الليلة الغنائية لمصطفى أحمد أحد أهم رموز الجيل الذهبي

1 يناير 1970 05:07 ص
| كتبت - ليلى أحمد |





















وتكريم أحد أهم رموز الأغنية الكويتية



في ليلة ختامية لفعاليات مهرجان القرين الثقافي تم تكريم المطرب الكويتي القدير مصطفى أحمد، أحد أهم رموز الأغنية الكويتية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حضر الحفل رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي وكوادر المجلس بالاضافة الى الكثير من المبدعين من الجيل الذهبي مثل الاساتذة الملحنين وشعراء الاغنية... غنام الديكان ومبارك الحديبي ويوسف المهنا وياسين الحساوي والمطرب محمد المسباح وغاب الكبير أحمد باقر بسبب ظروفه الصحية، وأضاف وجود الكبار جوا من الدفء على أجواء الحفل، وقدم أغنيات المكّرم مصطفى أحمد المطربين الشباب فواز المرزوق وحمد المانع من معهد الموسيقى، وبمصاحبة الفرقة الوطنية الكويتية للموسيقى، واكتشفنا فيما بعد ان الفرقة أخذت «مسمى» الفرقة الوطنية التابعة للمجلس الوطني وهم ليسوا من فرقة المجلس الذين استبدلوهم بعازفين، جمعوهم في ليلة «ما فيها قمر» من أساتذة معهد الموسيقى، امعانا في «كسر رأس» الفرقة التابعة للمجلس الوطني بسبب خلافات مالية قبل سفرهم لتمثيل الكويت في الجزائر، ذلك لأن المجلس قرر صرف 70 دينارا للفرقة، فلما رفضوا لأن قرار مجلس الوزراء حددها بأكثر من 200 دينار، استبدل المجلس الوطني الفرقة الوطنية التى تم تجميدها منذ سبتمبر الماضي بفرقة شعبية، سافرت للجزائر بـ 70 دينارا... فعيب أن يغش المجلس ضيوف الحفل واطلاق مسمى الفرقة الوطنية فيما هم ليسوا كذلك.

قاد فرقة معهد الموسيقى المايسترو محمد باقر المعيد بالمعهد العالي للفنون الموسيقية الذي كان قديرا في خلق انسجام متوازن مع عزف أعضاء الفرقة، وان شابه بعض الخلل أثناء غناء المطرب الكبير مصطفى أحمد، فلم يسيطر على غناء شباب الكورال الذي كان «يصارخ» بصوت عال جدا، ولم يسيطر أيضا على «الطيران» المصاحبة، فكان الكورال والدفوف «الطيران» أعلى ضجيجا من صوت مصطفى الحنون.

لا أدري ما الحكمة من الاضاءة المواجهة للجمهور والموضوعة على جانبي مسرح المتحف فهي من المفترض ان تتجه للمسرح للاضاءة على الفعاليات وليس لكسر عيون الجمهور الذي ملأ صالة المسرح للاستماع الى مطربهم القدير، كما انني أقدر مشاركة المغنيين حمد المانع الذي كان أكثر حيوية وراحة وأكثر انسجاما وقربا من صوت مصطفى احمد بينما كان فواز المرزوق غير مناسب لصوت المطرب القدير، فهو له طبقة صوت، وتون عال جدا غير مناسب لأداء أغنيات مصطفى أحمد.

لا أدري لماذا لم يعد قيادات المجلس الوطني فكرة جميلة حازت على نجاح كبير في احتفالية المجلس بالمطرب عبدالكريم عبدالقادر قبل ثلاثة أعوام وربما أكثر حين تمت دعوة المطربين عبدالله الرويشد ونبيل شعيل لاضافة التكريم البهّي على عبدالكريم عبدالقادر، فغنوا أغنياته... وشاركهم عبدالكريم الغناء في ختام الحفل، كانت فكرة رائعة، فهم من جيل أتى بعد مصطفى وحقّ عليهم تكريم رموز الأغنية الكويتية بحضورهم وغنائهم، الا ان المجلس رأى أن «يجعلها» خفيفة علينا فاستسهل حضور شباب معهد الموسيقى الجاهزين دائما مثل فواز المرزوق وحمد المانع ليحيوا ليلة مصطفى من خلال غنائهم، كما قام المجلس الوطني التابع لوزير الاعلام بتقديم درع خشبية مخلوطة بالنحاس «يعني كشخة» وقدموه أمام فلاشات الصحف للمطرب الكبير مصطفى أحمد «والله فشلة من دولة النفط والثقافة والفنون والآداب»... فيما هذا المجلس يستضيف المطربين والفرق الموسيقية الغربية والعربية من أقاصي الأرض ويبذخون عليهم الآف الدنانير الكويتية، بينما مطربنا القدير مصطفى احمد وقبله كثيرون وسيأتي بعده آخرون وهم الذين سجلوا بأصواتهم مع شعراء وملحني الأغنية هويتنا الغنائية، فأهدوه «طرق حطبة»... والسلام عليكم و... تفضلوا «كياكات» السويت والعصائر المتنقلة لكبار قيادات وضيوف المجلس في غرفة الـ vip.

بدأ الحفل الغنائي بمقطوعة موسيقية «سماعي حجازي» للملحن الكبير أحمد باقر، ثم غنى فواز المرزوق أغنية «ولهان» للشاعر بدر بورسلي والملحن سليمان الملا نقلتنا الأغنية الى أجواء الستينات بتحفظها الاجتماعي، فنجد ان الشعر الغنائي المعبر عن أشواق الحبيب يتجلى برقة وعذوبة وخفر وحياء المحبين في تلك الأيام، فأقصى ما يمكنهم بلوغه يوحي به هو هذا النص الشعري في أغنية «ولهان».

ولهـان ويحقلـــي أولـه.... الله يصبرني على الغيبة وعليك

يا زينة عيوني اللي يسألوني.... ما نامت ايديهم ثواني في ايديك

ايقاع ذلك العصر الهادئ يتجلى فى أغنية الستينات والسبعينات، فالكويت كانت تعيش بداية مرحلة التحولات الاقتصادية والاجتماعية بعد تفجر النفط في بلادنا، وظلت الأغنية محتفظة بالكثير من القيم الاجتماعية الأصيلة السائدة آنذاك، فلا تجد «عنفا» بالمفردة الغنائية، وتجد ان الألحان تصب في نفس القالب، هدوء ما قبل اتيان الصخب الاقتصادي والاجتماعي على كل مناحي حياتنا.

فواز غنى أيضا الأغنية التراثية البحرينية المنسوبة كلماتها للشاعر بدر الحديبي والملحن غنام الديكان «ربما تم تطويرها وكان على كتيب المجلس أن يذكر ذلك حفظا للأمانة»... وكان جارياً في الجلوس الشاعر الحديبي الذي كان من مقعده، يوجه المطرب فواز المرزوق في تنزيل تون صوته، وكانت كل أحاسيسه على خشبة المسرح، بينما كان الملحن الكبير غنام الديكان «حده كووووول»...

أغنية «مادريت» من كلمات الحديبي وألحان يوسف المهنا أغنية بها الكثير من الشجن أداها حمد المانع باحساس عال وهذا نصه الشعري الجميل.

مادريت يوم تودعنا... بكت حتى الأشجار... اللي في ظلها التقينا

وافترقنا أشكره... محد بحظه درى.

لحظتها سألت الملحن الجميل يوسف المهنا... ما ظروف هذه الأغنية الشجية في أي سنة كانت... «ولك تحرق القلب» ضحك المهنا المعافى من «الخلل الفني مال هالأيام»... قال: هذه قصة طويلة، سأحكيها لك فيما بعد «صج كلش مو وقت هالسؤال على أهميته».

في اغنية «قال أحبك» غناها فواز المرزوق بحدة مزعجة وهي للشاعر الحديبي سمعنا صوراً شعرية بليغة ناعمة وموحية صاغها لحنا المبدع غنام الديكان... تقول كلماتها..

قال أحبك... أويلاه... لاحظ ايدي في ايدك... لاحظ انت وافهم... كل شي فيني تكلم... قال أحبك أويلاه.

أغنيات عديدة من زمن جميل، لم يضاهيها الا حين وقف شامخا كالنخل المعطاء الفارس المطرب الكبير مصطفى أحمد ليغني بصوتة الرائع الذي لم يفقد حيويته، على الرغم من انقطاعه عن الغناء قبل أكثر من عقدين من الزمان، كما انه عزف أغنيته «ترى الليل» على العود وغناها باقتدار عال أذهل الحضور الذي دوى تصفيقه وغنى معه ككورال في صالة مسرح المتحف الوطني، أعادنا مصطفى أحمد الى بيئتنا ورائحة الاجداد والجدات وقصص حبهم العذري، محافظا على أصالتها في الأداء الراقي الذي أمتعنا به الكبير مصطفى أحمد كما انه ليس من مطربي هذه الأيام كان حافظا للنصوص الشعرية لاغنيتي «ترى الليل» لمحبوب سلطان وألحان يوسف المهنا وأغنية «مادرينا بك» لخليفة العبدالله والحان عبدالرحمن البعيجان، وشارك حمد المانع وفواز المرزوق مطربنا الجميل وكان حمد المانع منسجما جدا في تون صوته مع مصطفى بينما النشاز الصارخ كان لفواز المرزوق الذي لم يرحم آذاننا بتخفيض تون صوته.

كانت ليلة رائعة حملت الى الأجيال الجديدة قيم الأصالة والطرب الكويتي القديم. ولعلها تستمر... دائما، وتمنى الجمهور الراقي في تلك الليلة الشتائية الباردة لو أنه طال الليل أكثر، لأغنيات جميلة غابت للفنان مصطفى أحمد مثل «ياريم طاوعنا» و«وايد وايد منك يا غالي»... يا ليت المجلس الوطني يقيم احتفالات موسمية دائمة لمطربين الزمن الذهبي... وهذا حلم ابليس بالجنة.



... و«مادرينا بك» المطرب الأصيل يتوسط المرزوق والمانع