارهم «ديل» في العديد من المغامرات التي يحاولون من خلالها أن يدفعوا «بو» للخروج من منزله.
ويتعلق الخط الثاني من الرواية بوالد «سكاوت» و«جيم» -المحامي أتيكوس فينش- الذي قام القاضي المحلي بتعيينه للدفاع عن رجل أسود يدعى «توم روبنسون» اتهم زورا باغتصاب امرأة بيضاء، ويشعر «أتيكوس» بأنه لن يكسب القضية، ومع ذلك يقبل التحدي بشكل بطولي، بل ويقدم الحماية لموكله في مواجهة الغوغاء الذين يريدون الفتك به دون انتظار المحاكمة.
وقد أكد المشاركون أن الرواية متكاملة الأبعاد، حيث نقلت القيم الانسانية والأحداث التاريخية التي مرت بالجنوب الأميركي والعالم في تلك الفترة مثل الكساد العظيم، وأعطت فكرة عن الاختلاف مع الآخر في شكل اجتماعي طبقي.
واتفق القراء على أن الكاتبة قامت باسقاط شخصيتها وتجاربها على شخصية «سكاوت» التي تقوم بسرد القصة، فقد اختارت أن تقدم سكاوت القصة بتفاصيل دقيقة جدا وبراءة كبيرة لأنها تعبر عن بيئتها وتجربتها. فقد ولدت «هاربر لي» في ولاية ألاباما في الجنوب، وعمل والدها في مهنة المحاماة وعانت والدتها من مرض عقلي لفترة طويلة ولم تغادر المنزل الا قليلا، وقد ظهرت تلك العناصر بشكل كبير في حياة شخصية سكاوت.
وناقشوا علاقة «هاربر لي» بمكان الرواية، فقد أثر مكان ولادتها وهو الجنوب الأميركي عليها روائيا وأدبيا. كما حصرت الكاتبة القارئ في المكان والمجتمع الجنوبي وملامحه، وفرقت بين الشمال والجنوب وأعطت انطباعات عن اختلاف طباع ومعتقدات كل ولاية داخل الولايات المتحدة. وقد نجحت الكاتبة في نقل القارئ الى البيئة التي عاشت وانغمست فيها.
وأوضحوا أن جمال وقوة القصة اللذين جعلاها الأكثر مبيعا يأتيان من كونها تمس الواقع بشكل فعال وتعطي انطباعات وتنقل مشاعر للقراء، خاصة وأنها تهدف الى تسليط الضوء على الاختلاف السائد في الجنوب وتعرض قضية نظرة الانسان للآخر، وفكرة تقبل الاختلاف، سواء كان في الطبقات الاجتماعية، أو اللون، أو العقيدة.
وقدمت الرواية في هذا السياق مجموعة كبيرة من القيم الانسانية مثل التسامح والعدالة والحب وتقبل الآخر والديموقراطية، التي تمنت الكاتبة أن تتواجد في المجتمع خاصة مجتمع الجنوب. الذي تميز بالتفرقة والعنصرية. وعرضت الكاتبة تلك القيم بشكل بسيط ورائع تجسد في مشاعر الأطفال وعلاقتهم بالآخرين.
حاولت الكاتبة أيضا عرض قيمة التعبير السلمي عن الرأي. وقدمت للقارئ والمجتمع دعوة لنبذ العنف بالتأكيد على أن الشجاعة لها مفهوم آخر يختلف عن القدرة على حمل بندقية. وعبرت عن أملها في القضاء على الافراط في استخدام القوة في ظل وجود أغلبية في مجتمع ديموقراطي واختفاء العدالة مع الأقليات. فقد دعت الكاتبة المجتمع للاعتراف بوجود اختلافات بين الأفراد ومحاولة تقبلها، في ظل انتشار مفهوم التخلص من الشيء لمجرد اختلافه، حتى ان كان طائرا مغردا مسالما وبريئا.
وتطرقوا للأسلوب الذي كتبت به الرواية ورأوا أن الكاتبة تركت سرد القصة للشخصيات لتحظى بالقدرة على انتقاد نفسها واعطاء مصداقية للشخصية لدى القراء، كما جاء الأسلوب مفصلا جدا وبسيطا مبتعدا عن الأسلوب النثري حيث أرادت الكاتبة تجسيد واقع حيّ وتوصيل فكرة وتغيير واقع مجتمع فأرادت بلوغ الهدف بأسهل وأدق تعبير.
ورأى المشاركون أن الكاتبة استطاعت توصيل الرسالة الى المجتمع في وقت مناسب تاريخيا، فقد رأت أن المجتمع لا ينضج الا بانتقاد نفسه، وقد شكلت الرواية أكبر أشكال انتقاد المجتمع العنصري، واختارت شخصيات الأطفال في القصة للتعبير عن عدم نضوج المجتمع الأميركي.
وحاولوا الربط بين أوضاع المجتمع الأميركي التي عرضتها الرواية وأوضاع المجتمع المصري، وكيفية الاستفادة من القيم الانسانية التي ناقشتها الرواية في مجتمعاتنا، وخلص المشاركون الى أن الرواية لامست بعض القضايا التي تطرق لها الأدب المصري ومنها... أوضاع الطبقات المهمشة، وتطور التعليم، والأحكام القضائية، والقدرة على تقبل الآخر.