محمد العوضي / خواطر قلم / مضاجعة الشيطان!

1 يناير 1970 01:30 م
ألحّ عليّ الطالب الجامعي عبدالله الوقيان وصديقه بدر أن أستجيب لدعوة عشاء خاصة جدا ليروي لي تصوره عن اهتمامات شباب اليوم ومستوى نضجهم العقلي والمظاهر السلوكية المستجدة لديهم لأن ذلك يساعد الموجهين الاعلاميين على تسديد خطواتهم في الطريق الأكثر حيوية مما يحتاجه المجتمع، وكنا الثلاثة في السيارة عندما وقفت على إشارة السالمية تقاطع «الشوبيز» وفندق «هوليداي ان» وكانت تتقدمنا سيارتان، لاحظت ان السيارة التي امامي فيها شباب مشاكس يفتح الشباك ويخرج يده للسيارة المجاورة التي يستقلها مجموعة بنات هادئات لا يلتفتن لحركات ومشاغبات سيارة الشباب المستهتر، تطور الأمر ففتح الشاب الذي يجلس في المقعد الخلفي باب السيارة وانزل احدى قدميه ليلفت انتباه البنات، ولكنهن اهملنه، قلت للشابين الجامعيين عبدالله وبدر، زمروا لهم وشغل عليهم الكشاف العالي... فقالوا: يا بو أحمد ماكو فايدة منهم، جيل لا يبالي، قلت: لا بد ان نقوم بواجبنا حسب امكاناتنا، فنزلت من السيارة، وتوجهت إليهم وفاجأتهم من الشباك الخلفي وقلت: مو عيب عليكم يا شباب... هل هذا سلوك انسان محترم... هل يرضى أحدكم أن يتحرش الناس بأخواته وأرحامه... هل هذا فعل مسلم وإنسان متربي... ماذا يكون موقفكم لو طلبنا رجال الأمن وحولوكم إلى المخفر وعلم أهلكم بما يسوؤهم؟... كان من في السيارة يقولون والله العظيم السبب هذا، واشاروا إلى أحدهم، كانوا خجلين ومرتبكين، ومن شدة الاحراج غيروا مسير السيارة بغير الاتجاه الذي كان المفروض يسيرون فيه كي لا يلتقوا معنا في الطريق!!
هذا الحدث الذي قد يكون بسيطا ولا يستحق هذا العناء هو جزء من منظومة اجتماعية اخلاقية، ماذا يبقى لدينا اذا فقدنا الأمن الاجتماعي العام وكان سبب هذا الخلل هم أبناء المجتمع أنفسهم، هنا يجب ان نعترف اننا امام تراجع على صعيد القيم التي كنا قبل زمن قصير نعتبر فيه أعراض الناس أعراضنا، واحترامهم جزءا من ثقافتنا واخلاقياتنا...
ولاحظوا ان هذا الفلتان الاخلاقي جاء في زمن تطور التقنيات وامتلاك الناس لأدق أجهزة الحضارة الغربية لنعرف ان لا علاقة بين ثقافة الاستهلاك والمظهرية المدنية وبين تطور انسانية الانسان، والذي ذكرني بهذا الحدث كان قبل سنة مع الشابين الجامعيين ما نشرته جريدة «الراي» السبت 27 ابريل 2009م تحت عنوان: «احتجاجات إلكترونية ناعمة في مصر ضد ظاهرة التحرش»، وفي الخبر ان تفشي ظاهرة التحرش الجنسي قام «غروب» لـ 225 شابا في مصر على موقع «الفيس بوك» عنوان: «عاوزين الأمان يرجع زي زمان» في محاولة لمواجهة هذه الظاهرة.
وكشف أحد المشاركين عن وجود دراسة اعدها المركز المصري لحقوق المرأة توصلت إلى حقائق اكدت ان التحرش لا يرتبط بشكل المرأة، او جمالها، او ملابسها، بل بكونها انثى.
والسؤال الذي يجب ان نلتفت اليه باهتمام لماذا اتسعت دائرة التحرش الجنسي التي كانت سابقا محصورة في الجرأة- ليس ضد المتبرجات- بل ضد السافرات المستعرضات شبه العاريات! اي كيف وصلت الجرأة ان يكون التحرش لمجرد ان المقابل «أنثى» كما قالت الدراسة... وهذا مؤشر خطير جدا، يدل على مدى الهياج الغريزي المتزايد لدى الرجال ما جعلهم يؤذون كل امرأة بقطع النظر عن لبسها او عمرها او شكلها.
أظن أن الاسباب عديدة، لكن احدها ما تظنون ان بفعل الشباب بل والكبار امام سيل متدفق على مدار الساعة وفي كل مكان ويستخدم ارقى التقنيات وكلها لتحريك كوامن الجنس الرجالي، ففي الشوارع والفضائيات والجرائد والاسواق تحاصر الانسان صور الفاتنات العاريات على كل منتج وبضاعة فاذا اضفت على ذلك فضائيات الفيديو كليب التي تجعل الفحول يرفعون رايات الاستسلام بكل ألوانها وتغري البنات بمحاكاة استعراض اللحوم المتراقصة او الهزازة.
كل هذا مع اقصاء المنهج التربوي الرباني عن الحياة العملية ذلك المنهج الذي يقوم على التدابير الوقائية ويعطينا مساحات أمان تضبط العلاقات بين الجنسين، كما تدعو المرأة ان تكون ملتزمة بالحشمة الظاهرة والباطنة، العملية والشكلية، كانوا يقولون قبل 70 سنة ان الانفتاح والتعرض للجنس يخفف الهيجان ويهدئ الغرائز فجاء الواقع لينقض مزاعم علمانية خرافية يكسونها بثوب العقل والاستنارة.
اقول ان دعارة العريّ وفضائيات العريّ ونوادي العريّ ما هم إلا جماعة من مدمني مضاجعة الشيطان!


محمد العوضي