خالد الحجرف / سعد العبدالله... رجل بحجم وطن
1 يناير 1970
06:14 ص
قال تعالى «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» صدق الله العظيم.
في حياة الخلود ترفرف أرواح الرجال الذين لا يستطيع الموت أن ينتزعهم من قلوبنا أو يسدل ستارة على أعمالهم الجليلة التي تضيء الحياة للآخرين وتمنحهم سمو الإنسانية بمعناها وتتوجها بمغزاها... هؤلاء الرجال تظل سيرتهم العطرة تفوح بين ثنايا القلوب لتعمرها وتغمرها بالحب.
والأمير الوالد سمو الشيخ سعد العبدالله - طيب الله ثراه - لا نزكيه على الله، ولكن نحسبه بإذن الله تعالى من الذين قال فيهم المولى عز وجل «أحياء عند ربهم يرزقون»، فهو بمقاييس الشهادة يحمل أنواطها وبمقاييس الرجال فهو الأمير الوالد وبمقاييس الزمن هو البقاء الذي لا يعرف الفناء بما قدمه من عطاء وسخاء لم يتوقف ولم يتوان عبر أعوام طوال... سيظل سمو الأمير الوالد باقياً في قلب كل كويتي... وسيظل باقياً في قلوب العرب... وسأظل أنا فخور بأن الزمان جاد بكرمه ومنحني فرصة العمل مع الأمير الوالد الراحل (طيب الله ثراه).
وقد عرفت سموه عبر رحلة طويلة من العمر وأنا إلى جواره حيث جميع الصفات وحميد الخصال، فقد كان رجلا عظيما وقائدا حكيما مبادرا وعقلا كبيرا يمتلك إرادة صلبة وعزما لا يلين، وكان رحمه الله يتسم بالتسامح والمودة في التعامل مع الجميع، حنونا شفوقا كأنه والدهم.
لقد تعلمت من سموه الكثير من المعاني ولا عجب أن قيادته أكسبته محبة الشعب الكويتي ومودته، ويأتي في مقدمة هذه الصفات الهدوء والوقار والتواضع الجم والتسامح، وعرفت عن سموه القناعة والصبر والعمل الدؤوب المتواصل من أجل المصلحة العامة للكويت ولأهلها... حيث كانت الكويت في قلبه على الدوام فبادلته حباً بحب، حتى صار رجلاً بحجم وطن.
ومهما قلت فإنه يعجز اللسان ويجف القلم عن ذكر مناقب وأعمال سموه تجاه الكويت وأهلها رحمه الله.
وخلال فترة تزيد على خمسة عقود بذل سموه وفير الجهد والعطاء ولم يبخل بمال أو صحة في سبيل أن يؤدي ما عليه من واجب تجاه الكويت وأهلها، إذ شارك مع أخيه المغفور له بإذن الله تعالى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير القلوب، وبمساندة من أخيه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (أطال الله في عمره وحفظه) فكان للكويت سنداً واخوانه أبناء الأسرة والوزراء وممن عملوا وتفانوا بالعمل من أهل الكويت والمقيمين على أرضها في بناء الكويت الحديثة والحفاظ على كيانها وصون استقلالها، وستظل الكويت وأهلها يستذكرون بكل عرفان وتقدير ذلك الدور البطولي والتاريخي الذي قام به سموه إبان محنة الغزو الغاشم والصلابة والصمود والبلاء الحسن لسموه منذ مساندته فرق المقاومة الوطنية ضد القوات الغازية، فقد كنت إلى جواره أعايش تلك اللحظات أولاً بأول، ورأيت بنفسي كيف انه كان يحمل روحه على كفه ليقدمها فداء للوطن ولثرى الكويت الغالي، وبمتابعة سموه لأهل الكويت بالداخل والخارج من مكتب الكويت في المنطقة المشتركة بالخفجي وقصر الخليج بالدمام وشيراتون الهدا بالطائف إلى أن عاد للكويت في مارس 1991.
عشت مع سموه (يرحمه الله) أصعب اللحظات وعايشت معه أدق التفاصيل التي كانت تنم عن معادن الرجال التي تظهر في أوقات الشدة، ورأيت أن رجلاً مثل سمو الشيخ سعد هو رجل بحجم الوطن ورمز للوفاء بكل المعاني، وظل هكذا حتى استعادت الكويت عافيتها وشرعت في مواصلة مسيرة بناء نهضتها الاقتصادية والاجتماعية من جديد، فكان سموه بطلاً لما بعد التحرير، كما كان بطلاً إبان التحرير وأثناء الغزو الغاشم... وهكذا هم الأبطال يصنعون التاريخ، وهم أحياء فيظل التاريخ يذكرهم بعد وفاتهم.
سيظل التاريخ يذكر رجلاً بحجم سمو الشيخ سعد (طيب الله ثراه) وسأظل أصبو إلى الافصاح عن مكنونات نفسي تجاه هذا الرجل الذي تبوأ في قلبي وقلب الكويتيين مكانة لا تضاهى ومنارة للسمو في الأخلاق والاخلاص لدى الجميع.
سأظل أرتوي من عبق تاريخه المضيء المنير وسأظل أفخر انني كنت دوماً إلى جواره، وستظل الكويت تفخر أنها أنجبت سعداً (طيب الله ثراه) وستظل محبته في قلب الجميع.
خالد الحجرف