يُلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد حالات الانتحار داخل الكويت، ومن الملاحظ أن حالات الانتحار محصورة في بعض الجنسيات الوافدة، وبالتحديد الجنسيات الأسيوية، مثل الهندية والفيليبينية، وبعض الجنسيات الأخرى الأسيوية.
والشيء العجيب أن وسائل الانتحار بين هذه الجنسيات هي بقدر كبير متشابهة، وأدوات الموت بسيطة جداً عن طريق الشنق باستخدام الحبل في مشجب المروحة، ومن الملاحظ أن وسيلة الانتحار تجري وكأنها طقس ديني. وهنا يأتي دور الصحافة الكويتية الحرة التي تغطي في اليوم، وعلى مدار الساعة جميع مناحي الحياة السارة منها والحزينة، حتى أصبح نشر خبر انتحار وافد أسيوي شبه خبر دائم وشبه يومي أو أسبوعي أو شهري، وليس المهم متى يحدث الحدث، ولكن ماهيات الحدث وكيف يتبلور إلى أن يصير خبراً لا تملك سوى أن تقرأه فقط، لكن تكرار الحدث يوقظ مارد التساؤلات وعلامات الاستفهام التي هي بعدد سيارات الكويت ساعة الذروة.
وما يقلقني كله كوافد عربي أو مواطن كويتي سمعة الكويت التي حافظت عليها منذ الأزل وحين نتكلم عن سمعة دولة بحجم الكويت فإننا نلمس وتراً شفافاً، فالكويت تتمتع بسمعة لم يسبق لدولة عربية أو في العالم تستطيع أن تنافس الكويت في ذلك الإرث الحضاري من السمعة العطرة والكل يعلم أن الكويت هي الأولى في مارثون السمعة الطيبة وليس خفياً أن بعض الدول تحسد الكويت على سمعتها الحضارية حيث الاحترام والشفافية، حتى صارت حروف الكويت تمثل العديد من المعاني الجوهرية. لا يكفي أبداً أن ننظر على الصورة بالعيون التي أرهقتها آلاف الفلاشات وأضواء السيارات ووميض الأجهزة المجنونة، وعلينا أن نعمل حاسة اللمس كي تكتمل حاسة الرضا بالحكم، ومنذ نصف قرن أو يزيد تحوّلت الكويت إلى معان كثيرة في جميع البلاد العربية والدولية منها العدل والمساواة و التقدم والأصالة والعراقة وكرم الضيافة والأريحية وإغاثة الملهوف. وأظن أن شيئاً ما لم يتغير ولن يتغيّر، ولكن اهتزاز الأرض لا يعني اهتزاز الجبال.
وجاءت الأزمة المالية من ناحية كنا نحتسب ولا نحتسب، وجاء انهيار الاقتصاد الأميركي «أزمة الرهن العقاري»، وهنا تحركت غيوم الركود الاقتصادي ففاضت في أميركا وأمطرت في أوروبا وأفاضت سيلاً في العالم العربي، ما أدى إلى انهيار الشركات الأميركية والأوروبية، وحين سقطت ورقة الدومينو الأولى كان حتمياً سقوط الأوراق كلها في توقيتاتها المحددة، وأخيراً جاءت الورقة العربية فتأثر كل شيء، ومنها الكويت حديقة الاستثمارات والمحمية الطبيعية لرؤوس الأموال المحلية والعالمية.
ومن البدهي أن جميع الصحف والأخبار موضوعة وممدة على شبكة الإنترنت فأصبحت جميع الأحداث والمجريات والأخبار ليس لها سقف يغطيها أو يخفيها أو يحميها من الناظرين والمتطلعين إلى معرفة أخبار دول الشرق الأوسط عموماً وبلاد العالم العربي خصوصاً، وفي مقدمهم الكويت.
إن الانتحار يعد القرار الأخير من الشخص المقدم عليه، وهو تذكرة ذهاب بلا عودة بعد أن فشل أن يتكيّف مع هذه الحياة العصيبة وما تحمل من مقلقات شتى، مثل ارتفاع الأسعار المحلية والعالمية، وتدني الأجور، ولا ننسى انخفاض أسعار البترول إلى مستوى حالة الموت الإكلينيكي والأسعار العالمية ترقد في غرفة الإنعاش.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن للكويت قوة ناعمة تسربت إلى العديد من الدول المجاورة وإلى دول المقيمين والمغتربين، وقد يتساءل أحدكم كيف يكون هذا؟ رغم أن الجميع يشعرون به ويحسونه ويلمسونه بأيديهم، وأقول لهم ألم تتسرب الأسماء الكويتية والعادات والمعاني الكويتية إلى بعض البلدان العربية وغير العربية، فأصبحت الأسماء الكويتية هي الغالبة في بعض الدول العربية.
من أجبر هذه الأسر والآباء والأمهات بأن يتخلوا عن أسماء الأجداد والجدات ويخلعن على أطفالهم وصغارهم الأسماء الكويتية سوى الحب والإحساس بقدر ومعنى هذا الاسم وتداعياته من الراحة النفسية وكنوع من التعبير عن رد الجميل.
ولذلك تنتشر صور أبراج الكويت في غرف جلوس ومنازل تبعد آلاف الأميال عن حدود الكويت الجغرافية، ولكن هي على التماس مع الحدود المعنوية والعاطفية والوجدانية.
ويدهش أحدكم حين أخبره أن كثيراً من المغتربين والمقيمين يريدون أن يقضوا آخر لحظات حياتهم على تراب الكويت، وخير دليل هي قصة عمي الحاج إمام التي سأرويها لكم في ما بعد...
البدري الخولي
[email protected]