| نادين البدير |
في الساعات التي سبقت كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما، كان الزعيم الأعلى الإيراني آية الله خامنئي يتحدث باسمنا جميعاً:
« شعوب الشرق الأوسط تبغض أميركا» أيبغضها هو أيضاً؟
«أميركا مكروهة بشدة في المنطقة».
لم يكن يقدم تعليقاً، بل نداء بعبارات خفية وصراخاً في وجه الشعوب التي بدأت تميل ميلا فطرياً لشخصية أوباما المعتدلة:
« لا تنسوا أنكم تكرهون أميركا»
ردات فعل أبناء المنطقة تجاه خطاب أوباما أظهرت العكس. فهذه الشعوب لا تعرف الكراهية، عاطفية لأبعد الحدود، كلمات وإشارات بسيطة يمكنها كسب مودتها وحفاوتها.
دخل أوباما ومن معه إلى المسجد حفاة، هناك غطت هيلاري شعرها.
استشهد أوباما بالقرآن واقتبس منه آيات إنقاذ الإنسان وارتكز على الإسلام في مخاطبة المسلمين. انتقد إسرائيل ودافع عن فلسطين مثلما دافع عن اليهود.
ماذا يريد أبناء المنطقة أكثر من ذلك لينسوا كل شيء؟
قليلون من كذبوه، الكثيرون رأوا في عينيه المحبة. أحبوه. ورفعوا له تحياتهم.
في مصر وحدها أظهرت استطلاعات مركز غالوب الأميركي للدراسات الإسلامية، أن قبول المصريين للقيادة الأميركية ارتفع من 6 في المئة في أوقات سابقة إلى 25 في المئة في مايو 2009 مما يدل على تحسن سببه سياسات الإدارة الجديدة. وأجمع 64 في المئة من المصريين أن جدول أوباما الزمني حول تسريع انسحاب القوات من العراق ستحسّن آراءهم حول الإدارة الأميريكية.
ومؤكد أن تلك النسبة قد ارتفعت بعد إلقاء خطابه الذي ساوى به بين الجميع.
تكشف داليا مجاهد مديرة غالوب التنفيذية مستشارة الرئيس الأميركي للشؤون الدينية: « من خلال الاستطلاعات العلمية التي يجريها مركز غالوب، اكتشفنا أنه لا يوجد كراهية دينية بين العالم الإسلامي وأميركا من الطرفين، بل هناك انتقاد للسياسة الأميركية بشكل عام».
لكن خامنئي يقول الشعوب هنا تكره أميركا.
إدخال المصطلحات العاطفية الشريرة معتاد في خطب الإسلام السياسي. الخطر هو دور تلك المصطلحات في جعل العامة يبتعدون عن استخدام عبارات كـ» نحن ننتقد السياسة الأميركية» واستبدالها بـ «نحن نكره الأميركيين».. ما غرض هذا التساهل في استخدام أبشع ما اخترعته لغة البشر بخطب الزعماء الروحيين؟ القتل أم السبي؟
استشرت هذه الثقافة حتى على المستوى الشعبي، كنت أحكي مع مجموعة من المسلمين ممن تاهوا وجمعوا بين عشق الغرب وكراهيته، بين التمتع بطبيعته وصداقات قديمة مع أهله وبين وجوب كرهه لأنه كافر، تحدثت عن أن الله محبة. فكان تعليقهم: تتحدثين كالمسيحيين.
أليست كلمات أوباما حول المحبة والسلام اقتباساً من القرآن؟
هل الله خوف؟ كراهية لبعضنا؟ أهكذا يفسرون الله؟
حين ترك الرئيس الأميركي ريتشارد نكسون الرئاسة قال للشعب: يجب أن تعلموا أن اللحظة التي تشعرون فيها بكراهية نحو خصمكم هي لحظة إعلان انتصاره عليكم.
ليس علينا أن نكره حتى من تأذينا بسببه، علينا أن ننسى. لا لأجله بل لأجلنا. كي نعيش سعداء.
هل سهل الدعاء على الآخر بالموت؟ ذلك الشعور الوحشي بالرغبة المجرمة في إزهاق روح كل مخالف لنا صرنا نسمعه كل جمعة ، أسهل ما تقوم به الجماعات الجديدة التي خلقها التطرف وإهمال الحكومات هو الدعاء.
لكني أكتب باسم جماعات قديمة لا تبغض أميركا ولم تبغض أحداً يوماً. الحب يملؤها تجاه كل العالم، عكس الكراهية التي تعذب خامنئي كما يتعذب بها غيره.
إن كرهنا أميركا فسهل أن نكره بعضنا. وإن تمنينا الموت لغير المسلم فسنتمناه لأنفسنا، وهذا ما يحدث بالفعل بين السنة والشيعة حالياً. وحتى ضمن السنة، فالمذاهب المتعددة تكره بعضها وتعتقد كل واحدة أنها الأصوب وأن غيرها خارج يجب الدعاء عليه. هذا أعرفه من الرسائل التي تصلني. مضحك أن تكتب لي أم تدعو عليّ في صلاتها لأن ابنتها تقول لها يجب أن نتحرر.
أجمل ما سمعته من الرئيس أننا جميعا نتشاطر هذا العالم لفترة قصيرة فهل نركز فيها على ما يباعد في ما بيننا أم نبذل فيه جهدنا لتحقيق كرامة البشر وبناء مستقبل لأبنائنا..
هؤلاء الرؤساء الذين يقدمون الحكمة للعالم مازالوا يعيدون خطب الثورات.. لغتها قديمة لا تتماشى وروح أحد، تجبرك على أن تشرد بذهنك حتى انتهاء الكلمة ..
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]