عودة للحالة بين الكويت والعراق

1 يناير 1970 08:47 ص
| بقلم د. معصومة المبارك |
لعقود عدة والعلاقات الكويتية - العراقية تتأثر وبشكل سلبي بالمطالبات والتصريحات التي يطلقها الساسة العراقيون فمنذ الثلاثينات من القرن الماضي والتجاذب الحاد على الحدود يتصاعد وبشكل حاد بل وظل الأمر الى التهديد بكينونة الكويت ووجودها.
وكنا نأمل بأن القرارات الدولية المعالجة للحالة بين الكويت والعراق والصادرة عن مجلس الأمن الدولي وتغيير النظام البعثي في العراق أن كل ذلك سيؤدي الى انهاء حالة التوتر والتصعيد بين البلدين وأن العلاقات بينهما ستعود الى علاقات قائمة على حسن الجوار والثقة المتبادلة ولكن في كل مرة يخفق ذلك الأمل في أن يتحقق على ارض الواقع، وتتصاعد اللهجة الاعلامية المستندة الى تصريحات السياسيين وتعود الاجواء الى التوتر والى تراجع مؤشرات الثقة وتراكم غيوم التشكيك واحتمالات المزيد من التصعيد.
في آخر تطور في حلقات الحالة بين الكويت والعراق بدأت قبل اسابيع قليلة عندما أكدت الكويت على ضرورة تسوية الملفات العالقة بين البلدين وأن القرارات الدولية التي حكمت الحالة بين الكويت والعراق من الواجب احترامها واستكمال تطبيقها.
أدت هذه التأكيدات الكويتية الى اثارة ردود فعل حانقة وغاضبة من الجانب العراقي واتهامات اطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن هناك دولا تسعى الى ابقاء العراق في اطار الفصل السابع من الميثاق وان هذه السياسات ستؤدي الى المزيد من التوتر.
مع كامل احترامنا لموجبات العلاقة الايجابية بين الكويت والعراق وبأنها مدخل حقيقي للاستقرار في منطقة شهدت الكثير... الكثير من التوتر الا اننا وبنفس القدر من الاحترام نؤكد على موجبات احترام القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي منذ القرار الاول رقم 660 والصادر في 2 اغسطس 1990 وحتى آخر قرار سيصدر لانهاء الحالة بين الكويت والعراق واغلاق التعامل الدولي بموجب الفصل السابع من الميثاق وبما يعلن عن أن العراق قد طبق كامل التزاماته الدولية المترتبة على جريمة الغزو والاحتلال وما رافقتهما من آثار تمت معالجتها بسلسلة من القرارات اهمها قرارين هما القرار رقم 687 الصادر في 3 ابريل 1991 والخاص بمعالجة آثار العدوان والاحتلال والذي انشأ لجان دولية لتسوية ومعالجة هذه الآثار.
1 - اللجنة الدولية لترسيم الحدود بين الكويت والعراق.
2 - اللجنة الدولية للتعويضات وانشاء صندوق خاص بذلك.
3 - اللجنة الدولية للتفتيش على اسلحة الدمار الشامل.
4 - اللجنة الدولية لاعادة الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق.
5 - تكليف اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعمل على اعادة جميع الرعايا الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة الى الوطن.
هذا القرار الدولي مثله مثل كافة القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية وخاصة مجلس الامن الدولي، هذا القرار صادر بموجب الفصل السابع من الميثاق الامر الذي يجعله ملزما كامل الالزامية ولا يجوز التراجع او التعديل على اي جزئية منه من الاطراف المعنية ولم يسبق ان عدل مجلس الامن الدولي اي من قراراته الصادرة عنه خاصة اذا كانت مرجعيتها هي الفصل السابع من الميثاق.
كما ان اقرار او عدم اقرار الدول المطبق عليها القرارات الصادرة من الفصل السابع لا يقدم ولا يؤخر في فاعلية والزامية القرار بمعنى ان تطبيق قرارات مجلس الأمن والزاميتها لم يكن على الاطلاق مرتبط بموافقة العراق او الكويت بل هي بمثابة احكام نهائية صادرة عن المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الامن الدولي ملزمة وواجبة التنفيذ للطرفين.
اذا خلاصة الموقف الكويتي من هذا القرار وهي بكل جزئياته ملزمة تقوم على احترام كامل القرارات وعلى رأسها القرار 687 الذي نحن بصدد تحليله وان متابعة تنفيذ الملفات المتعلقة بذلك هي من اختصاص المنظمة الدولية ممثلة بمجلس الامن الدولي ولا يجوز ان يؤخذ اصدار الكويت على تنفيذ بنود القرارات الدولية مدعاة للشكوى العراقية او مثارا للاتهامات العراقية ضد الكويت وبانها اي الكويت تثير التوتر والتصعيد فكما ان من حق العراق ان يراعي مصالحه ويرفع المطالبات سواء بشكل ثنائي مع القيادة الكويتية او على المستوى الدولي من خلال المطالبة برفع الحالة بين الكويت والعراق من الفصل السابع فانه بالضرورة من حق الكويت كدولة متضررة من ان تلتزم بالشرعية الدولية المتمثلة بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن الدولي وعلى رأسها كافة بنود القرار 687 لان هذا القرار يجسد الالتزام الدولي بحماية الحقوق الكويتية (الدولة المعتدى عليها) وتسوية آثار العدوان التي ارتكبتها (الدولة المعتدية) أيا كان نظام الحكم الذي ارتكب في عهده العدوان لان القانون الدولي معني بالدول ولا يتأثر بمن يتولى الحكم. فكما الاتفاقيات الدولية تمتد آثارها عبر انظمة الحكم المتتالية الا اذا عدلت الاتفاقيات بموجب اتفاق بين الاطراف المعنية، فكذلك التزامات الدول تنتقل عبر انظمة الحكم للدول المعنية ولا يؤثر في التزاميتها واستحقاقاتها تغيير نظام الحكم، ونحن على ثقة تامة بأن القانونيين في العراق وكذلك السياسيون على علم بهذه الحقيقة. كما ان الجانب الكويتي على ادراك تام بها مؤكدين الحرص التام على مبادئ حسن الجوار واستمرار تطوير العلاقات الايجابية ولكن بشرط الا تؤثر على الحقوق والالتزامات، بمعنى ألا تكون المعادلة قائمة على المقايضة، باشتراط الخروج من قبضة الفصل السابع والتزامات القرارات الدولية مقابل تطوير العلاقات وتحسينها، فالكويت لها مصلحة حقيقية في تحسين العلاقات مع العراق ولها مصلحة حقيقية في بناء الثقة ومد جسور التعاون وفتح قنوات التواصل الاخوي ولكن لها مصلحة حقيقية كذلك بالالتزام بالقرارات الدولية كافة وعلى رأسها القرار 687.
اما القرار الثاني الشديد الأهمية والذي لا يقل اهمية عن القرار 687 فهو القرار 833 الصادر في 27 مايو 1993 والمستند الى القرار 687 وما تلاه من قرارات هذا القرار 833 الخاص بترسيم الحدود الكويتية - العراقية وخطاء كان العراق يطلق عليه قرار تحديد الحدود. فالحدود قد حددت بموجب المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق في 4 اكتوبر 1962، ويؤكد القرار 833 في الفقرة الرابعة منه على ان اللجنة الدولية المعنية بترسيم الحدود قامت بعملها من خلال عملية تخطيط الحدود ولم تقم باعادة توزيع الاراضي بين الكويت والعراق، وان عملها كان منحصرا في تحديد دقيق لاحداثيات الحدود الواردة في المحضر المشار اليه اعلاه والصادر في 4 اكتوبر 1962 وينتهي القرار في البند الخامس الى مطالبة كل من العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية كما خططتها اللجنة باحترام الحق في المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة، وفي البند الخامس يؤكد القرار 833 على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية المذكورة اعلاه والتي قيمت اللجنة تخطيطها وبشكل نهائي والقيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع التدابير الضرورية لتحقيق هذه الغاية وفقا للميثاق على نحو ما نصت عليه الفقرة 4 من القرار 773، والفقرة 4 من القرار 773.
خلاصة ما سبق ان مطلب الكويت بضرورة تسوية كافة الملفات العالقة بين البلدين (العراق والكويت) هو مطلب مشروع ويؤكد على انه بالرغم من مرور كل هذه الفترة من التحرير في 26 فبراير 1991 الى اليوم مازالت بنودا من القرارات الدولية وخاصة القرار 687 والقرار 833 غير منفذة بالكامل والجهة المعنية بالمتابعة والاشراف على التنفيذ هي منظمة الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الامن الدولي ولا يجوز ان تخضع لمشاورات او محادثات ثنائية بين البلدين فمجلس الامن في القرارين قد جعل نفسه مشرفا ومراقبا ومتابعا وضامنا للتنفيذ ومن الخطورة بمكان ممارسة العراق اساليب الضغط على الكويت بل ومن الخطورة بمكان ممارسة اي من القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة اي ضغط على الكويت للتراجع عن حقوقها المقررة في القرارات الدولية، كما لا يجوز ولا نسمح كشعب بأن نخضع للمساومة للتراجع عن حقوقنا أيا كانت الاسباب والمبررات التي تدفع دولة الولايات المتحدة للتراجع عن بعض من حقوقها لانه من الواضح ان الولايات المتحدة لها مصالح عدة في هذا الجانب لذا اتبعت اسلوب (اكرم البطن تستحي العين) فقد اعلنت عن تراجعها عن بعض من ديونها تجاه العراق مقابل ضمان اقرار الاتفاقية الامنية والتي سيحين موعد مراجعتها في المؤسسة التشريعية العراقية قريبا، هذه الجزئية معنية بالعلاقات العراقية - الأميركية وما تحمله من مصالح يحددها الطرفان المعنيان (العراق والولايات المتحدة الأميركية) اما الجزء الخاص بالمطالب الكويتية والمقررة وفقا للقرارات الدولية او تلك الديون والتي تمثل عبئا على المال العام الكويتي فالجهة المعنية بالجانب الاول والملزم بضمان تنفيذها فهو مجلس الامن الدولي.
أما الجانب الثاني والمعني بالديون فالجهة الملزمة بضمان حماية المال العام فهي المؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية وكلاهما مراقب من الشعب اما بشكل مباشر او غير مباشر من خلال نواب الشعب، الفصل السابع لم يوضع عبثا في الميثاق بل لتأكيد هيبة المنظمة الدولية واحترام حقوق الدول، وكل ما نأمله ونسعى اليه في هذه المرحلة هو احترام المواثيق الدولية والقرارات الدولية والالتزامات الدولية وبناء الثقة بين الدول على هذه الاسس وخاصة بين الكويت والعراق فالثقة بينهما ترسخ علاقات الاخوة وحسن الجوار بين الشعبين وتغلق ابواب الشر التي يتحين الكثيرون فتحها فان فتحت فستلتهم الأخضر واليابس.
العقلاء في البلدين كثر وهذا دورهم.