محمد الوشيحي / آمال/ لخبطة

1 يناير 1970 02:06 م

على طريقة الأديب العربي شعبان عبد الرحيم أو شعبولا، نظمت معلقة: «أنا بعشق اللخبطة، والدوخة والشحططة، محبّش المضبطة، هييييييه». و«المضبطة» من الانضباط. طبعاً يجوز للأديب ما لا يجوز لغيره... الحمد لله، تركت مرحلة «الفوضى» للناشئين، وتجاوزتها إلى مرحلة «الانفجار». نصف ساعة فقط تكفيني لتحويل غرفتي في أي فندق أسكنه إلى «فلّوجة». ولهذا أضع على باب غرفتي - بجانب ورقة «يرجى تنظيف الغرفة» - ورقة ثانية «يرجى إعادة إعمار الغرفة». وعندما أشاهد عاملات التنظيف أثناء سيري في الممر يتبادلن الضحك، أنظر للسقف وأتمتم: اليوم خمر وغدا أمر، ينتظركن فيلم رعب، مستقبلكن أفريقي فاحم بإذن الله.

أربع حقائب من الحجم الكبير أحملها معي، والمصيبة أن فائدتي من الحقائب الأربع لا تتجاوز بنطلونين وثلاثة قمصان، وبقية الأشياء لا علاقة لها بالسفر: «سليب باغ» أو فراش صحراوي، كيس قرقيعان افتقدته في رمضان الماضي ووجدته الآن، أدوات موسيقية من ممتلكات الأخ «بو عنتر» خبأتها عنه بعدما سمعت أنغامها على رؤوس أبناء الجيران وذوي القربى، درع من الجيش الفرنسي، قصيدة مكتوبة على لوحة داخل برواز ثقيل من براويز سوق الجمعة أهداني إياها شاعر نص كم، «ريسيفر» انتهى عمره الافتراضي، صور أشعّة لأصبعي الذي كسره شقيقي أثناء لعب كرة الطائرة، بعض أدوات المخيم، كراكيب ما أنزل بها من سلطان (في الأردن، مررنا بجانب مبنى متهالك فقلت لأصحابي: ابحثوا في حقائبي عن أسمنت وطابوق، وتعالوا نرمم المبنى)! المصيبة أنني لم أجد أحذيتي الجديدة التي اشتريتها قبل السفر.

ذات رحلة، وعلى حزام الأمتعة في المطار، حمل العامل حقائبي، ثم توقف وتنهد ومسح عرقه وأكمل حملها وهو «يبرطم» ببضع كلمات، فالتفتّ لصاحبي وقلت: إن جاز لك ظني، هو يقول «الحمد لله على سلامتكم، شرفتمونا». فعلق صاحبي: إن جاز لك ظني أنا، هو يتحدث عن سقوط فقرتين من عموده الفقري، وتسرّب في الحجاب الحاجز، والتواء عظمة فخذه! وأكمل صاحبي افتراءه: ويسعدني أن أعلن بأنه سيستقيل من وظيفته اليوم... وقبل الخروج من المطار توجهت لدورة المياه فوجدت- بالصدفة - العامل نفسه جالسا على الأرض مستندا على الحائط، فقلت له: ممكن تضع حقائبي في التاكسي؟ فجحظت عيناه وصرخ بصوت عال وهو يشير إلى أسفل ظهره. فخرجت مسرعا وأنا أردد: هناك سوء فهم، بالتأكيد هناك سوء فهم. 

هي جينات انتقلت لي بالوراثة من الحكومة. جينات «اللخبطة»: لدي دائما فائض في الحقائب وسوء في التدبير والتقدير، وعشق شديد للسير على غير هدى، أي والله، أكره الخرائط والخطط والجداول... فرجاء، لا تتهموني بالمعارضة، عليّ النعمة، أنا حكومي نقي «عصرة أولى»، مكفول من مجلس الوزراء.


محمد الوشيحي

[email protected]