رئيس الإمارة لمجلس القضاء الإسلامي في جنوب أفريقيا قال لـ «الراي»: إن التجديد في الفكر الإسلامي وفق قواعد وليس دعوة للانفلات
فقير: المجهودات التي تبذل في موسوعات الفقه ليست كافية
1 يناير 1970
12:49 م
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
أكد رئيس الإمارة لمجلس القضاء الإسلامي في جنوب أفريقيا الدكتور محمد أمين فقير أن البعض يتخوف من التجديد خشية أن يجر ذلك إلى التفريط في شيء من تعاليم الدين وقيمه الثابتة، ومن هنا يميل هؤلاء إلى غلق الباب ظناً منهم أن في ذلك السلامة من مخاطر التجديد، ومخاطر العولمة على السواء. لكنه رأى أن: «الأمر ليس على هذا النحو من التشاؤم، ذلك أن التجديد في الفكر الإسلامي له أسس يقوم عليها، ومعالم يسترشد بها وضوابط يلتزم بها، وليس دعوة إلى الانفلات من كل قيد أو بداية للتفريط في كل شيء، وهذا يعني أن التجديد سنة إسلامية لضمان حيوية الشريعة واستمرار صلاحيتها عبر الزمان». وقال، في حوار مع «الراي» في القاهرة، ان الجهود التي تبذل في موسوعات الفقه الإسلامي ليست بالكافية. وان العالم الإسلامي يواجه اليوم مشكلات جديدة، لم يكن كلها أو جلها معروفاً في العصور السابقة، ولهذا فإننا في حاجة إلى مجمع للفقه الإسلامي، يضم أشهر فقهاء العالم الإسلامي المستنيرين، ويضم الخبراء المختصين في شؤون الاقتصاد، والتجارة، والطب، والاجتماع، وغير ذلك، وهذا حتى يكون البحث الفقهي، كما قال، معتمداً على خبرة فنية.
وهذا نص ما دار معه من حوار:
• هناك من يقول إن الفكر الديني متجدد ولا يحتاج لتجديد أو تغيير فماذا يعني تجديد الفكر الديني بالنسبة لكم؟
- إن التجديد في الفكر الديني واجب شرعي، ونحن مأمورون به، وملزمون بأدائه، وكان الاجتهاد والرسول «صلى الله عليه وسلم» حي، وكان الصحابة يجتهدون، ثم توالى الاجتهاد في ذروته في عهد الخلفاء الراشدين ثم جاء التابعون. فكان منهم من يتقن في الفتيا، فلما جاء عصر المجتهدين، أصحاب المذاهب، كانت هناك ثروة من الفتاوى والأقضية والأحكام، متنوعة مختلفة النواحي، متباينة الأشكال والألوان، فكان لكل منطقة من الديار الإسلامية مجموعة فقهية، وكانت جميع هذه المجموعات الفقهية المتنوعة ثروة من العلم والاستنباط.
وجاء الإمام الشافعي وبين يديه تلك الثروة الفقهية وأخذ من كل نوع شطراً وتمرس بطريقها ومعه الأدوات الصالحة لأن يأتي بجديد فيها، وأن يستخلف من بين أشتاتها المتفرقة وأجزائها المتناثرة قانوناً جامعاً يعرف به الصحيح من السقيم من الآراء، فقد أوتي علماً محيطاً دقيقاً باللسان العربي، وأوتي علم الحديث،
وأحاط علماً بجميع أنواع الفقه في عصره، وكان عليماً باختلاف العلماء من لدن عصر الصحابة وإلى عصره، وكان متمرساً للجدال والمناظرة، وكان حريصاً على أن يقرأ الفقه المدون في عصره. وكل ذلك مع عقل علمي مستقيم، وكتبه التي خلفها سواء في ذلك مسنده ورسالته وكتاب «الأم» يدل دلالة واضحة على غزارة علمه، وهكذا نرى الشافعي انتفع بالثروة الفقهية التي وجدها، واستخرج منها بعقله العلمي الذي يستنبط الأمور فيدرك كلياتها، فوضع علم أصول الفقه، واستحق بجدارة لقب مجدد القرن الثاني بعد سيدنا عمر بن عبدالعزيز.
• هل التجديد في الفكر الإسلامي، كما يطالب البعض، إعادة التفكير حتى فيما هو ثابت في العقيدة؟
- اتفق العلماء على أن التجديد لا يعني بأي حال من الأحوال أدنى مساس بثوابت العقيدة والعبادات، وما ورد في الكتاب والسنة من أحكام قطعية، ولكنه إعمال للعقل والفكر في مشكلات حياتنا المعاصرة لاستنباط الأحكام المناسبة لها من أدلتها الشريفة. ويؤكد وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق أن التجديد سمة أساسية من سمات الإسلام، كما جاء في حديث النبي «صلى الله عليه وسلم» «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها». ولكن البعض يتخوف من التجديد خشية أن يجر ذلك إلى التفريط في شيء من تعاليم الدين وقيمه الثابتة، ومن هنا يميل هؤلاء إلى غلق الباب ظناً منهم أن في ذلك السلامة من مخاطر التجديد، ومخاطر العولمة على السواء، لكن الأمر ليس على هذا النحو من التشاؤم، ذلك أن التجديد في الفكر الإسلامي له أسس يقوم عليها، ومعالم يسترشد بها وضوابط يلتزم بها، وليس دعوة إلى الانفلات من كل قيد أو بداية للتفريط في كل شيء، وهذا يعني أن التجديد سنة إسلامية لضمان حيوية الشريعة واستمرار صلاحيتها عبر الزمان والمكان. ويقول شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي إن هناك أموراً لا تقبل التجديد، ولا تقبل التغيير، ولا تقبل التبديل فيما يتعلق بالعقائد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذه الأمور التي تتعلق بالعقائد لا تقبل التجديد لأنها أمور ثابتة، كذلك ما يتعلق بمكارم الأخلاق لا يقبل التجديد، لأن العقلاء في كل زمان ومكان اتفقوا على أن الفضائل فضائل والرذائل رذائل، والحياة في كل مظهر من مظاهرها متجددة، فالتجديد نراه في الليل ونراه في النهار، ونراه في جميع مظاهر الحياة.
• ما مجال الاجتهاد الشرعي؟
- الاجتهاد بمعناه الاصطلاحي مجاله النصوص الشرعية التي ليس فيها دليل على أنها قطعية الثبوت، أو قطعية الدلالة، وكذلك لا مجال للاجتهاد في كل نص محكم قطعي الدلالة على معناه الواضح، الذي لا يقبل التأويل، وإنما مجال الاجتهاد الشرعي يكون في النصوص التي هي ظنية الثبوت كبعض الأحاديث النبوية، التي تكلم أهل الاختصاص من المحدثين عن أسانيدها، وعن متونها من حيث الصحة أو الحسن أو الضعف، أو غير ذلك من الدراسات التي تتعلق بالسنة النبوية أو في النصوص التي هي ظنية الدلالة، كبعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية التي تحتمل في فهمها أوجهاً من الفهم المعقول المستند إلى التراكيب اللغوية أو الأدلة الشرعية إلى أن يقول كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يأذن لأصحابه بالاجتهاد ويقرهم عليه متى كان اجتهاداً صحيحاً مقبولاً.
• هناك مستحدثات تطرأ على الأمة الإسلامية وأيضاً مشكلات تظهر من حين لآخر فكيف للأمة أن تواجهها؟
- العصر الذي نعيش فيه تعددت مشكلاته، وتنوعت أحداثه، ووجدت أمور لم تكن لتخطر للسابقين على بال أحوج ما يكون إلى الاجتهاد الذي تنبع روحه من مقاصد الشريعة الغراء، والذي نرجحه وتطمئن إليه قلوبنا أن الاجتهاد في الأحكام الشرعية من الأمور المحمودة، التي يؤجر صاحبها ما دام الاجتهاد لا يتعارض مع نص قطعي الثبوت، والدلالة، ولا يصادم أمراً ثبت من الدين بالضرورة. وقد أكمل الله عز وجل دينه من حيث قواعده الكلية، ومبادئه التي يقوم عليها، ويحتاج إليها الناس في كل زمان ومكان، أما الجزئيات فبعضها قد تضمنته نصوص الكتاب والسنة، وبعضها ترك للاجتهاد على ضوء نصوص الكتاب والسنة، لأن الجزئيات التي تتولد عن الحوادث المستجدة لا تتناهى، بينما النصوص تتناهى، ولو ألزم الناس في كل قضية جزئية أن يحكمها نص لوقع الناس في حرج، وأيضاً فإن القضايا قد تتغير صورها وملابساتها وأنواعها من زمن إلى آخر، فلو وضعت لها نصوص تشريعية، فسيقيد ذلك من حركة الأمة ويجمدها، ولكن ما عمله الشارع هو أن جعل لما يستجد في حياة الناس، وما هو قابل للتغير، جعل له قواعد كلية ومبادئ عامة يعود الناس إليها ليجدوا فيها الحكم عن طريق الاجتهاد بالقياس أو غيره من مسالك الاجتهاد.
• هل الاجتهاد في الأمور المستحدثة يعد نوعاً من أنواع الترف؟
- إذا كان الاجتهاد في المستجدات أمراً ضرورياً في حياة أسلافنا فهو أكثر ضرورة في حياتنا اليوم، ذلك أن أوضاعنا الحياتية قد تغيرت عما كان عليه الماضي تغيراً كبيراً، وتطورت تطوراً مذهلاً، خاصة فيما يتعلق بالمعاملات، ونتج عن ذلك ظهور قضايا جديدة لم تكن من قبل، ونشوء علاقات جديدة لم تكن من قبل، وكل يوم والمستجدات تتوالى ما يوجب مواجهتها باجتهادات يبين فيها حكم الله، حتى يكون المسلم على بينة من أمره فيما يدع وفيما يذر، اتباعاً لشرع الله وامتثالاً لأمره.
وإذا كانت المستجدات اليوم كثيرة فإنها أيضاً ذات تعقيدات وملابسات وتداخلات بعلوم ومعارف أخرى، ما جعل الاجتهاد في تلك القضايا متكاملاً، وناضجاً ومستوعباً كل جوانب القضية المجتهد فيها، ويكون حكمه عليها صحيحاً، وهذا القدر الكبير من العلوم والمعارف لا يمكن توافره في عصرنا في عالم واحد، وإنما يحتاج إلى عدد من العلماء ليكمل بعضهم بعضاً. فالعالم المجتهد في العلوم الشرعية يكمل عالماً متخصصاً متبحراً في العلوم الإنسانية، وحتى لو افترضنا أن رجلاً لديه إلمام بكل العلوم، فإن تعرضه للخطأ أكثر احتمالاً من تعرض الجمع الكثير، لذلك فالاجتهاد الجماعي يكون أكثر إصابة للحق، وأقل خطأ من الاجتهاد الفردي، كما أن الاجتهاد الجماعي يعتبر من أنجح السبل إلى توحيد النظم التشريعية للأمة، كما أنه أفضل وسيلة لمعالجة قضايانا المعاصرة، التي تشابكت فيها الأمور، وتداخلت فيها العلوم، وأصبح النظر والاجتهاد فيها لا يتحقق إلا برؤية جماعية. حجية الاجتهاد الجماعي ليست في منزلة حجية الاجماع بالمعنى الأصولي، التي تكون قطعية تحرم مخالفتها، ولكنها حجية ظنية يكون اتباعها أولى من غيرها.
• البعض يدعو لإقامة مجمع فقهي لتجديد الفقه الإسلامي برغم وجود عدد من المجامع الفقهية... فهل نحن في حاجة إلى ذلك؟
- قامت حركات إسلامية عديدة في البلاد الإسلامية قام بها رجال مصلحون، وتركزت الدعوة إلى المطالبة بالعودة إلى الإسلام، واستنفار الهمة لإعادة مجد الإسلام، وقد اختلفت هذه الحركات في طابعها العام إلا أن روحها كانت تنبثق من ذلك بالعودة إلى الإسلام في عقيدته الصافية، وشريعته السمحة، واستنفار الهمة لإعادة مجد الإسلام.
وقد دعا كثير من العلماء إلى إنشاء مجمع فقهي على نسق المجامع العلمية الأخرى، تحقيقاً للهدف العام، الذي يشعر المسلمون بالحاجة إليه في تجديد الفقه الإسلامي وتطوره، وحتى يكون هذا المجمع وسيلة للاستنارة برأي الجماعة في الاستنباط بما يغني عن الاجتهاد الفردي، والسبيل الوحيد لمواجهة المشكلات الزمنية الكثيرة بحلول شرعية حكيمة، وعميقة البحث، متينة الدليل، بعيدة عن الشبهات والريب، والمطاعن، وتهزم آراء العقول الجامدة والجاحدة على السواء، وهي اللجوء للاجتهاد الجماعي بديلاً عن الاجتهاد الفردي.
• كيف يكون ذلك المجمع مختلفاً عن المجامع الفقهية الأخرى؟
- يكون بطريقة تأسيس ذلك المجمع الفقهي حيث يضم أشهر الفقهاء في العالم الإسلامي ممن جمعوا بين العلم الشرعي والاستنارة الزمنية وصلاح السيرة والتقوى، وينضم إلى هؤلاء علماء موثوق في دينهم من مختلف الاختصاصات الزمنية اللازمة في شؤون الاقتصاد، والاجتماع، والقانون، والطب، ونحو ذلك، ليكونوا بمثابة خبراء يعتمد الفقهاء على رأيهم في الاختصاصات الفنية، وقد أنشئ في الأزهر مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر، ومسؤولية أمين عام ويضم لجانا عدة منها لجنة البحوث الفقهية. وتقوم لجنة البحوث بتقنين الشريعة الإسلامية على المذاهب المختلفة، وإصدار البحوث التي تتضمن رأي العالم الإسلامي في هذه القضايا.
• هل الجهود المبذولة في الموسوعات الفقهية كافية لوضع حلول للمشكلات التي تظهر حديثا، وتواجه العالم الإسلامي؟
- ينبغي أن تعلم أن هذه الجهود التي تبذل في موسوعات الفقه الإسلامي ليست بالكافية، فهناك أمر أهم، وأخطر، وهو أمر الاجتهاد، وقد تميزت الشريعة الإسلامية أنها شريعة نامية حية بأصولها، وقواعدها، وقد أثبت أسلافنا خصوبة هذه الشريعة بالاستجابة لمتطلبات العصر بما فيه حفاظاً على الدين، وعوناً على النهوض بالأمة. إذا فلابد لرجالات الفقه الإسلامي من متابعة استنباط أحكام ما يجد من أحداث والشريعة، لا تعيش ولا يزدهر نشاطها وشبابها إلا عن طريق الرجال النوابغ، الذين يظهرون حينا بعد حين، وقد تفتح العالم الإسلامي اليوم على مشكلات جديدة، لم يكن كلها أو جلها معروفاً في العصور السابقة، وفي حاجة إلى أن يواجهها علماء الإسلام بالبحث والاجتهاد، والتجديد، ولا يتأتى حل هذه المشاكل إلا بالأبحاث العميقة التي ترد فروعها الى أصولها لتزنها بميزان الفقه الإسلامي، وتبتكر لها الأسلوب الجديد، الذي ينمو به الفقه والحياة معاً. وإذا تعذر الاجتهاد المطلق، فإن الاجتهاد الجماعي أمر ممكن، وهنا تأتي فكرة مجمع الفقه الإسلامي، الذي يضم أشهر فقهاء العالم الإسلامي المستنيرين، ويضم الخبراء المختصين في شؤون الاقتصاد والتجارة والطب والاجتماع، وغير ذلك حتى يكون البحث الفقهي معتمداً على خبرة فنية.