فهيد البصيري / السريالية الحكومية والفنتازيا النيابية!

1 يناير 1970 05:17 م
السريالية إحدى أساليب فن الرسم الحديث، فإذا ما قادتك الأقدار في يوم من الأيام، ووقفت أمام إحدى اللوحات التي لم تفهم معناها، ولم تدرك فحواها، فأنت أمام لوحة سريالية لم يسعفك ذكاؤك في فهمها، فالمشكلة هي في فهمك، وليس في اللوحة طبعاً، مما يعني أن المشاهد لوح وليس في مستوى اللوحة.
ومن الممكن أن تكون فناناً سريالياً، وما عليك كله هو أن تأخذ «سطلاً» من الألوان الممزوجة وتدلقه على أول وجه يصادفك في الطريق فتحصل على لوحة سريالية حية!
وهناك مشاهد سريالية كثيرة نمر عليها كل يوم من دون أن نعيرها اهتماماً، ومن دون أن نعرف قيمتها، خذ مثلاً «سكراب أمغرة» إذ إنه لوحة سريالية لا يمكن لأي فنان تقليدها! وإذا ما مررت بجانب منطقة الصليبية، فأنت تمر أمام لوحة سريالية شعبية من دون أن تدري! وإذا ما شاهدت مقطعاً من احد المسلسلات الكويتية الناجحة غصباً، وأصبت بنوبة غثيان، ودوار عنيف، فأنت متأثر بمشهد سريالي محكم.
وقد انسحب هذا المشهد السريالي على أداء الحكومة، وتكمن سريالية الحكومة في وضعها لخطط «فوق العادة»! لا تقبل الجدل ولا يشوبها الخبل، وهذه هي المتعة في النموذج السريالي، فهي أن تكون لديك خطة وليس لديك خطة! وأن تكون لك رؤية، ولكن بلا عيون! وأن تكون متفهماً وغير فاهم! وما الحاجة! فالعين لا تريك الواقع، والفهم قد يكون خاطئاً، لذلك كان لابد لهذه الخطط أن تكون خططاً سريالية حقيقية، وليست مزيفة، حتى لو لم نستطع قياسها، أو تحديدها، أو حتى فهمها، ولا يحتاج المواطن أن يتعب نفسه لكي يفهم، فهذه هي طبيعة السريالية. إنها أشبه بالأحلام الجميلة التي لا تريد أن تقطعها أشعة الصباح الفاضحة، وإذا لم تجد منطقاً لأداء الحكومة فيجب أن تدرك أن العيب في فهم المواطن وليس في الأداء الحكومي حتماً!
وإذا ما صرح مسؤول رفيع، ونقض تصريحه في اليوم التالي، فذلك لأنه يمارس السريالية السياسية بإتقان! وقد يتطور الأمر فيتحدث هذا المسؤول، ولا تفهم منه شيئاً، فهذا لأنه يحدثك بلغة شاعرية رمزية. إنها لغة ما بعد الحداثة أيها المتخلف، وعلى المواطن الحصيف أن يفك هذه الرموز الثمينة، والطلاسم الرفيعة!
ولقد رد بعض نواب الأمة على هذه السريالية، بفنتازيا عميقة، والفنتازيا، لمن لا يعرفها، هي الإغراق في الخيال والتصرف إلى حد يبلغ الغرابة، مما يثير التسلية والضحك أحياناً. والفنتازيا فن سينمائي وأدبي حديث وتحوّل في الكويت إلى فن سياسي، فتجد النواب يجسدون مطالب المواطنين بفنتازيا مبدعة!
ولذلك تجد بعضهم يطالب بإسقاط جميع الديون التي تثقل كاهل المواطنين والشركات، الأحياء منهم والأموات، وما ظهر منها وما بطن، وما كان منها سمن أو عفن، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط الدولة على رؤوس المواطنين. إنهم يجسدون مطالب المواطنين بشكل فنتازي جميل، لدرجة أنك تستغرب هذا الإبداع المدفون، والذي لا يخرج إلا في المناسبات، وقد لا تستطيع أن تفهم سلوك هذا النائب أو تفسره، ولكنه مسلٍ، على أي حال، وفي بعض الأحيان قد يتحوّل الأمر إلى فنتازيا تراجيدية، فيشق النائب «جيبه» رداً على سريالية الحكومة الخلاقة، وفي نهاية المشهد يقدم النواب استجواباً فنتازياً رائعاً بعنوان «أريد حلاً؟»، فيكون رد الحكومة أبلغ فناً وبسريالية تقطر حداثة وإبداعاً (الحل في الحل)!
ولكي تكتمل هذه الملحمة الوطنية نقوم بإيقاظ أطفالنا في الصباح الباكر لنعطيهم دروساً في الرقص الوطني نختتم به هذا المشهد السياسي الكوميدي الرائع. ويسدل الستار، ولكن الجمهور المندهش يهتف «أعد... أعد... أعد»، فهو لم يفهم! (وهو المطلوب) ويعود الأبطال من جديد ويستمر العرض حتى يموت آخر مواطن من الضحك.


فهيد البصيري